بقلم الدكتور محمدعياش*
ما تزال العصابة الصهيونية تعيش حالة صدمة وذهول لما جرى يوم السبت الفائت، وآثارها خرجت على ألسن المسؤولين بكلمات قد تضعهم أمام المحاسبة الدولية، مثل التصريح الذي أدلى به وزير المالية بتسلإيل سموتريش بمحو بلدة حوارة التابعة لمدينة نابلس عن وجه الأرض.
رئيس العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو استند على جملة من الأكاذيب والأراجيف أمام وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، مدّعياً أنّ رجال المقاومة الفلسطينية قاموا بأبشع المجازر بحق الأطفال والنساء وكبار السن وزاد على ذلك بوصفهم بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).
ما حققته المقاومة في هذا اليوم الرهيب سيبقى ماثلاً في ذاكرة الصهاينة، إذ قرّبتهم من سيناريو نهايتهم، وبالتالي فإن اللجوء إلى حكومة وحدة وطنية في هذا الظرف العصيب هو بمثابة الذهاب أو الإعلان عن النيّات المُبيّتة لدى هؤلاء المجرمين بإغراق قطاع غزة بالدم.
الحديث عن هجوم برّي أعتقد تمّ المصادقة عليه، والقصف الهمجي البربري الذي يمحو أحياء بالكامل ما هو إلا التمهيد له، لأن العصابة الصهيونية زادت من مخاوفها بتعاظم المقاومة سيما أن الاختراق أو العبور إلى الداخل الإسرائيلي ومباغتة الجنود في ثكناهم وإخراجهم من دباباتهم وإهانتهم، يمكن أن يتكرر في مدن وقرى جديدة، مع التعتيم والحنق الإسرائيلي على التراخي والإهمال من بعض القادة الذين يعملون في غلاف غزة، ولن تنتهي النقاشات والتخمينات عند هذا الحد، بل هناك مخاوف من وجود أنفاق تحت الأرض قد تصل إلى عمق المدن الشمالية وهذا ليس ببعيد عن الإرادة والعزيمة لهؤلاء الذين يتجرّعون مرارة الحصار وشظف العيش.
أدركت الولايات المتحدة الأمريكية أن إسرائيل تلفظ أنفاسها الأخيرة، وأن أي تأخير في المساندة والدعم قد يضيّع عليها مشروعها الصهيوني الذي يؤمّن لها التدخل في المنطقة وحرمان الشرق الأوسط من الهدوء والسلام. وذلك لأن الذهنية الأمريكية تعتمد كل الاعتماد على مفكريها ومسؤوليها الذين -إلى هذه اللحظة- يقدمون المشورة والأفكار مثل هنري كيسنجر، وزبغينو بريجنسكي مستشار ومفكر سابق لدى الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، حيث يقول الأخير، لمواجهة المنتفضين على الظلم، ليس برفع الظلم عنهم، بل بالمزيد من الظلم والتحالف مع قوى أخرى لتنفيذ ذلك.
إن الحصار الظالم والجائر على قطاع غزة لأكثر من سبعة عشر عاماً، هو الظلم بحد ذاته، لأن مساحة القطاع 360 كيلومتراً ويعيش عليه مليونان ومئتا إنسان في ظل ظروف صعبة، ماذا ينتظر العالم من شعب غزة؟ أن يشكره على الحصار ويرفع يديه للسماء على دوام الحصار؟ أليس من حقهم العيش الكريم في القرن الواحد والعشرين، بالرغم من وجود مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة والمحاكم الدولية المعنية بذلك؟
أعتقد جازماً، بدلاً من المزيد من الجرائم والمجازر، على العالم أن يضغط على الكيان الصهيوني للوقوف على الحقيقة، وأن لا تسقطوا غصن الزيتون من أيدي الفلسطينيين، لأن القادم صعب وعلقم، ومن شاهد ودقق بتحركات الشبان وهم يقتادون الجنود الصهاينة، لا بد وأنه رأى الكاريزما والثقة والقوة التي بدَوا عليها، لأنهم يمتلكون سلطان الحق، بينما الذعر والخوف الذي بدا على الجنود الصهاينة المدجّجين بأعتى صنوف السلاح يدل على أنهم القتلة وشذّاذ الآفاق.
طوفان الأقصى حدث لا يمكن أن يُنسى في التاريخ الحديث، هو مدرسة حربية ترقى لمستوى الأكاديمية في التخطيط والتصميم والتنفيذ، وبالتالي فإن الكيان الصهيوني سيعمل على إعادة أوراقه العسكرية جذرياً من حيث التسليح والتحصين، وفيما يخص العقيدة لا يمكنه أن يعطيها لجنوده لأن فاقد الشيء لا يعطيه، وهذه حقيقة لا يمكن لأي مسؤول صهيوني أن يتطرّق إليها، وبالتالي فإن التلطي خلف المظلمة التي تعرض لها اليهود ككذبة الهلوكوست وطوفان الأقصى هي ما يعتمد عليها للكذب والضحك على الذّقون.
= = = = =
*الدكتور محمد عياش – كاتب وباحث سياسي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً