بقلم الأستاذ سفيان حشيفة*
انتعش قطاع إنتاج مكوّنات السيارات في روسيا الاتّحادية خلال سنة 2023، متجاوزًا بذلك حزمة عقوبات الغرب الجماعي غير الشرعية، التي نُفِّذت عَقِب انطلاق العملية الروسية العسكرية الخاصة في أوكرانيا من أجل حماية سكان دونباس من اعتداءات النازية الجديدة، ووقف تمدُّد الحلف الأطلسي “الناتو” العدائي نحو الشرق.
فاجأ قطاع صناعة السيارات في روسيا الاتحادية الفواعل الاقتصادية الدولية التي راهنت على سقوطه تحت وطأة العقوبات الغربية، وحقّقَ مؤشراتٍ جدّ إيجابية بعد مرور عامين على فرضها، تَشِي بخروجه من بوتقة الضُّغوطات والصُّعوبات ليُصبح أكثر تنافسية في المستقبل على الصعيدين القاري والدولي.
وقد ذكرت صحيفة “نجيفورودسكايا برافدا”، قبل أيام قليلة، أنّ إنتاج مكونات السيارات في روسيا سجَّل انتعاشة وخرج من الأزمة، حيث ارتفعت نسبة نموّه في منطقة نيجني نوفغورود على وجه الخصوص إلى 20.7 %، اتّساقاً مع سياسات الحكومة الجديدة القائمة على تشجيع الإنتاج المحلي إثر مغادرة شركات صناعة السيارات البلاد.
وقال الرئيس فلاديمير بوتين في لقاء سابق مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، خريف العام الفائت،”إن روسيا ستتوسع أكثر في مجال صناعة السيارات، وإن ثمنها سيكون أرخص مرتين مما هو معروض في الأسواق” مشيراً في حديثه إلى علامة أوروس الروسية.
وقدَّم السيد بوتين دولة الهند كمثالٍ يُحتذى به في المجال، مشيراً إلى إعداد آلية لانتقال المسؤولين في روسيا إلى استعمال السيارات المُصَنَّعة وطنياً.
وحمل تصريح قيصر الكرملين ثلاثة أوجه، يُفهم من فحواها أولاً؛ أن روسيا ماضية بقوة في تطوير قطاع السيارات محلياً وبالتالي لجم سياسة العقوبات والتحريض التي انتهجها الغرب الجماعي ضِدّها، وثانيًا؛ أن هذا البلد القارة والعريق تاريخًا وحضارةً-روسيا- لا يمكن الضغط عليه وليّ ذراعه بأفعال وممارسات اقتصادية وثقافية عدائية ومشينة لا تخضع لأي أخلاقيات إنسانية، لطالما كانت دين الغرب ضد الدول المناوئة له مثل العراق سابقاً، وإيران وسوريا وكوبا وكوريا الشمالية حالياً.
أمّا الوجه الثالث؛ فيتَّضح جليّاً من خلال تطرّق الرئيس بوتين لمسألة خفض أسعار السيارات المنتجة محلياً في روسيا، وهو ما يُفيد دِرَايتَه وتَتَبُّعَه للشأن التصنيعي والتسويقي للمركبات في العالم، التي تشهد أسعارها ارتفاعاً مُثقِلاً لكاهل المُشترين، في مُعطى يُبرز تَبَصُّره واستشرافه للوقائع الاقتصادية، وإدراكه بأنّ أيّ منافسة في هذا الخصوص تبدأ من إتاحة معروض مُتَنَاسِب مع طلبات الأسواق وقدرات الزبائن الشرائية بمختلف مستوياتهم.
وفي ضوء تضخُّم أسعار السيارات وركود قطاعها عالمياً، أصبح أمام روسيا فرصة حقيقية لاستعادة بريقها التصنيعي السوفييتي، والنهوض من جديد بصناعة المركبات بمختلف أوزانها بشكل متوازن يُراعي متطلبات السوق الدولي، ووفق قاعدة صناعية متلائمة مع المعطيات الاقتصادية الراهنة، بما يتيح سيارات ذات جودة وبأقلّ تكلفة وثمنٍ تسويقي.
ومن هذا المنظور، لا مناصَ لموسكو من دخول منافسة الغرب تجارياً في قارة إفريقيا والشرق الأوسط؛ لأن سوق السيارات بهما لا يزال هشّاً قاعِدياً وترويجياً، ويخضع تلقائياً لاشتراطات شركات التصنيع الغربية والآسيوية من ناحية النوعية والسعر، وبالتالي فهي قادرة على المنافسة واستقطاب تلك الأسواق الاستهلاكية إذا ما توفرت إرادة ذلك.
بما أنّ بعضَ المُصنِّعين الغربيين يتكبدون حالاتِ إفلاس، وآخرِين يعانون من صعوبات مالية نتيجة لركود اقتصادات الدول التي يتبعون لها، فإنه حريٌ بروسيا استغلال هذا الظرف، وتعويض تلك المؤسسات متعددة الجنسيات وملْءِ فراغها ضمن الفضاءات العربية والإفريقية.
إذا أخذنا بالاعتبار تصاعدَ أسعار أغلب السيارات السياحية الغربية بكل علاماتها التي أضحت تبدأ من 14.000 دولار بالتقريب، يقابله انهيار في القدرات الشرائية في الدول الشرق أوسطية والقارة السمراء، يمكن لروسيا الاتحادية بالقيمة الحالية لمركبات لادا (LADA) بثمن مبدئي حوالي 10.000 دولار، وبسمعتها الجيدة لا سيما في جمهورية مصر العربية، رفع سقف المنافسة التجارية والاستحواذ على أكبر قدر ممكن من هذا السوق النّامي مستقبلاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الأستاذ سفيان حشيفة – صحفي وكاتب سياسي جزائري
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً