بقلم الأستاذ عبد السلام غالب العامري*
يستحوذ القمح على 37% من فاتورة واردات السلع الغذائية الأساسية في اليمن، التي بلغ حجمها نحو 3.23 مليار دولار في الأعوام السابقة. ووفق تقرير لمركز الإعلام الاقتصادي (وهو مركز يمني غير حكومي) فإن الحاجة الكليّة لليمن من القمح تُقدّر بحوالي 4 ملايين طن سنوياً، يتمّ استيرادها من الخارج. تؤكد الحكومة أن ثمة فرصاً لزيادة إنتاج القمح في المناطق الواعدة بمعدل 120% مقارنة مع المستوى الحالي، حيث وصلت المساحة المزروعة من القمح في محافظة الجوف فقط إلى 6 آلاف هكتار.
يبدو أنّ محصول القمح في اليمن واعدٌ، لكنه كان من الممكن أن يكون أفضل بكثير، لذلك كثّفت الجهات المختصة في مناطق حكومة صنعاء من جهودها في العامين الأخيرين واتّجهت إلى توسيع الرقعة الزراعية في محافظات: الجوف ومأرب وتهامة. بالفعل تعتبر محافظات الجوف والحديدة وأبين وشبوة من أفضل المحافظات اليمنية في زراعة القمح، ولكن تجارب المزارعين قليلة، كما أن استغلال مساحاتها الشاسعة في الزراعة سيسهم في اختصار الكثير من الخطوات نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي.
لا يزال محصول القمح في مراحله الأولى في اليمن، إلا أن البيانات الأولية تشير إلى أن إنتاج هذا العام سيكون أفضل من العام الماضي بكثير. ونظراً لتفاؤل المزارعين بالمحصول الوفير، وخاصة لأولئك الذين خاضوا تجربة زراعة القمح، فزراعة القمح تعود من جديد إلى اليمن بعد تدهور الوضع الاقتصادي، وارتفاع أسعار القمح المستورد، ونتيجة حرب روسيا وأوكرانيا، وانخفاض زراعة القمح في أستراليا. يلجأ الفلاح اليمني لزراعة القمح نظراً لتشجيع الحكومة، ولكنها تقدّم عروضاً غير كافية. ولكن، بسبب ظروف الدولة وإمكاناتها، قد يعيش اليمنيون أزمة غير عادية في ظل ارتفاع أسعار القمح والتناقص السريع في المخزون، ويمكن أن تؤدي إلى مجاعة وشيكة.
قد تؤثّر مواسم الجفاف بشدة على المزارعين، وتضطر بعضهم إلى التخلي عن الزراعة تماماً، حيث تصبح وسيلة غير مجدية لتلبية احتياجات أسرهم. ويطالب مزارعو اليمن بدعم مبادرتهم لزراعة القمح، ويأملون في اكتفاء ذاتي يوماً ما، من خلال دعم المزارعين اليمنيين لتبني تقنيات الزراعة الحديثة وأنظمة الريّ بالتقطير. تساهم هذه المشاريع في رفع مستوى إنتاج الغذاء محلياً، وتعزيز سبل العيش من خلال تقديم الدولة والمنظمات الدولية دعماً للمزارعين اليمنيين، ولكنها لا تكفي لمواجهة انعدام الأمن الغذائي. وتتجه المجتمعات المحلية إلى الاعتماد على إمكاناتها في توفير متطلباتها المعيشية، فالمزارع بحاجة إلى حفر الآبار وتوفير الطاقة الشمسية والمبيدات والأسمدة المخصبة بأنواعها المختلفة وبتركيباتها المناسبة وتوفير الآلات المختلفة للحرث والحصد، وكذلك توفير أسواق لبيع هذه المنتجات.
أعلن المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (ICARDA) تسجيل 6 أصناف جديدة من بذور القمح الصلب والشعير المقاومة للجفاف والحرارة المرتفعة والأمراض في المغرب العربي. لذلك لا بدّ من التواصل مع الجهات ذات التجارب والخبرات، ومنها اليمن، لكي تستفيد من هذه الخبرات وتكييف إنتاجهم الغذائي مع البيئات المختلفة.
يعتبر القمح أحد أهم المحاصيل الاستراتيجية في اليمن والمصدر الأساسي في غذاء السكان ومصدر عيش المزارعين. إلا أن تغير الأوضاع، ولاسيما الجفاف والفقر والحروب المستمرة منذ سنوات وفقدان الدعم والتضخم وارتفاع تكاليف الإنتاج، ولاسيما المدخلات الزراعية والوقود، أدت إلى تراجع الإنتاج. فعلى الرغم من دعم السلطات المحلية والمنظمات الإنسانية زراعة القمح وتشجيع المزارعين لتلبية الاحتياجات المحلية، ماتزال هناك فجوة في الإنتاج. والآن تسعى الحكومة اليمنية إلى توسيع رقعة إنتاج القمح والحبوب المختلفة في سهل تهامة في محافظة الحديدة؛ فقد قامت الحكومة بمسح 6 آلاف هكتار في مديرية باجل، و5 آلاف هكتار في مديرية الدريهمي، و6 آلاف هكتار في مديرية الصليف، كمرحلة أولى بالتعاون مع مواطني ومزارعي المديريات الثلاث من محافظة الحديدة، وهناك مساعٍ حثيثة لتوسيع زراعة القمح في المحافظات الأخرى، كالجوف ومأرب وذمار وريمة.
يحتل القمح مكانة مركزية في تغذية البشر، إذ يوفر القمح 20% من البروتين والسعرات الحرارية الغذائية اليومية، ويحتوي على فيتامين “بي” والألياف الغذائية والبروتين، مما يجعل هذه الحبوب الشعبية جزءاً مهمّاً من التغذية المتوازنة، كما تحتوي الحبوب الكاملة على معظم العناصر الغذائية، ولهذا يوصى بها في الأنظمة الغذائية الصحية.
وفقاً لتقارير الأمم المتحدة والمنظمات العاملة في اليمن، تحاشت حكومة صنعاء الكارثة الكبيرة والأزمة اليمنية، التي أصبحت أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. يعاني أكثر من نصف الشعب اليمني من انعدام الأمن الغذائي، ومن المرجّح أن يرتفع عدد الأشخاص الذين يواجهون ظروفاً شبيهة بالمجاعة، الأمر الذي دفع الحكومة بالتعاون مع المزارعين إلى الإسراع في توزيع الآلات ومسح الأراضي وتقديم البذور المحسنة وتقنيات الطاقة الشمسية والقروض للمزارعين لإخراج اليمن من عنق الزجاجة، فالمجاعة تهدد 70% من السكان.
على الرغم من أن الإنتاج الغذائي العالمي اليوم يكفي لإطعام كل فرد على هذا الكوكب، إلا أن الجوع مستمر في التزايد في بعض أجزاء العالم. وعلى الرغم من بعض التقدم الذي أُحرِز مؤخراً في الحد من الجوع في آسيا وأمريكا اللاتينية، فإن العالم لا يزال يواجه أزماتٍ غذائيةً في العديد من المناطق، وخاصة في إفريقيا. كما أن الوضع مأساوي في الدول التي تعاني من الحروب المستمرة، كفلسطين ولبنان والسودان وغيرها. نتمنى من الدول المانحة تشجيع زراعة القمح في الدول المستقرة والأراضي الشاسعة في دول العالم، وتقديم الدعم اللازم للمزارعين، الأمر الذي سيؤدي إلى تشغيل اليد العاملة ونقل إنتاج القمح إلى الدول المحتاجة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الأستاذ عبدالسلام غالب العامري – كاتب و شاعر، عضو الهيئة الثقافية اليمنية
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً