بقلم الدكتور محمدعياش*
فرضت الظروف الحالية، والأعمال الوحشية التي تقوم بها دولة الكيان الصهيوني بحق الشعب العربي الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، وما تلاها من ردود أفعال هنا وهناك، إعادة الترتيبات للاعتراف بدولة فلسطينية. جاءت الدعوة من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وغالبية الدول الأوروبية، طبعاً هذه الإجراءات أو الترتيبات القادمة مع موافقة «إسرائيل» ووضع الخطط والتغييرات واللمسات الأخيرة.
خلافات حادة مع واشنطن، عقب تصريحات رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، وتصميمه، منع قيام دولة فلسطينية، وخوفه من أن تكون هدية «للإرهاب الفلسطيني» وانتصاراً غير مسبوق لحركة حماس.
إن التركيز الصهيوني يصب في القضاء على المقاومة الفلسطينية بكل أطيافها في قطاع غزة، وجعلها منطقة آمنة منزوعة السلاح، هذا الهدف النهائي من المعركة ورفض جميع المبادرات والحلول، و«إسرائيل» ومعتقداتها، يمكنها الاستغناء عن جميع الرهائن والأسرى في سبيل تحقيق الهدف المنشود، إلا أن الضغوط من عائلاتهم أبقت على خيط رفيع مع الوسطاء (مصر–قطر) بتبادل الأفكار والأطروحات حول الهدن المؤقتة، مع استبعاد فكرة وقف إطلاق النار بشكل دائم.
وفي تحدٍ موازٍ للإرادة الدولية ومساعيها، صوّت الكنيست بنسبة 99 صوتاً من أصل 120 صوتاً، عدم الاعتراف بقيام دولة فلسطينية، يوم الأربعاء 14 فبراير/ شباط 2024، رداً على المحاولات والنداءات بضرورة الحل النهائي المتمثل بحل الدولتين، وإغلاق الباب نهائياً، لتتفرغ لاستئصال «الإرهاب» من جذوره وتستكمل دائرة الاحتلال الكامل لكل فلسطين.
أما عن التفاوض في العقلية الصهيونية، فيكمن في الإقصاء والإلغاء والشيطنة، وشعارها عدم وجود الشريك الضامن من الطرف الفلسطيني، وهنا أستحضرُ مقولة لوزير الخارجية الصهيوني الأسبق أوبرى سوليمون مائير إيبان (2 فبراير 1915- 17 نوفمبر 2002) وشهرته أبو إيبان: ” نعرض على الفلسطينيين عرضاً لا يمكن قبوله، وإذا تمّ قبوله يعد نصراً استراتيجياً”.
تعهدات نتنياهو بمنع قيام دولة فلسطينية، هي الحقيقة التي تُبنى عليها الاستراتيجية الصهيونية، ومؤشرات وحقائق كثيرة تؤكد هذه الرؤية بدءاً من استمرار الاستيطان، ومروراً بتقسيم الأراضي الفلسطينية بالطرق السريعة والحواجز، وانتهاءً بخطة نتنياهو التي تكرّس الاحتلال إلى ما لا نهاية.
راهنت دولة الاحتلال على ثبات الوضع في قطاع غزة على ما هو عليه قبل السابع من أكتوبر العام الماضي، لتمضي قدماً بضم الضفة الغربية، وفرض السيادة الكاملة ناسفةً كل الاتفاقات المبرمة مع السلطة الفلسطينية التي أنتجت المنطقة أ – ب – ج ومحصلة هذا التقسيم أو التفاهم هو ما صبّ في مصلحة الكيان، لاسيما أن الضفة منزوعة السلاح.
كان من المفترض أن تنتهي دولة الإجرام من الضفة كما أشرنا، لتنتقل إلى القطاع الذي يُحرَم من العمق الفلسطيني في الضفة، وبالتالي فإن عملية طوفان الأقصى جاءت استباقيةً لهذا المخطط الشيطاني، لذا نرى العدو الصهيوني يكشف عن وجهه القبيح، موغلاً في سفك الدم الفلسطيني ومهدداً جميع الدول العربية في حال الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني.
مفهوم الدولة الفلسطينية عند الإسرائيليين، يعني نهايتهم، لأنها لا تريد أي نوع من السيادة للفلسطينيين على شبر واحد من الأرض، والسيادة تأتي من تحرير الأرض واستقلالها بالكامل من ربقة الاحتلال الصهيوني، واعتراف غالبية العالم بها يعني شمولها بالقانون الدولي وأبعاده وخصوصيتها وسلامة أراضيها وحدودها، هذا الحال ليس مسموحٌ حتى مجرد التفكير به.
شكلُ الدولة الفلسطينية في تصوراتهم ومخيلاتهم عبارةٌ عن كانتونات منفصلة بعضها عن بعض، تدير شؤونها عبر شخصيات منتقاة من خلالها، مع غياب كامل لأنواع السلاح الثقيل باستثناء بعض البنادق للشرطة التي تعمل على حفظ الأمن، أما عن المسمّى في المحافل الدولية، عرب إسرائيل على غرار فلسطينيي 48 في الشمال الفلسطيني.
«إسرائيل» لن تسمح بقيام الدولة الفلسطينية، حتى لو كانت بصحراء النقب. والمفاوضات عبارة عن صراع إرادات وإدارة التنازلات وجعلها في أدنى درجاتها. من هنا يتبيّن لنا عن الاستراتيجية الصهيونية ورؤيتها للدولة الفلسطينية والتنازلات يجب أن تكون على الفلسطينيين فقط.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الدكتور محمد عياش – كاتب وباحث سياسي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً