بقلم الدكتورأحمد سيد داود*
يعدُّ التعليم الفني الخيار الأول لرفع مستوى العمالة الفنية بما يخدم مستوى جودة السلع والمنتجات ويسهم في دعم المزايا التنافسية لها ويعزز توطين الصناعات وتطورها واستدامتها، لذا فإن الدول المتقدمة والساعية نحو التقدم تولي التعليم الفني اهتماماً خاصاً وتوفر له الضمانات كافةً التي تعزّز فعاليته في إحداث التنمية الاقتصادية وتعظيم القيمة المضافة له لكونه ضرورة استراتيجية لتحقيق اقتصاد متوازن وطفرة في القطاعات التي تعاني من خلل ناتج عن قلّة كفاءة العنصر البشري، وتتباين تجارب الدول في الاهتمام بالتعليم الفني ونظمه لكن جميعها تؤكد على كونه عماد سعيها نحو التقدم.
1-نظام التعليم الفـني في دولة الصـــيـن الشعبية
ترجع نشأة التعليم الفني الصناعي بمفهومه الحديث في الصين إلى عام 1866م حيث أنشئت أول مدرسة صناعية في مقاطعة “فوجين”. وبدأ التعليم الثانوي الفني الصناعي يطور من نفسه معتمدًا في الكثير من خبراته على النموذج السوفيتي، واحتياجات سوق العمل، واقترن التعليم بالعمل المنتج ليصبح أهم مبادئ التربية والتعليم، وصدرت تشريعات تنصّ على مشاركة الصناعة في تقديم المهن الصناعية والتدريب والتعايش بين المصانع والمدارس التي تديرها، وذلك من خلال مرسوم بعنوان “تعليمات حول العمل التربوي”، عام 1950م ومنذ ذلك الحين تتعرض التربية الفنية لعملية ضبط وتقويم وتحسين وتطوير مستمر؛ لمواجهة احتياجات التنمية الاقتصادية، حيث تمّ إنشاء آلاف المدارس الثانوية الصناعية المتخصصة، ومدارس العمال المهرة وبعد تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح عام 1978م أصبحت التنمية الاقتصادية والاجتماعية في حاجة ماسّة لأعداد كبيرة من الفنيين والعمالة والتقنيين، وبالتالي أصبح تطوير التعليم الفني الصناعي الأساس للإصلاح التعليمي، وذلك من خلال الآتي:
أ-تحويل بعض مدارس الثانوية العامة إلى مدارس ثانوية فنية صناعية.
ب-إقامة فصول للتدريب الفني في بعض المدارس الثانوية العامة.
ج-تشجيع مختلف المهن والمجالات الصناعية على إقامة مدارس أو فصول للتدريب على المهن.
د-تضمين مناهج المدارس الثانوية العامة أو العادية دروساً تتعلق بالمهن أو ما يسمى بالتربية المهنية.
1-1-ملامح التعليم الفني الثانوي الصناعي في جمهورية الصين الشعبية
يهدف التعليم الفني الصناعي في جمهورية الصين الشعبية إلى تحقيق التقدم في المجال الصناعي؛ بهدف تحقيق التقدم والرقي للشعب الصيني مع تشجيع الطلاب على حل مشكلاته من خلال استخدام المعرفة التي اكتسبها من المدرسة من خلال توثيق الترابط مع المؤسسات الصناعية. وأن يكون التعليم الفني مرتبطًا بالعمل المنتج؛ فالصين تقدم نظاماً للتعليم الثانوي الفني الصناعي يتميز بأبعاده الثلاثة التي يتم فيها الجمع وبصورة متفاوتة ومتكاملة بين التعليم، والخدمات الفنية، والإنتاج، وتخريج نوعية من الطلاب مرتبطة ارتباطاً مباشراً بالعمل؛ حيث يتم تصنيف عمالها بمقياس موضوعي يعرف باسم (مستوى المهارة)، ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بالحِرَف ومهارة أدائها، ويتم من خلال تطبيقات زائدة موجهة لمستوى محدد لحرفة معينة في مدارس التعليم المهني. وتزويد خريجيها بالمعلومات العامة في مدارس التعليم الفني، تمهيداً لتدريبهم مستقبلاً في مراكز التدريب الفني، أو العودة لمدارس التعليم الفني؛ لتخصيصهم للحرف المستجدة بمستوى مهارة معين. ومن أجل تمكين التعليم الفني الصناعي من مسايرة تعديل الهياكل الاقتصادية وتنمية التمويل، قامت الدولة بتعديل وإصلاح وتطوير التعليم الفني الصناعي؛ باعتبار التشغيل هدفاً خلال السنوات الأخيرة وبالتركيز على تحقيق الأهداف التالية: إعداد الأكفاء الذين يحتاجهم التصنيع الحديث وصناعة الخدمات، تدريب القوى العاملة المتنقلة إلى المدن والبلدان وللإسراع في ذلك أنشأت الدولة 186 مركزاً للتدريب الفني في المحافظات الفقيرة غرب البلاد.
2-1-نظم الربط بين التعليم الثانوي الفني الصناعي، وسوق العمل
فيما يلي نتناول أهم نظم الربط بين المدارس الثانوية الفنية الصناعية وسوق العمل، نظام التعاون المشترك بين المدرسة الفنية الصناعية والمؤسسة الصناعية، نظام الجمع بين المدرسة والمصنع، نظام التعاون الدولي نظام التدريب بالتكاليف.
1-النظام الأول: تقوم إدارة المؤسسة الصناعية بالبحث عن شريك مدرسي مناسب، والمدارس الفنية الصناعية المتخصصة التي تقدم التدريبات الفنية ذات الصلة بتخصص المؤسسة؛ بهدف تحسين عمليات الإنتاج الصناعي للمشاريع التي تهتم بها المؤسسة، وتختار المؤسسة معلمين وطلاباً ذوي قدرات عالية للعمل بالتدريب فيها وقامت الشركة من خلال اتفاق مع المدرسة بدفع مبلغ لتمويل تكاليف المعدات والمرافق اللازمة لورش تصنيع المدرسة، وتوزيع مهام الإدارة والتسويق للشركة والإنتاج والتكنولوجيا للمدرسة من خلال ورشها ويعمل الطلاب والمعلمون على الإنتاج الفعلي بعد فترات من التدريب والممارسة.
2-النظام الثاني: الجمع بين (المدرسة، والمصنع) تستخدم المدارس الفنية خبرتها الخاصة لتعمل مجتمعة مع خبرات مصنع ما؛ بهدف تلبية احتياجات كل من: التدريس والإنتاج الصناعي الذي يلبي احتياجات السوق المحلي، ويعود هذا النظام بالنفع على المعلمين؛ وذلك من خلال إكسابهم خبرات عملية، وتحسين محتوى المناهج الدراسية، بالإضافة إلى تلبية احتياجات سوق العمل المحلي.
3-النظام الثالث: (نظام التعاون الدولي) تهدف المدرسة الفنية الصناعية إلى تحسين نوعية التعليم فيها من خلال التعاون مع دول أخرى متقدمة في صناعة معينة من أجل الاستفادة من التجارب الدولية، وتقدم الخدمات إلى الاقتصاد المحلي، ومن أمثلة ذلك المدرسة الفنية للنقل والاتصالات (في بكين) وهي أقامت روابط مع مؤسسات تعليمية في الخارج، ففي عام 1994م اتفقت المدرسة مع شركة تويوتا اليابانية لصناعة السيارات؛ مما ساعد ذلك على تطوير المهارات الفنية والمناهج الدراسية، والمعدات، ومواد التدريس، ثم أنشأت المدرسة اتفاقيات مع شركات ألمانية، وإنجليزية، وأمريكية وهولندية في مجال السيارات، وأسست أقوى علاقة مع شركة بكين لتصليح السيارات، وقد ساعدت الشركة المدرسة في إقامة مركز صيانة وإصلاح السيارات الحديثة.
4-النظام الرابع: (نظام التدريب بالتكليف) تقوم المدرسة من خلال إدارتها باختيار شريك للتعاون معها من خلال المؤسسات الصناعية الأولى والشركات، ويتم ذلك بتوقيع اتفاق لتوفير موارد تدريب الطلاب من خلال توفر المؤسسات الصناعية وشركات التمويل والمعدات اللازمة لممارسة العمل، وتقوم المدرسة بتوفير المعلمين المتخصصين ويتم وضع برامج تدريبية للطلاب وتطوير المناهج لتلبية أهداف المشروع، وتشارك المدرسة في تطوير التكنولوجيا والمنتجات في ضوء مواصفات الجودة مع تقديم الخدمات الاستشارية.
فى ضوء ما سبق نجد أن دولة الصين أولت التعليم الفني اهتماماً بالغاً كما أنها وثّقت العلاقة بين نظم التعليم والتدريب والصناعة وسوق العمل من خلال مرونة أنظمة الربط بين التعليم المدرسي والتدريب وسوق العمل.
2-نظام التعليم الفني في دولة ألمانيا
يعود تاريخ التعليم والتدريب المهني في ألمانيا إلى القرن الثامن عشر حيث كانت توجد عدّة من المدارس المتخصصة في تعليم مهن محددة كالبناء أو الأعمال اليدوية، إلا أنه ونتيجة للثورة الصناعية والتقدم التقني، أصبحت المعرفة النظرية المطلوبة في الصناعة بعيدة بشكل متزايد عن المعرفة والمهارات المتوافرة في الحرف الفنية، لذا شهدت بدايات القرن التاسع عشر إنشاء العديد من المعاهد والمدارس الفنية المتخصصة بتدريب العمالة على التقنيات الجديدة. بعض هذه المدارس تطورت من المدارس العسكرية أو مدارس البناء السابقة بالإضافة إلى المؤسسات التعليمية التقليدية الأخرى، التي وسّع بعضها مجال تخصصها أو أصبحت مستقلة،ولقد نظم القانون الصادر عام 1969 والمعدل بقانون عام 2005 أحكام التعليم والتدريب الفني ومدته وأحقية الطلبة فى الحصول عليه ليكفل لألمانيا الإمداد المستمر بعمالة قادرة على القيام بالأعمال الموكلة إليها بطريقة تتسم بالجودة العالية والكفاءة فى الأداء مما يميزها بين كل الدول الصناعية.
1-2-ملامح نظام التعليم الفني في ألمانيا الاتحادية
في نهاية مرحلة التعليم الأساسي فى جمهورية ألمانيا الاتحادية يحدد مستوى أداء التلميذ فى امتحان نصف العام من السنة الرابعة الابتدائية الاتجاه الذي سوف يسلكه بعد ذلك فى حياته. إذ هناك ما يسمي التوصية بالصلاحية للدراسة الثانوية gymnasial Empfehlung وهي ما يحصل عليها التلاميذ الأكثر تفوقاً والتى تؤهل إلى دخول الجامعة، ثم هناك التوصية بدخول مدارس Realschule الفنية، والتوصية الثالثة بدخول مدارسHauptschule الفنية التي تُخرِّج قوى الأيدي العاملة من الفنيين فى مجالات مختلفة. والتدريب الفني بالنسبة للنوعين الأخيرين يمثل جزءاً أساسياً من المنهج التعليمي وذلك بحكم القانون. وفى جميع الأحوال لا يقلّ عدد سنوات الدراسة عن عشر سنوات أي ما يعادل الصف الأول الثانوي فى النظام المصري.
ويضمن هذا النظام وجود حدٍّ أدنى من التعليم والمعرفة لجميع أفراد المجتمع بغض النظر عن موقعهم فى العمل ودرجة المسؤولية التي يتحملونها لكن الفارق بين الدراستين فى العمل الذى يقوم به الخرِّيج فيما بعد فى الحياة العملية، إذ بينما يكون خرِّيجو المدارس الفنية (Realschule) هم عماد الإدارة المتوسطة والتشغيل اليومي يمثل خرِّيجو مدارس تخريج الأيدي العاملة (Hauptschule) الكتلة الكبرى من العمال والمهنيين.، ويحصل الدارسون للحرف الفنية جميعها على شهادة فى نهاية الدراسة ويحصل منهم من يريد مزيداً من المعرفة على شهادة Meister وذلك عقب اجتياز اختبار جاد فى مستواه، وهذه الشهادة تثبت ما يمكن تسميته “أسطى معتمد” وهي شهادة دراسية وعملية فى نفس الوقت وتشمل جميع المهن تقريباً (ميكانيكي، ساعاتي، مبيض، نجار، حلاق إلخ..). وهذه الشهادة تؤهل حاملها لأن يفتتح نشاطاً خاصاً به ليعمل مستقلاً فى هذا المجال بالذات ولا يعمل موظفاً لدى غيره، ومعظم المهن فى ألمانيا هي من المهن المحمية التي لا يسمح لمن لم يتعلمها بممارستها فحماية المهن هي ضمانة ثانية لعدم تدخُّل غير المتخصصين أو قليلي التدريب فيما لا يجيدونه من مهن وبالتالي هو ضمان للإبقاء على المستوى المرتفع للجودة فى الصناعة والخدمات. وهذه الحماية من الدخلاء ينص عليها قانون ممارسة المهن الفنية ولوائح الإدارة التي تفسره.
بمقتضي هذا النظام تلتزم الشركات الصناعية والخدمية بتوفير أماكن للتدريب لهؤلاء الطلبة حتى يمكن لهم أن يحتكوا بالحياة الحقيقية ويتعرفوا مبكراً على طبيعة الأعمال التي يُنتظر منهم القيام بها عقب انتهاء الدراسة. ويتقاضى المتدربون الصغار أجوراً زهيدةً مقابل هذا التدريب وذلك لتشجيع الأجيال على الإقبال على التعليم وعدم ترك تلك الحرف والمهن. وتشارك الشركات بمختلف أنواع نشاطاتها فى هذا النظام بل إنها أحيانا تتعهد للتلاميذ المتميزين بأن توظفهم لديها عقب نهاية دراستهم وتدريبهم.
أي أن هذا النظام يعتمد على وجود توافق بين قطاعات الاقتصاد سواء منها الخاص أو العام، وبين الدولة على أهمية الحفاظ على هذا التدريب صوناً للهدف الأسمى وهو الحفاظ على المكانة الصناعية الألمانية بين دول العالم. وتقع مصلحة شركات القطاع الخاص بمقتضى هذا النظام أولا فى ضمان الحصول على عمالة مدربة قادرة على قبول تحديات العولمة وثانياً فى المميزات الضريبية التي تمنحها الدولة للشركات المانحة لهذه الفرص.
يتيح النظام الألماني فرصة تحسين مستواه العلمي بالحصول على شهادات دراسية ترفع من مؤهلاته،حيث يمكن الجمع بين العمل والدراسة فى نفس الوقت، وهذا يعني تفهم أصحاب الأعمال لهذه الضرورة وعدم الوقوف فى وجه العامل الراغب فى تحسين مستواه، إذ أن قانون العمل يمنع فصل العمال لهذا السبب. ويقوم النظام الثنائي على أن يتمكن العامل من تحسين مستواه العلمي فى أي وقت يشاء وذلك بالانضمام أثناء عمله إلى أحد المراكز المعتمدة التي تؤهله لمدة 3 أعوام حتى يحصل على ما يعادل الثانوية العامة التي يتأهل بها لدخول الجامعة وتمتاز الدراسة بهذه الطريقة بارتباطها بالتطبيقات العملية وتوجهها إلى خدمة الصناعة بدلاً من حصرها فى النطاق النظري الذي قد تكون تطبيقاته العملية غير مطلوبة أو ليس له تطبيقات عملية مباشرة تفيد فى مجال الصناعة الذي يعمل فيه الدارس. وتمتاز هذه الطريقة بأنها تجعل الحاصل على الشهادة الجامعية منذ بداية تخرُّجه مدركاً الأبعادَ الفنية والاقتصادية لعملية الإنتاج بأسرها حيث أنه قد عايشها قبل الدراسة من طرفها العمالي ثم يعايشها عقب الدراسة من طرفها الآخر المتمثل فى الإدارة والتخطيط على المستوى الأعلى. ويتم الالتحاق بهذه العملية التعليمية عن طريق عقد دراسة يعقده الراغب مع صاحب العمل ويقدم من خلال مسوغات قبول هذا العقد موافقة المؤسسة التعليمية على قبوله فيها للدراسة وبالتالي يصبح صاحب العمل ملتزماً بقبول هذه العملية التعليمية للعامل فى مؤسسته.
2-2-ضمان جودة التعليم المهني في ألمانيا
تمثل جودة التعليم أحد الشروط الأساسية اللازمة لوجود اقتصاد قوي قادر على المنافسة، فمن ناحية يحتاج الاقتصاد إلى العمالة المؤهّلة والقادرة على إدارة عمليات الإنتاج المختلفة ومن ناحية أخرى يعتمد الاقتصاد على مخرجات التعليم ومؤسسات البحث العلمي للاستمرار في التطوير والابتكار والذي يحقق استدامة النمو وتعزيز القدرة التنافسية. ففي ألمانيا التي تمثل دولة رائدة في التصنيع والتصدير يصبح توافر نظام تعليم شامل ومتعدد الجوانب أمراً ضرورياً وبديهياً، لا تسهم في تحقيقه مؤسسات الدولة فقط بل يشارك فيها أيضاً وبنشاط مؤسسات القطاع الخاص في جانب التعليم وكذلك في جوانب التطوير والابتكار.
تعمل ألمانيا على ضمان جودة التعليم المهني والفني وتطويره، ولهذا الغرض تمّ تأسيس المعهد الاتحادي للتعليم المهني Das Bundesinstitut für Berufsbildung وتتمثل واجبات ووظائف هذا المعهد على تطوير نظام التعليم المهني وعلى وضع الأهداف الاستراتيجية بالتشاور والتباحث مع الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات والأطراف المعنية في المجتمع، كما يقوم المعهد بإجراء الدراسات والأبحاث على التعليم المهني وفقاً للمعايير الأكاديمية. ويعد من وظائف المعهد الاتحادي للتعليم المهني إقرار المعايير والإجراءات اللازمة لضمان جودة التعليم والتدريب المهني في ألمانيا ليس فقط من أجل ضمان كفاءة وقدرة مخرجات هذا التعليم ولكن أيضاً من أجل الحفاظ على جاذبية التعليم المهني والفني وتعزيزها بالنسبة للجيل الناشئ. تتنوّع إجراءات ومعايير ضمان جودة التعليم المهني بدايةً من إقرار اللوائح والمعايير والقواعد القانونية المنظمة لهذا التعليم خصوصاً أن التعليم الفني والمهني يعتمد على المشاركة بين المؤسسات الحكومية وشركات القطاع الخاص كما يقرُّ المعهد أنظمة التدريب وإعادة التدريب على مستوى الدولة ويحدد المعهد أيضاً مدّة التدريب ومتطلبات الفحص وتحديد الحد الأدنى من التأهيل من الناحية المادية والزمنية.
كما يدخل ضمن مهام المعهد الاتحادي للتعليم المهني الإشراف على برامج التدريب وتقديم الاستشارات وهو المسؤول عن تقرير مدى ملاءمة المؤسسات والمدربين، ويقوم بفحص عقود التدريب والاختبارات التي يتم إجراؤها لتقييم المتدربين.
3-أبرز ضمانات فعالية نظم التعليم في دولتي الصين وألمانيا
لاشك أنّ دولاً مثل الصين من الدول النامية ذات الدخل الاقتصادي أعلى من المتوسط و ألمانيا و هي من الدول الصناعية السبع الكبرى في العالم قد توصّلتا لطريقة مثلى في إحكام جودة المنتج البشري الناتج عن نظام التعليم الفني كما وفّرتا له البيئة المناسبة لاستغلال طاقاته وقدراته من أجل التنمية، وتعد جهود كلتا الدولتين رغم اختلاف تصنيفهما الاقتصادي كافية لأن تكون معياراً تقيس عليه بعض الدول الساعية للتقدم جهودها لتحقيق ذلك.
تجربة دولة الصين يتميز نظام تعليمها الفني بما يلى:
- المرونة الفائقة في نظم الربط بين مؤسسات التعليم الفني وسوق العمل.
- توفير التغذية المرتدّة من خلال مفهوم مدرسة في الأمام ومصنع في الخلف.
- ارتباط المناهج الدراسية وطرق التدريس ارتباطاً وثيقاً بالصناعة والاقتصاد، وبما يلبي احتياجات سوق العمل.
- عمل الخريجين في المؤسسات الصناعية والشركات المتعاونة مع المدارس.
- تعاون المؤسسات الصناعية والشركات مع المدارس الفنية الصناعية ساعد في وضع خطط تدريب وتحديد مستوى المعرفة والمهارات المطلوبة لسوق العمل، وكذلك الأخلاق الفنية الواجب مراعاتها في العمل.
- قدرة المدارس على إقامة روابط مع شركات ومؤسسات صناعية دولية تساعد في إكساب الطلاب خبرات وتحقيق مكاسب مالية تساعد في التنمية الاقتصادية للدولة.
- تركيز المدارس أنشطتها واهتماماتها على تلبية احتياجات الاقتصاد وسوق العمل.
- تخريج عمال مهرة قادرين على المنافسة الداخلية والخارجية.
- القوى والعوامل الثقافية المؤثرة في نظم ربط التعليم الثانوي الفني الصناعي بسوق العمل.
تجربة دولة ألمانيا الاتحادية يتميز نظام تعليمها الفني بما يلى:
- القوانين والتشريعات الملزمة لمؤسسات القطاع الخاص والعام بتحقيق شراكات فاعلة مع التعليم الفني.
- إجراءات حماية المهن والتي تمنع الأفراد من ممارسة المهن داخل المجتمع دون تخصص بها.
- مرونة الارتقاء بالمستوى التعليمي من خلال النظام الثنائي والجمع بين العمل والتعليم.
- الدقة البالغة في تقييم مستوى الحرفية لدى خرِّيج التعليم الفني.
- المزايا التي يحصل عليها الخرِّيج الأكثر تفوقاً بكونه (أسطى معتمد) يمكنه بدء عمله الخاص.
- وجود هيئة متخصصة في ضمان جودة التعليم المهني والفني وتطويره.
- بالقياس على الجهود التي بذلتها كلتا الدولتين نجد أنّ هنالك متطلبات لسدِّ الفجوة بين نظام التعليم الفني المصري وتلك النظم لضمان فعالية نظام التعليم الفني في مصر.
4-متطلبات ضمان فعالية نظام التعليم الفني في جمهورية مصر العربية
لاشك أنّ هناك رغبةً قويةً لدى الدولة المصرية لتطوير نظام التعليم الفني وضمان فعاليته المستدامة ومواكبة كافة المستحدثات العلمية والتقنية و احتياجات سوق العمل حيث بدأت في اعتماد نظام الجدارات بالنسبة للتعليم الفني إلا أنّ نظام التعليم الفني في مصر يجب أن يتم تطويره وفق رؤية تتسم بالتكامل والشمول لضمان فعاليته ومن الملامح المستمدة من تجارب الدول التي قد تسهم في ذلك ما يلي:
- إصدار تشريعات ولوائح واضحة تعمل على جذب المستثمرين وإعطاء حوافز استثمارية سخيّة للمستثمرين المحليين وتسهيلات في تخصيص الأراضي وإعفاءات من رسوم المرافق والضرائب من أجل إقامة المشروعات لاستيعاب خريجي التعليم الفني بكافة قطاعاته، وذلك للقضاء على البطالة.
- عودة إنشاء وزارة التعليم الفني والتدريب مع توفير المقومات كافة للقيام بمهامها. وضع اختبارات ومعايير للقبول تكشف عن قدرات الطلاب، ومدى استعداداتهم للتخصصات والمهن المتوفرة، وضع خطط للتدريب توازن بين الجانب المعرفي والجانب العملي.
- تفعيل دور الإدارة العامة للمعلومات والحاسب الآلي في وزارة التربية والتعليم؛ لتزويد مخططي التعليم الثانوي الفني الصناعي بالمعلومات والإحصائيات اللازمة عن سوق العمل والمهن الحديثة والمهارات المطلوبة وإعداد المطلوبين.
- العناية بالتوجه المستقبلي؛ فالتعليم الفني ينبغي ألا يوجّه في ضوء المتطلبات الحالية فحسب، بل يؤخذ في الحسبان الحاجات المستقبلية؛ وخاصة في ظل احتياجات مستقبل سوق العمل التي قد تفرض بعض التغيرات على التوجه في مجالات التعليم الفني.
- الارتقاء بمستوى مديري ومعلّمي التعليم الفني وتحقيق التجانس ما بينهم، وتبنّي برامج للتنمية المهنية المستمرة تلبي القصور في برامج الإعداد.
- وضع مقاييس للقدرات المهنية لكل المهن المتاحة تقوم على احتياجات سوق العمل وتتماشى مع الاتجاهات المعاصرة ويلزم الاتفاق على هذه المقاييس من كافة الجهات ذات العلاقة بالتعليم والتدريب والتوظيف.
- تفعيل دور الإعلام في تغيير فكر المجتمع نحو التعليم الفني، والعمل على تغيير التصورات السائدة عن التعليم الفني، وتثقيف الأفراد بصفة عامة عن أهمية التعليم الفني والتشجيع على الالتحاق به والعمل على تشجيع التغطية الإعلامية للقضايا المتعلقة بالتعليم الفني وتضمين ممثلين لوسائل الإعلام في عمليات التواصل. والمؤتمرات وكافة الفعاليات المتعلقة بالتعليم الفني، فضلاً عن تغيير الحوار الإعلامي؛ لخلق صورة إيجابية عن التعليم الفني.
- المشاركة بين المؤسسات الإنتاجية والشركات والمصانع من جهة ووزارة التربية والتعليم من جهة أخرى في التخطيط لتطوير هذا التعليم، مما يعني تمثيل القطاعات الإنتاجية في خطط الإصلاح والتطوير، وإدارة المدارس الفنية، وتحديد المواصفات والكفايات والجدارات التي يتطلبها سوق العمل.
- التوسع في إنشاء مدارس التعليم الفني بما يتناسب مع تزايد أعداد الطلبة ومتطلبات كل منطقة ومحافظة.
- تبني اللامركزية في إدارة المدرسة الفنية المصرية، وضمان تمثيل القطاعات الإنتاجية والشركات والمصانع في مجالس الأمناء بصورة مؤثرة وفعالة.
- إيجاد مصادر تمويل جديدة للتعليم الفني مثل إنشاء صناديق تحصل على نسبة من مواردها من الشركات الكبيرة والمتوسطة والبنوك وتخصص لتمويل مشروعات ومدارس التعليم الفني.
- التوسع في إنشاء المدارس ذات نظام التعليم المزدوج الثنائي بالشراكة مع الشركات والمصانع والمؤسسات الإنتاجية الكبرى والمتوسطة في المجتمع، ويتماشى ذلك مع رؤية الوزارة 2030 تعتمد على تحويل كل المدارس لذلك النوع مع كبرى الشركات ورجال الأعمال.
تفعيل دور نقابة المهن العمالية وإصدار التشريعات التي تمنع غير الدارسين من ممارسة مهنة معينة مع توفير مسار لتدريب الراغبين في الالتحاق بمهن معينة من تحقيق ذلك. وفى الأخير تمثل تلك النقاط بعض الضمانات التي قد تدفع التعليم الفني فى مصر خطوةً نحو الأمام في طريق تحقيق رؤية مصر 2030 م، وتجعله قادراً على لعب الدور الأكبر فى تدعيم الاقتصاد الوطني بقطاعاته الإنتاجية والخدمية بتزويده بالأيدي العاملة الماهرة التي تسهم بشكل فعال فى الاعتماد على المنتج المحلي وإحداث طفرة فى الاقتصاد المصري.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الدكتور أحمد سيد داود – باحث في قضايا التعليم
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً