بقلم الدكتور نجم الدليمي*
إن تفاقم مشكلة السكن تحمل طابعاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً في المجتمع الطبقي البرجوازي. وهي تشكل أزمة دائمة في النظام الرأسمالي الطفيلي؛ فالقطاع الخاص فشل في وضع معالجة جذرية لهذه المشكلة لأنه يقوم على خدمة فئة محدودة من المجتمع.
في النظام الاشتراكي لا توجد أزمة كبيرة وحادة في قطاع السكن، ويعود السبب إلى التدخل المباشر للدولة في وضع معالجة لهذه المشكلة. يوجد في الاتحاد السوفيتي مثلاً القطاع العام والقطاع التعاوني، القطاع العام ووفق خطة الدولة الاستراتيجية وعلى ضوء بعض المحددات الاقتصادية والاجتماعية والنمو السكاني يتم تحديد نسب البناء ويتم البناء السكني للمواطنين ويتم توزيع ذلك مجاناً. أما ما يقوم به القطاع التعاوني في مجال السكن فهو لن يمثل دوره ما بين 1-2 بالمئة في مجال البناء السكني وهو يعمل وفق خطة الدولة السوفيتية وله شروط محددة في القانون، وبأسعار مناسبة تتلاءم مع الدخول النقدية للمواطنين، ويتم دفع 30 بالمئة من قيمة الشقة مقدماً، والمبلغ المتبقي لمدة 25 عاماً، وفائدة أقل من 3 بالمئة وهذا المبلغ لم ولن يؤثر على المواطن، هناك 3 انواع من الشقق، شقة بغرفة واحدة شقة بغرفتين، وشقة بثلاث غرف وهذه الشقق يتم بيعها وفق شروط من حيث المبدأ على اساس عدد الأسرة. إن التنسيق بين القطاع العام والقطاع التعاوني في مجال السكن يقوم وفق الضوابط القانونية ولصالح المواطنين وهنا توجد عدالة اجتماعية واقتصادية بين المواطنين، المجانية للجميع وشراء الشقق السكنية وفق الضوابط القانونية ومن لديه إمكانية مادية وبدون تمييز أو وجود واسطة أو رشوة.
إن تفاقم مشكلة السكن في العراق تعود إلى عدة أسباب ومنها النمو السكاني، عدم تدخل الدولة في معالجة السكن، إعطاء دور للقطاع الخاص الرأسمالي في البناء.
نعتبر أن الحل الجذري لمشكلة السكن في العراق تكمن في الآتي:
-التدخل المباشر من قبل الدولة للقيام ببناء السكن العمودي وإعطاء حصة الأسد للمواطنين الفقراء وبشكل مجاني؛ أي بناء مجمعات سكنية وهذا يتطلب توفير كامل الخدمات، كالكهرباء والماء الصالح للشرب والطرق والمدارس والمستشفيات ورياض الاطفال … الخ.
-إعطاء دور للقطاع التعاوني في العمل في بناء السكن وبأسعار مناسبة تتوافق والدخول النقدية للمواطنين وأن يكون البناء من حيث كلفته مناسباً؛ أي بناء منخفض الكلفة وهنا يأتي دور ومكانة الدولة في دعم القطاع التعاوني في نشاطه في ميدان السكن.
-يمكن السماح للقطاع الخاص الرأسمالي أن يشارك في حل أزمة السكن ووفق ضوابط دقيقة ومحددة من حيث سعر بيع الشقق مثلاً؛ أي تدخل الدولة في تقديم الأرض ولتكن مجانية، ولكن أن يكون السعر مقبولاً. من غير المعقول أن يكون سعر الشقة ما بين 400-500 ألف دولار! فمن يستطيع شراء شقة بهذا السعر؟
فقط حيتان الفساد المالي والإداري يمكنهم شراء هذه الشقق. هذا هو جوهر نشاط القطاع الخاص الرأسمالي في مجال السكن، فهو لم ولن يستطيع أن يعالج مشكلة السكن في العراق.
-تكمن المعالجة الجذرية لمشكلة السكن في العراق في التدخل المباشر من قبل الحكومة العراقية، أي عبر القطاع العام، ومشاركة القطاع التعاوني والقطاع الخاص، وأن تعمل هذه القطاعات وفق استراتيجية واضحة الأهداف والمعالم ولمدة لا تقل عن 10-15 سنة. ويجب الأخذ بعين الاعتبار النمو السكاني، الدخول النقدية، توفر الخدمات المطلوبة كافة، والعمل بالبناء العمودي في الدرجة الأولى، ويمكن إعطاء قسم للشركات الأجنبية للمشاركة في معالجة هذه الأزمة في ميدان السكن.
-تؤكد التجارب أن القطاع الخاص غير مؤهل لحل ومعالجة مشكلة السكن في العراق المحتل اليوم، ومن يراهن على ذلك فهو رهان خاسر وهذا القطاع الخاص الرأسمالي يخدم مصالح 1-3 بالمئة فقط من المجتمع الطبقي في العراق. إن تجربة البلدان الاشتراكية في معالجة مشكلة السكن كانت ناجحة ويمكن العمل بها مع الأخذ بعين الاعتبار الواقع الموضوعي للشعب العراقي. احذروا الرهان على دور القطاع الخاص الرأسمالي في معالجة مشكلة السكن فهو رهان خاسر بامتياز.
= = = = =
*الدكتور نجم الدليمي – باحث وأستاذ جامعي متقاعد.
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً