بقلم الدكتور محمد عياش*
صباح الاثنين جون – حزيران 19 / 6 / 2023 اقتحمت القوات الإسرائيلية مخيّم جنين، والهدف اعتقال أو تصفية مقاومين فلسطينيين معتقدة أنّ العملية كسابقاتها سوف تُنجز وتعود القوات بآلياتها من حيث أتت.. إلا أنّ المفاجأة عكّرت صفو اعتقاداتهم وكانت الخسائر كبيرة واضطرَّ العدو لأول مرة لاستخدام طائرات الهيلوكبتر لسحب الآليات المعطوبة وعدد من القتلى والجرحى حسب رواية المقاومين الفلسطينيين، التي دعمتها المقاطع المصوّرة والتي يمكن أن تؤكد كذب وخداع العدو ومراوغته بالخسائر.
هذا المخيم الذي ظهر على القنوات الفضائية بجماله وروحانيته المفعمة بالكرامة والعزة، والذي تعرّض للدّمار عام 2002 بمجزرة وحشيّة قابلها صمود أسطوري من قبل الشباب الذين دافعوا عنه حتى استشهدوا وكان عددهم خمسين مقاوماً بوجه ثلاثين ألف جندي من الصهاينة، وعنونت الصحف الإسرائيلية على صفحاتها الأولى واصفةً الشهيد محمود طلبة بـ(الجنرال) مع العلم بأنه لم يدخل مدرسة عسكرية أو كلية حربية.
الجمال الذي ينشره هذا المخيم هو نفسه الذي ينسحب على بقيّة التراب الفلسطيني عبر الشباب العازم والمصمم على التخلص من ربقة الاحتلال الصهيوني مهما كلّف الثّمن، هذا الجيل الذي وصفه قادة الاحتلال بالجيل الصعب، وبالتالي هذا هو مربط الفرس، لأن المعركة القادمة بإدراك العدو الصهيوني هي معركة مصيرية لدى عامة الشباب، نكون أو لا نكون، شباب ركبوا الموت في سبيل البقاء. هذه المعادلة التي ترعب الغرب الأعمى والمتحيز للكيان الغاصب؛ وللعلم هذه المعادلة هي ما جعلت الغرب يؤمن بإنشاء عدو غريب يفصل الوطن العربي إلى شقين.
الجمال الفلسطيني يتبلور بالأخلاق والعادات والمبادئ العربية والإسلامية؛ ففي إحدى العمليات التي تمّت في تل أبيب، تظهر مستوطنة إسرائيلية وابنها الصغير على القناة العاشرة الصهيونية معترفة بأن الشاب الفلسطيني قال لها ابتعدي أنتِ وطفلك من طريقي لأننا لا نقتل النساء والأطفال والشيوخ. أيّ جمال هذا وأيّ روعة!! لو كان مستوطن في مكانه ماذا فعل بالسيدة الفلسطينية وابنها – وهم من حرقوا الأطفال الرضع بلا رحمة ولا شفقة.
«إسرائيل» لا يمكنها أن تجلس على الرماح، لذلك هي تعلم بأن كل شاب فلسطيني هو مشروع شهادة، وسياستها الاستباقية بالتوّغل في الأماكن المكتظّة بالسكان هدفها إدخال الرعب في نفوس الشباب المتحفز والمتأبط شرّا ً للكيان المحتل، شباب كسر حاجز الخوف وتعدّاه للقبض على زمام المبادرة بالتخطيط والتصميم الممنهج، وتنوعه بنوعيّة العمليات وتوقيتها، الأمر الذي جعل من الكابينت الصهيوني أن يكون في حالة اجتماعات مستمرة.
بريق الجمال الفلسطيني ينبع من معرفته وتجاهله للقوة الصهيونية المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية وأغلب الدول الغربية على رأسها أحقر دولة على وجه الأرض بريطانيا حسب توصيف الشهيد عز الدين القسام وفرنسا الثعلب الماكر. واعتماده على الله بالمقام الأول وعلى ثقته بنفسه بتغيير المعادلة من خلال زرع الرعب في نفوس المستوطنين الصهاينة.
مخيم جنين يمثل كل فلسطين، والعدو الكولونيالي يدرك هذه الحقيقة، والحكومة المتطرفة الحالية تجرّب الإجراءات القسرية والقهرية كافةً سواءٌ بالاقتحامات المستمرة وملاحقة مطلوبين حسب زعمها أو باستهداف القدس الرمز الديني للعالم الإسلامي، والنافق شارون جرّب قبلهم وفشل، بل وانسحب بشكل أحادي من قطاع غزة بعد توالي الضربات والعمليات البطولية، ومن تلك اللحظة اقتنع المؤدلجون الصهاينة بصعوبة استمرار المشروع الصهيوني بوجود الشعب العربي الفلسطيني الذي لم يعرفِ اليأس.
تسوّق «إسرائيل» للعالم الغربي وللأسف لبعض الدول العربية المطبعّة، بأن الفلسطيني يحمل «جينات» التخريب والتدمير، وبالتالي فإنه بحاجة إلى تأهيل اقتصادي بعيدا ًعن استعادة أرضه وأرض أجداده متجاهلةً الحقائق التي يتمتع فيها فهو على مقياس علم الأستاطيقا (علم الجمال) في المرتبة الأولى لأنه يقدم مقاومة مستندة على الأخلاق والعادات والتقاليد العربية والإسلامية إذ أنه يواجه أغلبية الكرة الأرضية.
= = = = =
*الدكتور محمد عياش – كاتب وباحث سياسي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً