تعتزم الجامعة الأفروآسيوية تنظيم مؤتمرها العلمي الدولي الثاني بداية شهر يوليو المقبل، لتقريب الباحثين والقراء الكرام من أهداف المؤتمر وحيثيات انعقاده؛ نستضيف في هذا الحوار المُنسّقَ العام للمؤتمر والمستشار الثقافي لمركز الدراسات الأفروآسوية المحتضن لهذا المؤتمر الكبير، الكاتب الصحافي عبدالله العبادي والذي يشغل أيضاً مدير إدارة الإعلام بالأفروآسيوية، ليحدثنا بإسهاب عن أبرز محاور وأهداف المؤتمر الثاني للأفروآسيوية.
-بدايةً، وبصفتك المنسق العام للمؤتمر كيف ترى توقيت انعقاد هذا المؤتمر الثاني؟
-شكرا جزيلا على هذا الحوار، فبعد نجاح المؤتمر العلمي الدولي الأول للأفروآسيوية، كان من الضروري التفكيرُ في عقد مؤتمرٍ ثانٍ مع بداية السنة الجارية، وبما أن مركز الدراسات الأفروآسيوية كان قد بدأ أنشطتَه الثقافية وندواتِه الفكرية حيث استضاف كبار المثقفين العرب، الحاملين همومَ مجتمعاتنا العربية، وبصفتي المستشار الثقافي للمركز تم الاتفاق مع رئيس المركز الدكتور علي أحمد جاد على عقد مؤتمر يناقش قضايا الأمة العربية، كما أنه استجابة أيضا لاهتماماتنا الفكرية وكتاباتنا منذ سنين طويلة، واعتبرناه مشروعَ أمة وليس فقط مؤتمراً علمياً.
-كيف ترى الوضع العربي اليوم؟
-وضعنا لا يَخفى على أحد، دول انهارت ودول في الطريق، مجتمعات منحلّة وأزمات اقتصادية وصراعات لا تنتهي، حيث الأزمات الاجتماعية والأحياء الهامشية وتنامي البطالة، وانعدام الثقة بين الحكومات والناس. مما يدفعنا لطرح العديد من الأسئلة، والتي نودُّ إيجاد إجابات عنها في هذا المؤتمر، كيف نُحدِث المساواة الجماعية بين كل مكونات المجتمع، لتكون نقطة انطلاق قوية نحو التغيير المنشود؟ كيف نعيد توطيد أواصر الثقة بين صُنّاع القرار والعامة، وإيجاد مفاتيح التجاوب؟ كيف نضفي شيئاً من الديمقراطية على سبل التغيير التي نطالب بها؟ أي حفاظاً على المكتسبات المجتمعية من أمن وأمان واستقرار واحترام الآخر وتقبُّل الفكر الناقد. لكننا سنكون مضطرين، لإعادة تعريف العديد من المفاهيم من جديد في الزمان والمكان. الأمر الذي سيحقق لنا الكثير من الاستقرار مما يقوّي من قدراتنا، خصوصاً ونحن نملك كل مقومات النهوض من جديد.
-كيف نحقق الاستقرار في المجتمعات العربية؟
-العيش الكريم لا يزال صمّام أمان الشعوب الهامشية، شئنا أم أبينا، وسبباً كافياً لتحقيق الاستقرار الاجتماعي والسياسي والأمني، والكل يعلم أنّ هاجس الحكومات في دول العالم الثالث متوقّفٌ بدرجة كبيرة على تمكّنها من توفير المواد الأساسية حدَّ الاكتفاء الذاتي والإشباع، ما دام الخبز هو الهاجس الأول والأخير لمواطن بسيط لا يهمه في الحياة إلا إشباع بطنه وبطون أطفاله.
ليس من المُجدي، في الوقت الحاضر، وفي الظروف التي تعيشها المجتمعات المقهورة، أن نتحدث عن الفكر التنويري، وتجديد الخطابات، وإشكالات الإصلاح الاجتماعي، وإمكانية إعادة تشكيل الوعي الجمعي في مجتمع ما، دون الوقوف مطوّلاً على كيفية تفعيل تلك الخطابات وما تنادي به من أفكار على أرض الواقع، ومن أين نبدأ؟ هل بملء البطون أم بملء العقول؟ والبحث بعد ذلك في آليات ومعوقات تحويلها، إلى ممارسات اجتماعية منتشرة بين شرائح مجتمعية مختلفة، لنرتقي بالمجتمع وبالوعي الجماعي.
آنذاك يتم نقل السلطة من الجهة الفاسدة نحو الإصلاحيين من خلال إجراء استثمارات محلية في الفرد والجماعة ينظمها المجتمع برمّته، حينئذٍ يكون الوعي الجماعي قد بدأ بالانتشار.
-من أين نبدأ بالإصلاح، وما دور المثقف؟
عادةً ما ترافق لحظاتِ التحولات السياسية الكبرى، داخل المجتمع، انقساماتٌ عميقةٌ داخل هياكله ومكوناته، واختلافات بين النُّخب المختلفة، بشأن ما يحقق المصلحة الوطنية الكبرى. وهنا وفي هذا السياق، نتساءل، كيف يمكن لتوجّهات الشخصيات المثقفة أن تتغيّر وتتبدّل مع مرور الوقت، بحيث تتحوّل، في الكثير من الحالات، من مدافعين عن العدالة الاجتماعية والحرّيات والديمقراطية إلى ساكتين عن الحق ومساندين ومتأقلمين مع واقع اللاعدالة. كما شهدت النخب المثقفة العربية العديد من هذه الانعطافات في العقود الأخيرة وخصوصاً في أعقاب انتكاسات ثورات الخراب العربي.
كما يمكننا اعتبار الصراعات الراهنة وما أفرزته مخاضات 2011، قد يؤدي لصراع الأفكار مرة أخرى وقد يستعيد المفكر العربي دوره الذي لعبه في عصر النهضة وما بين الحربين، وهذا ما نأمله من خلال نقاشاتنا وندواتنا الفكرية ومؤتمرنا هذا.
في العقود الأخيرة، القليل من المثقفين العرب من سلك الطريق الصحيح في فكره وإنتاجه، ولازمَ مواقفه التي دافع عنها وظل متمسكاً بها، لكن الكثير منهم، عاد ليعانق الدولة العميقة ويمشي في دربها تجنُّباً لأي تشويش أو صراع محتمل. المثقف العربي سلك دروباً كثيرة وغيَّرَ مواقعه في مناسبات كثيرة، فانقسمت النخبة المثقفة لتيارات عديدة وساقتها أمواج كثيرة إلى ضفاف شبه مهجورة، فغاب المثقف عن الواقع المعاش.
قد يكون المثقف العربي أصيب بخيبة أمل عميقة، جراء التحولات الكبيرة والمتسارعة التي شهدتها المنطقة، والتي كان لها الوقع الكبير على الخيارات السياسية للكثيرين منهم، وربما كان شاهداً على فترة الانحدار المدوي لمجتمعات كثيرة دون أن يستطيع حتى إبداء رأيه فيما يجري. إذ لا يمكن فصل تحول مواقفهم، عن مشهد الفتنة الذي يعيشه المجتمع بالكامل، والذي دفع بهم لتغيير جلدهم ليتماشى وطبيعة المرحلة.
-كيف يقود الاقتصاد الإصلاحي نحو إجراءات جِدّية لانتقال عادل نحو المجتمع المأمول؟
-سؤال جوهري وواقعي في المجتمعات التي تعاني في صمت، إذ إلى جانب نشر المعرفة والوعي لا بد من الإصلاحات السياسية والاقتصادية لتفادي الاحتقان الاجتماعي. البعد الإصلاحي في الاقتصاد، هو الحل الذي يسمح للناس بالعيش في حياة كريمة.
علي شريعتي يرى أنّ مجاعة الفكر أخطر من مجاعة العيش، في إشارة إلى خطورة الأفكار المتطرِّفة المدمِّرة للمجتمع، وهي أسوأ في نظره من ثورة البطون الفارغة. إلا أن الأحداث التاريخية برهنت بالملموس أن ثورات الجياع كانت أكثر خطورةً وتدميراً على المجتمعات الإنسانية، وخصوصاً في المجتمعات الثالثية، والتي يستمر وجودها بسياسة ملء البطون قبل كل شيء من طرف الساسة. فصناع القرار في مجتمعاتنا، اليوم، في ظل الغلاء الفاحش، ربما أرادوا التخلي عن هذه النظرية، والبحث عن مبررات خارجية تتلخص في مشاكل الطاقة وتغيُّر طرق الإمدادات الغذائية.
المؤتمر سيحاول التطرق لمحاورَ عدة تهمُّ واقع ومستقبل العرب، العديد من الأسئلة المحورية التي تعيشها المجتمعات العربية، لفهمها بطريقة أدق، وأيضاً الدعوة لإيجاد بدائلَ جديدة، ومعالجة القضايا العالقة التي تخدم بالتأكيد شعوبنا على اختلاف هوياتها وثقافاتها وعقائدها، لكن يربط بينهم رابط واحد وهو المصير المشترك. فرغم الثروات الطبيعية والبشرية الهامة، ومعظم سكان الوطن العربي من الشباب، وخيرات لا تحصى، لا زالت الشعوب تعيش العديد من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بسبب تأثيرات داخلية وخارجية، وهو ما ستتناوله الأبحاث المشاركة في هذا المؤتمر الأفروآسيوية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الدكتور عبد الله العبادي – كاتب صحفي، محرر الشؤون العربية و الإفريقية في صحيفة الحدث الإفريقي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً