بقلم الأستاذ عباس الزيدي*
للمرة الخامسة أدّى اليوم فلاديمير بوتين اليمين الدستورية في حفل مهيب رئيساً لروسيا الاتحادية، مؤكداً على الدفاع عن روسيا ووحدة الشعب وحماية المصالح وتحقيق الاكتفاء الذاتي والمحافظة على الثقافات والقيم من العبث اللاأخلاقي والانفتاح على الأنظمة الحرة. الأهم في ذلك قوله، وبالحرف الواحد: سنستمر في تشكيل [عالم متعدد الأقطاب].
ماهي عقدة بوتين بالنسبة للولايات المتحدةالأمريكية؟
أصبح الرئيس بوتين ندّاً قوياً للنخبة الحاكمة في الولايات المتحدة الأمريكية، واختار طريق المواجهة المباشرة! عمل مع بعض الشركاء الدوليين لتغيير النظام العالمي من أحادي القطبية بزعامة أمريكية إلى نظام متعدد الأقطاب. شرع في عملية كبيرة واستراتيجية متجددة على مستويات مختلفة، منها السياسة الخارجية والتحالفات والاقتصاد والعلاقة مع الصين والعقيدة العسكرية والقفزات على مستوى الناتج القومي وإعداد خارطة طريق تنقل روسيا والعالم معاً إلى مواقع َريادية عبر مراحل وتحولات معقدة وجذرية.
لذلك أطلقت واشنطن عقدة بوتين على التوجهات التي تقف أمام الهيمنة والغطرسة الأمريكيتين، التي تحاول من خلالهما نهب الشعوب وتدميرها بسياسات لا أخلاقية وأخرى نازية، وأنظمة ديكتاتورية مصطنعة بغطاء ديمقراطي مزيّف وكاذب ومخادع، حاولت من خلالها تقطيع أوصال العالم وتركيع الأمم والشعوب وإذلالها. شنّت حروباً متعددةً بعضها بصورة مباشرة وأخرى بالوكالة، لعلها بذلك تسبق حالة التآكل الكبير الذي تتعرض له في ميزان القوى العالمي. و ها هي اليوم تحارب على أكثر من ساحة، في أوروبا قرب الحدود الروسية، وفي المحيط الهادي مع أكثر من خصم، وفي أمريكا اللاتينية، وفي غرب آسيا و لا زالت تتلقى الضربات الموجعة. أصبحت محطّ سخرية من أقرب حلفائها الذين فقدوا الثقة بها تدريجياً، بما في ذلك بريطانيا ودول الاتحاد الأوربي، ولا زال بايدن مع ثلة في البيت الابيض يغامر من خلال السياسات الحمقاء، والابتعاد عن الواقع وعدم الإقرار بنظام عالمي جديد. هذا الإنكار مجازفة كبرى يجعل الولايات المتحدة أمام خيارين لاثالثَ لهما: إما مواجهة الشعوب الحرة في حرب عالمية ثالثة أو تفكك الولايات المتحدة إلى ولايات، وهو الأقرب إلى التحقق، ما لم تركن إلى الحقيقة، وتبتعد عن الغطرسة والمهاترات والمغامرات.
الأزمات الأمريكية تتصاعد طردياً، سواء على مستوى الداخل الأمريكي، أو على مستوى النفوذ الاقتصادي و السياسي في العالم، أو على المستوى العسكري و الانتشار المناطقي في البر والبحر، بل إنّ تواجدَها ونفوذها في بعض الأماكن قد تقلّص، كذلك تلاشى بعض مصالحها الحيوية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الأستاذ عباس الزيدي – باحث سياسي وخبير استراتيجي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً