بقلم الدكتور عبدالله العبادي*
من المنطقي والطبيعي أن يتواءم الأمن والتنمية في خطٍّ متساوٍ وأفقي، لكنْ قد يحدثُ اختلالٌ كبير حين يكون فرضُ الأمن على حساب تحقيق التنمية أو العكس، أي العمل على التنمية في مجتمع يفتقر لأدنى شروط الأمن والاستقرار.
هنالك ثلاثة تصورات لمقاربة العلاقة بين الأمن والتنميـة؛ التصور الأول: ينطلق من فرضية أنّ التنمية متغير مستقل، أما الأمـن فهو متغير تابع، وهذا يعني أن الأمن لا يمكن أن يتحقق إلا بتوفر عدد مـن الشروط الأساسية منها (الاقتصادية، الاجتماعية، الأمن الغذائي) … التصور الثاني: يـرى أن الأمن شرطٌ أساسي في تحقيق التنمية، الأمن متغيـر مسـتقل، والتنميـة كمتغير تابع. أما التصور الثالث: فيرى أن العلاقة بين الأمن والتنمية علاقـة متداخلة، والعلاقة السببية بينهما متبادلة، فالتنمية يُنظَر إليها كمطلب لتحقيق الأمن، كما يمكن النظر إليها أيضا كنتيجة لتحقيـق سياسـات الأمن.
من البديهي أن نطرح سؤال الأولوية، ونحن نشاهد نماذجَ فاشلة عبر التاريخ للعديد من الأنظمة، أعطت الأمن أولوية كبرى على حساب التنمية، فكانت النتيجةُ انهياراً اقتصادياً واضطراباتٍ اجتماعيةً لا تنتهي.
لِنُعِدْ صياغة السؤال بشكل آخر: – هل ثمّة تنمية بلا أمن؟ وهل ثمّة علاقة بين الاستقرار السياسي والتنمية؟ وما هي أولويات التنمية؟
قراءة سريعة للمشهد الدولي، تظهر أن الهاجس الأمني أصبح أكثر أولوية لدى صنّاع القرار في العديد من الدول، والخوف هنا أن تتخلى هذا الدول عن شعار التنمية أولاً إلى مفهوم الأمن أولاً في ظلِّ التهديدات الأمنية والاضطرابات التي تسود العالم اليوم، كما أنّ توليفة تحقيق التوازن بين المخاوف الأمنية والنمو الاقتصادي لم تعد ممكنة في بعض الأماكن من هذا العالم.
كما أنه من المفروض الاهتمام بدمج السلم والأمن في التنمية المستدامة على اعتبار أن الاضطرابات تؤدي إلى انهيار التنمية والخدمات مع تفاقم بؤر الصراع، وهنا نتحوّل من عالم البناء إلى عالم الهدم.. ويؤكّد الصراع العالمي الجديد؛ الذي يلوح في الأفق بعد الازمة الأوكرانية الروسية، وحرب غزة، وصراع الصين وأمريكا في بحر تايوان، والتغيرات المناخية، أنّ السنوات المقبلة ستكون الأصعب، فهي حبلى بالأحداث التي ستغير منظومة الأمن والتنمية في العالم.
من جانب آخر، تعطي التقارير الصادرة عن المؤسسات التمويلية الدولية صورة قاتمة لمستقبل التنمية في الدول النامية والأشد فقراً، وهذا يعني أننا أمام عالم مُثقل بالديون وتنمية خجولة لا توفر الحياة الكريمة للشعوب، ومعنى غياب التنمية في النهاية هو عدم قدرة الدولة على تحقيق الأمن المجتمعي.
هنا نتساءل: – هل علينا العودة إلى هرميّة ماسلو للحاجات الإنسانية في أنماط التفكير حول التنمية والمكونة من الاحتياجات الفسيولوجية، وحاجات الأمن، والاحتياجات الاجتماعية، والحاجة للتقدير، والحاجة لتحقيق الذات. وبحسب هرم ماسلو، الحاجة إلى الأمان يجب أن تشمل السلامة الجسدية والأمن الوظيفي والأمن المعنوي والنفسي والأمن الأسري والأمن الصحي، وهنا نمزج بين الأمن وحاجات الإنسان الحقيقية التي توفرها تنمية عادلة للجميع.
نخلص في القول إلى أنّ التنمية المستدامة يجب أن تكون مقرونةً برقابة وأمن يوفر بيئة جيدة للحياة الكريمة، فالاستثمار بحاجة لاستقرار سياسي، وغياب الأمن يعني شلل التنمية وانتشار منظومة الفساد ونهب الثروات. فالعَلاقة بين الأمن والتنمية هي عَلاقة مركّبة لأنهـا ببسـاطة علاقة بين ظاهرتين كلٌّ منهما ظاهرة مركبة، وتحقُّق أيٍّ منهما يساعد على تحقيق الآخر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الدكتور عبد الله العبادي – كاتب صحفي، محرر الشؤون العربية و الأفريقية في صحيفة الحدث الأفريقي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً