بقلم الأستاذ عباس الزيدي*
قبل أكثر من سنتين ناقشنا مايحصل على مستوى المنطقة والعالم تحت عنوان “فرضيات معارك البحار والمحيطات المقبلة” بواقع 24 حلقة. أخذت هذه الدراسة صداها في أهم مراكز البحوث والدراسات والمواقع والدوريات والصحف المحلية والعالمية.
ناقشنا في هذه الدراسة عملية الصدام الحتمي بين المعسكرين الغربي والشرقي على نحوين: التقليدي والنووي، والانتشار والتموضع، وجبهات القتال براً وبحراً. توالت الأحداث ثم اندلعت الحرب في أوكرانيا وما أعقبها من حراك سياسي، ودعم واشتراك لقوات الناتو بزعامة واشنطن، في مواجهة اتسمت بالنّديّة لروسيا-بوتين، ثم أخذت المعسكرات تعمل على نحو أبعد من حدودها، لتتجنّب الأخطار، خصوصاً بعد أن لوّح بوتين باستخدام السلاح النووي رداً على تزويد واشنطن أوكرانيا بأسلحة محظورة.
ثم حصلت أحداث متتالية، نشرت فيها أساطيل بحرية في عمق الهادي والأطلسي والهندي، وعزز الجانبان حضورهما في مجموعة من البحار، لعلّ أهمها البحر الأحمر والمتوسط وبحر البلطيق والخليج.
ولازالت الاستعدادات قائمة لحصار الصين وإغلاق روسيا في تحالفات عسكرية، سواء في المحيطات أو في البراري. و لقد أخذت منطقة غرب آسيا (الشرق الأوسط) و أفريقيا اهتماماً ملحوظاً من قبل أمريكا ومن تخندق في ركابها.
اليوم وفي ظل الأحداث الدامية وحرب الإبادة الجماعية في غزة، التي يقوم بها الكيان الصهيوني وبدعم أمريكي مباشر، استطاعت الأخيرة أن تعزّز تواجدها العسكري في المنطقة، هي وشركاؤها من قوات الناتو، بمزيد من حاملات الطائرات والبوارج والمدمرات والغواصات، للسيطرة على خزان النفط الكبير ولأهداف أخرى دون حراك يذكر من الصين أو روسيا.
وها هي كرة النار تتدحرج نحو حرب إقليمية شاملة لتفتح الباب على مصراعيه نحو حرب عالمية ثالثة لن يسلم من عواقبها شعب أو ملّة. ولعلّ أخطر ماتواجهه المنطقة هو عدد من الضربات النووية المحدودة المحتملة كأحد خيارات الحرب الإقليمية وسيناريوهاتها، للأسباب التالية:
1-إن واشنطن جادة في توجيه رسالة إلى روسيا والصين ولكل من خالفها بأنها لن تتنازل عن نظام عالمي أحادي القطبية و هي من تتربع على عرشه.
2-لن تسمح لأي مشروع اقتصادي يجعلها في الخلف أو تمارس دوراً ثانوياً.
3-لا تستطيع واشنطن استيعاب ردود الأفعال والانتقام الروسي فيما لو أقدمت على مثل هكذا خيار ضد روسيا أو الصين.
4-تأمين مصالحها واندماج إسرائيل في المنطقة، ونجاح مشاريعها في العالم، وهذا لايتم إلا عن طريق القضاء التام على محور المقاومة.
5-إن توجيه ضربة نووية محدودة إلى طرف ثالث لا يملك سلاحاً نووياً، بعيداً عن حدود كل من روسيا و الصين وعن حدود أمريكا، له دلالاته و رسائله.
6-من المعروف عن أمريكا بأنها لا تقدم على أي عمل عدواني دون استحضار الذريعة والأسباب، لكي تقنع الرأي العام الأمريكي والعالمي، و أيضاً لترتيب صفوفها في التحشيد الدولي، واليوم الذريعة موجودة و جاهزة.
7-الأبواب السياسية مغلقة و موصدة أمام أمريكا، وتعاني فشلاً ذريعاً في تمرير مشاريعها، لذلك هي مضطرة لخيارها الثاني الشهير، وهو تنفيذ سياستها عبر الآلة العسكرية و سياسة القوة.
8-إن القوة والغطرسة والعنجهيّة والهيمنة عناوين بحاجة إلى ترجمة وأثر ومصداق على الأرض ظاهر للعيان، لكي يرتعد ويردع ويرتد من خالفها، وبذلك تنشر سطوتها عالمياً لتقول فيما بعد (أنا ربكم الأعلى فاعبدوني).
هذا غيض من فيض! فمن هي الدولة التي ستواجه تلك الضربة النووية المحدودة؟ لاشك إنها جمهورية إيران الإسلامية، التي أصبحت غصة و عقبة كؤود أمام المشروع الصهيو-أمريكي في المنطقة والعالم.
وفيما لو حصل ذلك و أقدم الشيطان الأكبر على مثل هكذا مغامرة، فمن الطبيعي أن تُطرح بعض الاسئلة الجوهرية، أهمها:
-من سيقدم على تلك الضربة، هل هي أمريكا أم إسرائيل؟
-ما هي ردود الأفعال الإيرانية أو الدولية؟
-ما هي مستويات الضربة وما حجم الرد المتوقع؟
-ما هي امتدادات ذلك العدوان المحتمل؟
-ما هو حجم الآثار التدميرية المترتبة على دول المنطقة؟
-كيف ستكون النتائج والمخرجات على دول المنطقة والعالم؟
علماً لا حياد في هذا الأمر و لا توجد منطقة وسطى ما بين الجنة والنار؛ ذلك ما سيكشفه لنا قادم الأيام، فانتظروا إني معكم من المنتظرين.
= = = = =
*الأستاذ عباس الزيدي – باحث سياسي و خبير إستراتيجي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً