بقلم الدكتور نجم الدليمي*
تؤكد الماركسية-اللينينية على وجود نوعين من الحروب، حروب عادلة تخوضها الشعوب من أجل تحقيق التحرر الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وتحقيق الاستقلال الوطني والتخلص من الاستعمار والتبعية له. أما الحروب غير العادلة، هي تلك الحروب التي تقوم بها الطبقة الحاكمة في المجتمع الطبقي بهدف الاستيلاء على البلد والاستحواذ على ثرواته المادية والبشرية بما يخدم مصالحها، أي مصالح الطبقة الحاكمة في المجتمع الطبقي البرجوازي؛ و المجتمع الرأسمالي هو نموذج حي وملموس على ذلك.
إنّ الحرب هي استمرار لسياسة الطبقة الحاكمة بوسائل العنف، وعليه لا بد من تحديد المصالح الطبقية التي تنعكس في هذه الحرب غير العادلة. يكمن جوهر الحروب غير العادلة في كافة المجالات، وخاصة في الميدان الاقتصادي بالدرجة الأولى. إن الحروب ليست أبدية في المجتمعات؛ فبالقضاء على الملكية الخاصة الاحتكارية لوسائل الإنتاج وتصفية التناقضات في المجتمع الطبقي يتم استبعاد الحروب غير العادلة، يرافق ذلك سيادة الملكية الاجتماعية الاشتراكية لوسائل الإنتاج على النطاق العالمي.
تعد الحرب الأميركية-الأوكرانية ضد شعب الدونباس والشعب الروسي أطول حرب حدثت في القرن الحادي والعشرين، إذ امتدت من عام 2014 حتى الآن. وهي حرب غير عادلة تقودها الولايات المتحدة الأمريكية و دول الناتو عبر النظام الأوكراني ضد روسيا الاتحادية بالدرجة الأولى، وهي حرب تدور في إطار المنظومة الامبريالية العالمية.
لقد واجه الشعب الدونباسي في حربه غير العادلة نظاماً مدعوماً بلا حدود من قبل لندن و واشنطن و بروكسل. إن هدف شعب الدونباس هو تحقيق التحرر والاستقلال عن النظام الحاكم في أوكرانيا، إنه نظام تابع للقوى الاقليمية والدولية وأصبح يشكل أداة قهر و قمع و ظلم و استبداد ضد شعب الدونباس، إنه شكّل ويشكل اليوم أداة طيعة ومُنفّذة ومخربة لصالح القوى الدولية والإقليمية و ضد مصالح الغالبية العظمى من الشعب الأوكراني.
خاض و يخوض الشعب الدونباسي منذ العام 2014 حرباً تحررية تحمل طابعاً وطنياً. إن الشعب الدونباسي قد ضحى ويضحي وسوف يقدم التضحيات من أجل تحقيق أهدافه المشروعة في التحرر والاستقلال عن النظام الحاكم في أوكرانيا، والعمل على عودة الدونباس إلى الوطن الأم روسيا الاتحادية، كما فعل الشعب الروسي في شبه جزيرة القرم بالطرق السلمية عبر استفتاء شعبي؛ فالشعب هو صاحب الحق في تقرير مصيره.
لقد دعم الغرب الإمبريالي بزعامة الولايات المتحدة النظام الحاكم في أوكرانيا منذ عام 1992، وزاد هذا الدعم بعد انقلاب عام 2014. لقد كان دعماً بكل الوسائل غير المألوفة وغير القانونية من المال والسلاح والخبراء العسكريين والمرتزقة الأجانب، بهدف قمع الشعب في جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك. إن هذه الحرب غير العادلة لم تكن وليدة الصدفة، بل كان مخططاً لها بعد عام 1992، أي بعد تفكيك الاتحاد السوفيتي و حصول أوكرانيا على ما يسمى بـ (الاستقلال). لقد حصل النظام البنديري الحاكم في أوكرانيا على كافة وسائل الدعم المادية و العسكرية بهدف تحقيق (النصر العسكري) على روسيا الاتحادية وجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك؛ وهذا يعد ضرباً من الوهم والخيال، لأن دولة تمتلك السلاح النووي لا يمكن لها أن تخسر الحرب؛ وإلا ما فائدة السلاح النووي لديها وهي تتعرض الى خطر التصفية والتفكك؟!
يذكرنا التحالف الدولي، الذي تتزعمه لندن و واشنطن، والذي يضم 40 دولة، بالتحالف الدولي الذي أقامه هتلر ضد الشعوب السوفيتية في الفترة 1941-1945؛ وبالتالي فهو تحالف غير مشروع وغير قانوني. فشلت كل هذه التحالفات في هزيمة روسيا، وسيفشل هذا التحالف الجديد أيضاً.
إن للحرب الأميركية-الأوكرانية أبعاد دولية و إقليمية و محلية، أهمها:
-تعزيز هيمنة القطب الواحد وقيادة العالم والاستحواذ على ثروات الشعوب،
-السيطرة على ثروات ومقدرات دول الفضاء ما بعد السوفيتي،
-تقويض النظام في موسكو وتفكيك روسيا الاتحادية والاستحواذ على ثروات الشعب الروسي المادية والبشرية.
رسمت واشنطن و لندن و باريس و بروكسل استراتيجية لهزيمة روسيا الاتحادية عسكرياً؛ وبالتالي فإن هؤلاء يدفعون العالم نحو حرب نووية، وستكون كارثية على الجميع لأنه في هذه الحرب سيخسر الجميع. ولقد أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سابقاً إلى هذه النقطة قائلاً: (ما حاجتنا إلى عالم بدون روسيا الاتحادية)، وقال أيضاً: (هم سيذهبون إلى الجحيم ونحن سنذهب إلى الجنة).
لا تختلف الحرب الأميركية-الأوكرانية ضد شعب الدونباس والشعب الروسي عن الحروب السابقة التي خاضتها روسيا؛ وهذا في الواقع يكشف جوهر العداء التاريخي بين الغرب الرأسمالي و روسيا. والشواهد على ذلك كثيرة نذكر أهمها:
-حرب نابليون ضد روسيا القيصرية، والهزيمة النكراء التي منيت جيوشه فيها.
-الحروب والمؤامرات التي تعرض لها الاتحاد السوفيتي في الفترة 1918-1991. فلقد تم تشكيل تحالف من 14 دولة رأسمالية، ضمت بريطانيا وفرنسا وألمانيا وأميركا، قدموا المال و السلاح لقوى الثورة المضادة داخل الاتحاد السوفيتي أثناء الحرب الأهلية بين عامي 1918-1922. ومع ذلك كله تم إفشال مخططهم الهدّام والإجرامي، بفضل وجود قيادات سوفيتية حكيمة، كلينين وستالين العظيمين، ولكن كان ثمن الانتصار كبيراً، إذ بلغت الخسائر البشرية بين 8-10 مليون شهيد. وبعد فترة من الزمن أعلنت ألمانيا النازية بقيادة هتلر حرباً عالمية ثانية في الفترة 1939-1945، هدف هتلر من خلالها إلى تقويض النظام الاشتراكي في الاتحاد السوفيتي و قيادة العالم و الاستحواذ على ثروات الشعوب المستضعفة. لقد كانت النازية الوريث الشرعي للنظام الامبريالي العالمي، ومع ذلك تمكنت الشعوب السوفيتية من تحقيق نصر كبير عليها، إلا الكلفة البشرية لهذا النصر بلعت أكثر 30 مليون شهيد، ناهيك عن حجم الخسائر المادية.
لم يختفِ العداء للشعب السوفيتي-الروسي من قبل قادة الغرب الامبريالي؛ فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بدأت بريطانيا بحرب باردة ضد الشعب السوفيتي وتم إقناع الرئيس الأميركي بفكرة الحرب الباردة بهدف تفكيك الاتحاد السوفيتي وتصفية منجزات الاشتراكية، استمرت الحرب الباردة حتى عام 1991.
أكد بريجنسكي، أن روسيا لن تكون دولة عظمى بدون أوكرانيا، وعليه سوف نعمل وبكل الوسائل المتاحة من أجل إبعاد أوكرانيا عن روسيا الاتحادية وفي كافة المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والعسكرية. و خلال الحرب الوطنية العظمى، بين عامي 1941-1945، عملت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والبريطانية على تأسيس ما يسمى بالحركة البنديرية وسميت باسم زعيمها النازي ستيبان بانديرا الذي تعاون مع هتلر النازي ضد الاتحاد السوفيتي. فلقد قاتلت هذه الحركة إلى جانب هتلر ضد الجيش الأحمر، وتكبد الجيش الأحمر خسائر بشرية و عسكرية كبيرة بسبب عمالة المنظمة البنديريه.
خلال الحرب العالمية الثانية تمّ إضعاف المنظمة البنديرية بشكل كبير، فلقد تمّت تصفية العديد من قياداتها، وهرب قسم منهم إلى الخارج، والبعض تمّ اعتقاله ومحاكمته وفق القانون السوفيتي.
عندما وصل خروشوف للسلطة، بعد وفاة ستالين، اتخذ خروشوف قرارات كثيرة خاطئة وغير سليمة ومنها إصدار قرار عفو عن البنديرين؛ فتم إطلاق سراحهم غلى الرغم من عدائهم للسلطة السوفيتية. لقد كانت حجج خروشوف في ذلك واهية و غير مقبولة، ومنها حاجة الاقتصاد للقوى العاملة. وهكذا تم دمج هؤلاء بالمجتمع و السماح لهم بالدخول في الحزب الشيوعي السوفيتي وجميع المنظمات الجماهيرية والمهنية.
عكست قرارات خروشوف مستواه الفكري، فلقد كان إصلاحياً انتهازياً، لديه نزعة فردية مفرطة؛ وخير دليل على ذلك هو إصداره لقرار ضم القرم إلى أوكرانيا، بالرغم من أن هذه الأرض تاريخياً هي أرض روسية.
و اليوم، كما نرى جميعاً، وصل البنديريون الجدد، أحفاد البنديرين القدامى، إلى السلطة، بدعم من قبل وكالات الاستخبارات الأمريكية والبريطانية والبولونية، عبر الانقلاب الفاشي عام 2014 في أوكرانيا؛ و هم يحكمون و ينفذون قرارات أسيادهم، ويسيرون وفق نهج لا يخدم مصالح شعوب هذه المنطقة.
= = = = =
*الدكتور نجم الدليمي – باحث وأستاذ جامعي متقاعد.
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً