بقلم الدكتور آصف ملحم*
يبدأ اليوم الرئيس بوتين زيارة إلى كوريا الشمالية تستمر يومين. أثار خبر الزيارة حفيظة الدول الغربية، التي ما تزال تنظر إلى كوريا الشمالية على أنها دولة معزولة دبلوماسياً. و يبدو أن هناك مفاجآت غير سارة تنتظر الدول الغربية نتيجة هذه الزيارة؛ فالأوساط السياسية و الإعلامية الغربية تؤكد أن روسيا و كوريا الشمالية حليفان مثاليان!
استبق الرئيس بوتين هذه الزيارة مؤكداً، أمام ممثلي وسائل الإعلام العالمية في السادس من يونيو الجاري، أن روسيا ستطور علاقاتها مع كوريا الشمالية أعجب ذاك الآخرين أم لا.
لذلك فإننا نعتقد أن هذه الزيارة هي رسالة قوية لكوريا الجنوبية و اليابان و الدول الغربية أيضاً. وستكون هذه القمة، التي ستجمع الزعيمين، عنصراً هاماً في تشكيل النظام الدولي الجديد. خاصة أن هذه الزيارة هي الثانية لبوتين طوال فترة حكمه، فلقد زار بيونغ يانغ في فترة رئاسته الأولى في عام 2000.
كثيرة هي المسائل التي يمكن بحثها بين الجانبين، لذلك من المؤكد أن يتم بحث التعاون السياسي و الاقتصادي و العسكري و الجهود المشتركة لمواجهة العقوبات الغربية؛ فخلال زيارة كيم جونغ أون إلى روسيا في سبتمبر من عام 2023 بحث الطرفان سبل تطوير التعاون في مجال الزراعة و النقل و البناء و السياحة.
يصل طول الحدود البرية بين كوريا الشمالية و روسيا إلى حوالي 40 كيلومتراً، كما أن شبكة الخطوط الحديدية بين الطرفين متطورة للغاية، و النقل البحري بينهما نشيط و سهل، ولا يتطلب الخروج من المياه الإقليمية لهما.
في نوفمبر عام 2023 انعقد في بيونغ يانغ الاجتماع العاشر للجنة المشتركة للتعاون التجاري و الاقتصادي و الفني-العسكري. رأس الوفد الروسي وقتها وزير الموارد الطبيعية و البيئة السيد ألكساندر كازلوف، إذ أكد أن هدف الاجتماع هو زيادة التبادل التجاري بين البلدين. موسكو يمكنها أن تقدم لبيونغ يانغ: طحين القمح، الذرة، الزيوت النباتية، الحلويات، المنتجات النفطية، الأدوية. كما أن كوريا الشمالية يمكنها أن تقدم لروسيا المعادن الترابية النادرة أو الأتربة النادرة (تحتل كوريا الشمالية موقعاً رائداً من حيث مخزون هذه المعادن) و المنتجات النسيجية و المطاط و معلبات الأسماك و الخضار و بعض المنتجات الطبية.
في الواقع، يميل الميزان التجاري بين الطرفين لصالح روسيا، فحجم الصادرات الروسية يصل إلى حوالي 80% من مجمل حجم التبادل التجاري بينهما. لذلك فإن أحد أهم الأهداف في المدى القريب سيكون تقليص هذا الفارق بينهما. إحدى أهم المشكلات التي تعاني منها كوريا الشمالية هي عدم توفر العملات الأجنبية، لذلك تلجأ كوريا الشمالية إلى اليوان الصيني و الدولار الهونغ كونغي و الباتاكا الماكاوية في تعاملاتها التجارية. لذلك فإن كوريا الشمالية تفضل نظام المقايضة في تعاملاتها التجارية، و هذا سيساعد الطرفين معاً في تقليص أثر العقوبات الغربية عليهما. وفي هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى أن نظام المقايضة يشكل 70% من التجارة الخارجية لكوريا الشمالية.
على الصعيد السياسي، و قفت كوريا الشمالية دائماً إلى جانب روسيا، فلقد أيدت روسيا في نزاعها مع اليابان حول جزر الكوريل، كما أنها اعترفت بسيادة روسيا على شبه جزيرة القرم في عام 2014، و كانت خامس دولة تعترف باستقلال جمهوريتي لوغانسك و دونيتسك الشعبيتين.
أما على الصعيد العسكري، فآفاق التعاون واسعة للغاية، و يكفي أن نشير إلى بعض المعطيات لكي نفهم أهمية التعاون بين البلدين:
-روسيا قادرة على تطوير القدرات الكورية الشمالية في مجال الغواصات النووية و تكنولوجيا الأقمار الصناعية المخصصة للتجسس.
-يستطيع المختصون الروس مساعدة كوريا الشمالية في تطوير مجمعها الصناعي العسكري.
-تحتل كوريا الشمالية المرتبة الخامسة عالمياً من حيث راجمات الصواريخ.
-يوجد عند كوريا الشمالية حوالي 21600 نوع من سلاح المدفعية، مع مخزون كبير من الذخائر لها.
-يوجد عند كوريا الشمالية ملايين القذائف المدفعية ومن جميع الأعيرة، 82 ملم و 120 ملم و 122 ملم و 152 ملم.
-تصنع كوريا الشمالية بنفسها أسلحة مضادة للدروع مع ذخائرها من النماذج السوفيتية و الروسية.
-عند كوريا الشمالية مدافع ذاتية الحركة من نوع كوكسان M-1978 Koksan قادرة على إطلاق قذائف مداها 60 كيلومتراً و عيارها 170 ملم. وهي أفضل من نظيرتها السوفيتية بيون أو مالكا 2S7 Pion or Malka، التي يصل مداها إلى 47 كيلومتراً و عيارها 203 ملم.
-كوريا الشمالية مستعدة لتقديم راجمات صواريخ من النوعين М1985, М1991 قادرة على إطلاق صواريخ من عيار 240 ملم، يصل مداها إلى 60 كيلومتراً، وهي الأفضل في العالم. وهي أفضل بكثير من راجمات أوراغان BM-27 Uragan السوفيتية ذات المدى 34 كيومتراً و العيار 220 ملم. كما أنها أفضل من راجمات غراد BM-21 Grad السوفيتية أيضاً ذات المدى 20 كيلومتراً و العيار 122 ملم.
-يوجد عند كوريا الشمالية راجمات صواريخ فائقة الوزن، من نوع KN-25، بإمكانها إطلاق صواريخ من عيار 600 ملم، يصل مداها إلى 380 كيلومتراً.
-عند كوريا الشمالية صواريخ موجهة من نوع KN-09، يمكن إطلاقها من راجمات الصواريخ، يصل مداها إلى 180 كيلومتراً. وهي شبيهة بالراجمات الصينية من نوع WS-1B. وعند روسيا نقص في هذا النوع من الصواريخ.
-عند كوريا الشمالية صواريخ بالستية أرض-أرض من نوع KN-23 و KN-24، يصل مداها إلى 450-690 كيلومتراً. وهذا النوع من الصواريخ تحتاجه روسيا بشكل كبير، لأن هذه المسافة لا يمكن بلوغها إلا بالصواريخ المجنحة و المسيرات، و الصواريخ المجنحة (جو-أرض) من السهل اصطيادها بوسائط الدفاع الجوي مقارنة مع الصواريخ (أرض-أرض). كما أن صواريخ اسكندر لا يصل مداها سوى إلى 500 كيلومتراً، طبعاً المدى المجدي أقل من ذلك. في هذا السياق، لا بد من الِاشارة إلى أن إيران أيضاً تصنع صواريخ ذو الفقار الشبيهة بـ KN-23 و KN-24، و التي يصل مداها إلى 700 كيلومتراً.
يبدو بوضوح من العرض الموجز في الأعلى أن آفاق التعاون بين البلدين واسعة و كثيرة. ولقد أكّد سفير روسيا في كوريا الشمالية، السيد ألكساندر ماتسيغور، بأن التحضيرات لهذه الزيارة كبيرة جداً. لذلك لا نستبعد أن يتم فيها التوقيع على معاهدة جديدة للصداقة و التعاون، كتلك التي وقعها الاتحاد السوفيتي مع كوريا الشمالية في عام 1961، و التي فقدت قوتها القانونية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. ستكون هذه المعاهدة بمثابة ضمانات محددة لبيونغ يانغ من قبل موسكو.
ولكن بغض النظر عن ذلك فإن هذه الزيارة تشكل طوراً نوعياً جديداً في العلاقة الثنائية بين الطرفين. كما أنه سيكون لها أثراً كبيراً على كل منطقة آسيا و المحيط الهادي، حيث بدأ ينزاح المركز الاقتصادي العالمي إلى هذه المنطقة بالذات!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الدكتور آصف ملحم – مدير مركز جي إس إم للأبحاث و الدراسات (موسكو).
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً