بقلم الأستاذ سفيان حشيفة*
تحتضن مدينة قازان في جمهورية تتارستان الروسية، هذه الأيام، دورة ألعاب “بريكس” الرياضية الدولية، التي تستمر حتى الثالث والعشرين من شهر يونيو/حزيران، بمشاركة قرابة 5000 رياضي في مختلف التخصصات من 100 بلد عبر العالم، بحسب المنظمين.
وتعتبر الألعابُ الرياضية لـ”بريكس” دورةً ناشئة في العالم، أتت تتويجاً للروابط القوية التي أضحت تجمع دول هذا التكتل الاقتصادي، الذي يضم روسيا والصين وجنوب إفريقيا والبرازيل والهند، وبلداناً أخرى في طور الانضمام، حيث سبقت فعالياتها ومنافساتها انطلاق دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في باريس خلال الفترة من 26 يوليو/تموز إلى 11 أغسطس/آب.
والمُثير للاهتمام في ألعاب قازان 2024م، هو المشاركة الكثيفة والقوية من دول غير منضوية في التجمع الاقتصادي، بعد فتح المجال لكل الكيانات للمنافسة على ميداليات وجوائز الدورة، في خطوة من شأنها تبادل وتواصل الثقافات وتعزيز أواصر الأخوة والتلاحم بين الشعوب، بعيداً عن الممارسات السياسية الضيقة التي ما فتئ الغرب الجماعي يتعمّد توظيفها في عالم الرياضة.
كما شكّل التئامها في مدينة قازان بهذا التعداد من الرياضيين والدول المشاركة، لبِنةً أساسية لاستحداث مُنتظم رياضي موازٍ لهيئات ومنظمات الغرب الجماعي الرياضية، التي صارت تحت طائل الاستئثار التسييري، والتوجيه السياسي المُنافي لكل الأخلاق والمواثيق الدولية، وهو ما ينطبق على حظر روسيا الاتحادية من ولوج المنافسات التابعة للاتحاديات الأوروبية بكل تخصصاتها ومن بينها دوري أمم أوروبا الجاري في ألمانيا من 14 يونيو إلى 14 يوليو، وكذا منافسات أولمبياد باريس 2024م التي أشرنا إليها آنفاً
وما يُعاب على ألعاب بريكس في تتارستان الروسية، حسب المعطيات المستقاة، هو نِطاقها الإعلامي الضيق، وعدم توافر بثّها الفضائي للجمهور عبر عدد من الأقمار الصناعية في الشرق الأوسط وقارة إفريقيا، وغياب الترويج الاتصالي المسبق لها في نطاقات كثيرة من العالم، وهو ما حرم ملايين المتابعين لا سيما في جنوب الكرة الأرضية من مشاهدة مسابقاتها الرياضية.
ورغم احتضان مدينة قازان لهذه الألعاب، وهي العاصمة الرياضية لروسيا الاتحادية، التي تحتوي على بنية تحتية ضخمة رياضية ومدنية مؤهّلة لإستيعاب هكذا أحداث دولية، إلا أن ضعف العوامل الاتصالية قلّل من شأن الدورة، وجعلها محصورة في مدى محدد؛ إذ يتطلب الأمر الاستفادة أكثر من التجارب التنظيمية الأولى، وتصحيح المسار في قادم المناسبات للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الجماهير في العالم.
وللتعريف بألعاب “بريكس” والإرتقاء بها إلى مصاف البطولات العالمية في الجهة المقابلة، يتعيّن على المنظّمين تخصيص هيئة دائمة للإعداد لها، وإتاحة حقوق البث بشكل مجاني في الطبعات الأولى للمؤسسات الإعلامية الحكومية للدول الأعضاء في التجمع والبلدان الأخرى المشاركة والراغبة في نقل فعاليات الدورة، وتقديم جوائز مغرية وغيرها من التسهيلات الرامية إلى إنجاح العملية هيكلياً وتنظيمياً واتصاليا.ً
وفي هذا المنظور، يُمكن الحديث عن إيجاد بدائلَ رياضيةٍ لما هو مُحتكر ومُستغلّ سياسياً في الغرب، وتوفير مادة رياضية إعلامية مجانية للجمهور خاصة في الجنوب العالمي الذي ضاق ذرعاً من ممارسات الغرب الجماعي في كل المجالات والميادين ومنها الرياضة.
و أخيراً جدير بالذكر، أن ألعاب “بريكس” سجّلت أول دورة لها في عام 2016م ضمن بطولة كرة قدم أقيمت في دولة الهند، شاركت فيها منتخبات البلدان الأعضاء لأقل من 17 سنة، في حين جاءت ألعاب قازان إثر إصدار الرئيس الروسي السيد فلاديمير بوتين، في 17 مايو/أيار 2024م، تعليمات إلى مجلس الوزراء من أجل تقديم مقترحات لإجراء وتنظيم هذه المنافسات الرياضية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الأستاذ سفيان حشيفة – صحفي وكاتب سياسي جزائري
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً