بقلم الأستاذ عباس الزيدي*
أولاً-كان اغتيال ولي عهد النمسا مع عائلته من أحد الأسباب الرئيسة لاندلاع الحرب العالمية الأولى، وتمّ تصنيفها ضمن الجرائم السياسية. وقد شهد العالم الكثير من تلك الجرائم عبر مسلسل الاغتيالات العلنية أو السرية. ومهما تنوعت أشكال وأسباب الجريمة السياسية فهي تبقى تحت لائحة الجريمة.
ثانياً-العمليات القذرة
هي جميع عمليات القتل والخطف والتصفية والدمار التي تقع ضمن ساحة عمل أجهزة المخابرات. بطبيعتها ليس لها سقف أو حدود أو زمان ومكان أو خطوط حمراء تردعها. تقوم بها فرق موت متخصصة داخل أو خارج البلاد، وعادة ما تتبعها فرقة خاصة لرفع كل الأدلة والبصمات ومحو آثار الجريمة، تسمى فرق التنظيف. أغلب الأحيان يتم تسجيلها ضد مجهول أو ترسم لأسباب طبيعية. يحرص منفذوها على أن تكون أصابع الاتّهام موجّهة ضد أطراف أخرى بقصد الخداع والتضليل ونشر الفتن. يتم رفع السرية عن بعض من تلك العمليات، ويكشف النقاب عنها بعد حقبة زمنية طويلة مالم تكشف حينها.
ثالثاً-ثورة في عالم المخابرات
للتكنولوجيا الحديثة وانتشار الإنترنت أثرٌ بالغ الخطورة، ليس على مستوى الاتصال والتواصل وحرب المعلومات أو ما يعرف بالاستخبارات مفتوحة المصدر فحسب، بل أيضاً على مستوى الحرب الإلكترونية، خاصةً مع وجود كم هائل من الأقمار الصناعية ووسائل الرصد والتجسس، واستخدام الذكاء الصناعي؛ كل ذلك تم تسخيره لعمليات نوعية تقوم بها أجهزة المخابرات.
رابعاً-عمليات الدمج والتوليف والتعشيق
أصبح، مع وفرة الأنظمة المختلفة والبرمجيات المتعددة والتكنولوجيا الهائلة، من اليسير دمج كثير منها بعضها مع البعض الآخر لتؤدي خدمات ومهمات. مع ذلك من الممكن تعقبها ومعرفتها والتصدي لها من قبل المختصين، عبر كشف وتعطيل إحدى الوسائط أو الأنظمة المستخدمة. فمثلاً، يمكن لطائرة مقاتلة أن تطلق صاروخاً يتم التحكم به من طائرة مسيرة، أو الدخول إلى منظومات أجهزة الرادار الخاصة بالطائرات والسفن والحوامات، أو زرع فيروسات، ويدخل كل ذلك ضمن عمليات الحرب الإلكترونية والاختراق والهجمات السيبرانية.
خامساً-إن جريمة مثل تلك التي حصلت مؤخراً من إسقاط طائرة رئيس جمهورية إيران الإسلامية، السيد رئيسي-رحمه الله – وإذا ما تم القطع بأنها نتيجة هجوم سيبراني، فإن لجان التحقيق بحاجة إلى مجموعة من خبراء التكنولوجيا والبرمجيات للكشف عن ملابساتها. ولكننا نعتقد بأنه يمكن حصر الحادثة ضمن أحد الاحتمالات أو الطرق التالية:
1-وجود فريق على الأرض بالقرب من منطقة الحادث، أو في أحد القواعد المعادية القريبة (القاعدة الإسرائيلية في أذربيجان مثلاً).
2-وجود فريق إلكتروني متخصص في الجو (الطائرة الأمريكية C17، التي تزامن وجودها مع زيارة السيد رئيسي).
3-اختراق وسائل الاتصال بما فيها الخاصة أو اختراق خطوط الإنترنت.
ولكن بغض النظر عن الطريقة، لا بد من توفير الإمكانات التالية:
1-أجهزة تعقب واستقبال وإرسال ثم التعشيق بينهما إلكترونياً مع مرسلات متقدمة.
2-وجود إنترنت عالي الجودة.
3-استخدام أنظمة بث خاصة تتصل مع الأقمار الصناعية أو الطائرات المسيرة أو قواعد التجسس الإلكترونية القريبة والموجهة ضد الدولة المستهدفة.
4-عمليات الزرع.
من الممكن زرع تلك الأجهزة والتقنيات في الدول المستهدفة عن طريق تهريبها بواسطة العملاء المحليين، أو عن طريق إسقاطها جواً أو إدخالها بوساطة السلك الدبلوماسي، من قبل العاملين في السفارات الأجنبية داخل الدولة المستهدفة.
سادساً-طرق الوقاية والدفاع
لا يمكن مواجهة تلك الحروب والجرائم إلا بنفس الأسلوب التقني؛ حيث يتم فكّ ومعرفة شفرات الأنظمة المستخدمة، أو من خلال العمليات الاعتراضية. تعتبر وسائل الإعلام والقنوات الفضائية حالياً من أخطر الوسائل المستخدمة في هذا المجال؛ بسبب وجود أجهزة إرسال صغيرة، تتصل مباشرةً مع الأقمار الصناعية عبر ترددات معينة.
قطعت بعض الدول شوطاً كبيراً في هذا المجال، حتى أن البعض منها وصل إلى قطع الاتصال أو إسقاط الأقمار الصناعية. فلقد ابتكرت بريطانيا سلاحاً ليزرياً يطلق من مسدس أرضي على شكل شعاع يستطيع إسقاط الأقمار الصناعية. وهناك سلاح وتقنية حديثة مشتركة (روسي-إيراني) لقطع كافة وسائل الاتصال، يعمل على تعطيل أنظمة المواقع. بهذه الطريقة تصبح القطع البحرية، وكذلك الغواصات والطائرات، عبارة عن كتل حديدية عمياء، لا تعرف وجهتها ولا تستطيع التواصل أو استخدام أسلحتها، وكلا السلاحين لا يمكن استخدامهما إلا في الحروب المباشرة.
سابعاً-هناك دول رائدة في هذا المجال، مثل روسيا واليابان والصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإيران ودول النمور الآسيوية، وكثير من دول العالم الثالث. من الدول المتقدمة أيضاً الهند، وتعتبر من أخطر الدول؛ لأن معظم تقنيات صناعة الحواسيب وأجهزة الاتصال والبرمجيات نقلت إليها، أو منها، بسبب رخص اليد العاملة. كما أنه تم توظيف الكثير من المهندسين الهنود خارج الهند، خصوصاً في الشركات الخاصة الأمريكية والإسرائيلية.
ثامناً-أين يكمن الخطر؟
مع وجود الشركات الأمنية والمرتزقة وشركات التجسس، أو صناعة البرمجيات الخاصة، أصبح من اليسير على أجهزة المخابرات القيام بعمليات قذرة وجرائم خطرة في مجال الحرب الإلكترونية. وأصبح من الصعب تعقبها؛ من خلال التعاقد مع تلك الشركات أو مع مهندسين متخصصين في هذا المجال، عن طريق التجنيد أو التوريط أو الترهيب والترغيب.
يبقى التسابق الدولي محموماً في هذا المجال، وأجهزة الاستخبارات هي الأكثر اهتماماً على مستوى التجسس الصناعي أو على مستوى العمليات القذرة، في حالتي السلم والحرب، المباشرة وغير المباشرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الأستاذ عباس الزيدي – باحث سياسي وخبير استراتيجي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً