إعداد الأستاذ علي ابراهيم*
مهما كانت علاقة الدولة مع دول الجوار قوية ومتينة، فإنّ النزاعات الداخلية في الدولة نفسها قادرة على تفكيكها وجعلِها مَحَط أنظار الدول الاستعماريّة نظراً لِهشاشة النِّظام فيها، أو لِعدم وجود استراتيجيّة واضِحة.
في هذا التقرير سنتطرّق إلى دولة مالي، والنِزاعات والانقلابات العسكريّة المتكرِّرة فيها، حيث أعلنت مالي قطع علاقاتها الدبلوماسيَّة مع أوكرانيا. وقد أتى قرار مالي بقطع علاقاتها بعد اعتراف مسؤول أوكراني رفيع بـ «ضُلوع كييف» في الهجوم على الجيش المالي ومجموعة فاغنر الروسيَّة وتكبيدهما خسائر كبيرة في معارك مع انفصاليِّين وأزواديِّين متشدِّدين وقعت في يوليو الماضي. اتَّهمت الحكومة الماليَّة أوكرانيا بِانتهاك سيادة البلاد و (دعم الإرهاب الدولي) متجاوزةً بذلك إطار التدخُّل الخارجي.
أكد الإعلامي عمر سيدي محمد كاليكه، وهو صحفي وباحث متخصص في شؤون الساحل الإفريقي، في تصريح خاص لمركز JSM: “منذُ الثامن عشر من أغسطس عام 2020 البلاد تُحكم من قِبَل مجلس عسكري قام بتغييرات جيواستراتيجية كبيرة”. وأضافَ كاليكه: “سبب الانقلاب العسكري الحالة الأمنيَّة المتدهورة. فضلاً عن ذلك، تمرّ مالي بأزمة متعددة الأوجه منذ 2012؛ إذ سيطرتْ جماعات جهاديّة وحركات أُخرى انفصاليّة على ثلثي مساحة البلاد وخاصّةً في الشمال والوسط”.
بالمقابل، أوضح الباحث ابراهيم الأنصاري، وهو رئيس تحرير صحيفة الرؤى الإفريقية ورئيس مركز تمبكتو للدراسات، في تصريح لمركز JSM: “الانقلاب العسكري في مالي هو انقلاب مُركّب، حيث أنّه في عام 2020 أطاح الجيش بِإبراهيم بوبكر كيته، وكانَ السَّبب المباشر في ذلك هو الاضطرابات والمظاهرات الحاشدة التي استمرّت لفترة طويلة وكان لرجل الدين الشيخ (محمود دكون) دور بارز فيها، وكذلك حركة 5 جوان. أدى ذلك إلى تردِّي الأوضاع الاجتماعية، هذا إضافة إلى مزاعم بوقوع تزوير في الانتخابات. هذه الأمور مُجتمعة وغيرها أدت إلى قيام الجيش بالاستيلاء على السلطة في عام 2020، ووقوع انقلاب آخر في 2021”.
من ناحية أُخرى، وفي ظل تقارب مالي مع روسيا و بعد أسبوع على المعارك التي اندلعت بين الجيش المالي، مدعوماً من مجموعة فاغنر الروسيَّة، و بين المجموعات المسلَّحة الأزواديَّة في منطقة تينزواتين قُرب الحدود مع الجزائر، أعلنت مالي قطع العلاقات الدبلوماسية مع أوكرانيا.
حول هذه النقطة أشار الباحث كاليكه: “يعود ذلك إلى التصريحات التي أدلى بها الناطق الرسميّ باسم جهاز المخابرات العسكريَّة الأوكرانية، وقال خلالها إن بلاده ساعدت بالمعلومات، وبما هو أكثر مِن ذلك على حدِّ تعبيره. الأمر الذي ساعد قوّات الحركات المسلّحة الانفصالّية المُناوئة لِباماكو، خلال معركة ضارية دارت رحاها يوم 27 من الشهر الماضي، وذلك بمنطقة تينزواتين على خطّ الحدود بين مالي والجزائر، وتكبَّدتْ خلالها القوات المسلَّحة المالية وحُلفاؤها خسائر في الأرواح والمُعدات”.
وحول هذه المسألة يتفق الباحث الأنصاري مع السيد كاليكه، إذ أكد في تصريح خاص لنا: “السبب في ذلك هو ما يُنسَب إلى أحد المسؤولين الأوكرانيين أنّ لِلجيش الأوكراني، أو المخابرات الأوكرانية، تدخلاً مباشراً في الهزيمة التي أوقعها الجانب الأزواديّ في الجيش المالي وحليفته قوات فاغنر الروسيَّة”. ويضيف السيد الأنصاري: “عدد القتلى تجاوز الـ 80 من فاغنر ومن الجيش المالي الـ 34، وبالتالي هذا الزعم بأن هنالك تدخّلاً أوكرانياً في هذا الأمر هو المُبرر الذي ساق المجلس العسكري لقطع العلاقات الدبلوماسيّة مع الجانب الأوكراني”.
أما عن مفاعيل قطع العلاقات بين مالي و أوكرانيا، وعن موقف الدول الغربيّة و خاصّة المُستعمِرة السابقة فرنسا من هذا القرار، فيرى الباحث الأنصاري أن: “قطع العلاقات الذي أقدمت عليه مالي، ثمَّ لحقتها النيجر و من المُنتظر أن تلحق بهم حليفتهم الثالثة في الكونفدراليّة الجديدة بوركينافاسو، لم يعد من اهتمام الحكومات الغربيّة، خاصّة بعد شبه الانفصال التام بينها و بين مُستعمرتِهم السابقة فرنسا، خاصةً فيما يتعلّق بالجانب العسكري، الذي يعتبر الآن قد طوى الصفحة بشكل كامل. وهذا الأمر لا يعود لِرغبة الدول الإفريقية الثلاث وإنما أيضاً هو رغبة فرنسية، إذ يبدو الموضوع أنه عبْء لم تعد هي في استعداد لتحمُّله”.
وحول هذا النقطة، توقف السيد كاليكه مبيِّناً: “أعتقد أن الأمر سيزيد من امتعاض دول المنطقة والدول الإفريقية عموماً تجاه أوكرانيا، فالنيجر حذتْ حذو باماكو وأعلنتْ قطع علاقاتها بشكل كامل وفوري مع كييف، وستتبعها في تصوّري دول مثل بوركينا فاسو، التي سارعت هي الأُخرى إلى إصدار بيان شديد اللهجة أدانت فيه ما وصفته بالدعم الأوكراني للإرهابيِّين في مالي. و لا يجب أن ننسى السنغال التي استدعت السفير الأوكراني في داكار و أبلغته احتجاجاً شديد اللهجة. المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (الإيكواس) رغم خلافاتها الجوهرية مع باماكو إلا أنها سارعت هي الأُخرى إلى إصدار بيان إدانة للممارسات الأوكرانية في المنطقة”.
و عقَّب كاليكه قائلاً: “أعربت كييف أيضاً عن أسفها للقرار الذي وصفته بالمتسرِّع، ونفت بشكل كامل أي علاقة لها بالهجوم الذي تعرّضت لهُ القوّات المسلّحة الماليَّة و حلفاؤها الروس في 27 من الشهر الماضي في منطقة تينزواتين”.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الأستاذ علي ابراهيم – كاتب و مراسل صحفي