الدكتور محمدعياش*
كعادتها «إسرائيل» تعاند الرأي العام والمجتمع الدولي بـ «سيزيفية» تفوق حجمها بعشرات المرات بسبب حَنَق العالم من أفعالها وتصرفاتها خارج القانون الدولي. لأن هذا الحراك أو الانتظام بما يسمى الجمعية العامة للأمم المتحدة عبّر بوضوح عن الرفض المطلق لسياساتها الإجرامية بالتصويت الساحق. ماذا يريدون أكثر من ذلك؟
شخصية كبيرة مثل (أنطونيو غوتيرس)، الأمين العام للأمم المتحدة قال عن هجوم السابع من أكتوبر، بأنه لم يأت من فراغ، واضعاً اللوم كلّهُ وجلّهُ على الاحتلال؛ والحصار الذي يفرضه العدو الصهيوني على قطاع غزة لأكثر من خمسة عشر عاماً، وعن الممارسات التي ترتكب في الضفة الغربية من تضييق وتدنيس الأماكن المقدسة مع تمدد الاستيطان بشكل مكثّف، والقتل الغامض للشباب في فلسطين 48!
كل هذه العوامل تغافَل عنها الاحتلال الصهيوني، معتقداً بأن الاستراتيجية الصهيونية تتقدم بنجاح على قدم وساق، وما هي إلا عدة سنوات وتتم تصفية القضية الفلسطينية بحرمانها من العنصر المهم ألا وهو الأرض التي تم ابتلاعها بشكل تدريجي، وبدل أن ينادي الفلسطيني بأرضه يصبح ينادي بالمعاملة الجيدة والمساواة مع «المواطن الإسرائيلي»،مع إمكانية طرد السلطة الفلسطينية وقياداتها وتحويل ما تبقى إلى رؤساء بلديات ومخاتير.
الكيان الصهيوني يسابق الزمن لأن التاريخ الأسود في أوروبا وما جنوا على أنفسهم من تدخلات ورذيلة يطاردهم؛ وبالمناسبة اليهود هم من يعود إليهم مصطلح «السوق السوداء»، لأن الملوك والإمبراطوريات والزعماء كانوا يطاردونهم بالقوانين الصارمة بعد اكتشاف أمرهم وتلاعبهم بالنقد لكل دولة على حدة، وكانوا لا يسكنون إلا بمساكنَ مخصّصة لهم كـ «الغيتو» أو «الكاحال» بعيداً عن بقية الحوييم.
تاريخ فيه الإجلاء الأكبر وطرد الملك إدوارد جميع اليهود من بريطانية، المجمع المسكوني الرابع، انتقام الألمان منهم، والعشاء الكبير في فرنسا، والماسونية الزرقاء، مجموعة الثلاثة عشر (الأسباط)، النورانيون، البارونات (أسياد الأرض) سبب قيام الثورة البريطانية 1640–1660م والثورة الفرنسية 1781–1789 وأغلبية الدول الأوروبية قامت بطردهم لما عانوه من تدخلاتهم وتصرفاتهم الغربية والمريبة والتي تهدف إلى هدم النسيج الاجتماعي في كل بلد، ناهيك عن البرامج اللا أخلاقية التي مارسوها مثال، لغة القوادين بـ أمستردام فيها الكثير من المفردات العبرية، وبعض النقود المعدنية كانت لهم، وحديث أمشل باير ماور قناعته بالتحكم بعملات البلاد ولا يهم القوانين السائدة لأنهم بالنهاية سيعودون له للاقتراض والدين.
إن الحديث عن التاريخ الأسود لليهود وما فعلوه في أوروبا، وعن تسببهم بالحرب العالمية الأولى 1914-1918 والحرب العالمية الثانية 1939–1945 ومجموع القتلى في الحربين أكثر من مئة مليون، كان بمثابة القناعة الراسخة لإبعادهم عن أوروبا التي ساعدتهم بإنشاء كيان في أرض فلسطين بحجج واهية وأكاذيب ما أنزل الله بها من سلطان، ولن أتطرق للحديث عن تواجدهم الخبيث في أرض الهنود الحمر (الولايات المتحدة الأمريكية) وكيفية السيطرة والتحكم، لأن ما فعلوه في أوروبا طبقوه بالولايات المتحدة حرفياً لهذه اللحظة، لذلك تدافع واشنطن عن الكيان الصهيوني وترى ما يراه بالرغم من تواجد حزبين كبيرين يتنافسان على السلطة، الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي اللذين يختلفان في كل شيء إلا على إسرائيل!
يأتي تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة 12/12/2023 انعكاساً لا ريب فيه عن الآثار النفسية التي خلفتها المجازر والمذابح بحق أهل غزة، وعن الرفض الجمعي لهذه الممارسات وكشفاً وفضحاً للكيان الذي يصور نفسه بالكيان الديمقراطي الوحيد في منطقة الشرق الأوسط، وأنه ماض في سياساته الاقتصادية لازدهار المنطقة، وأجزم بأن العالم في قادم الأيام سيصوّت لمحاسبة مجرمي الحرب كما تمّت محاسبة النازيين في محكمة نورمبرغ.
العدو الصهيوني وباعتراف الرئيس الأمريكي (جو بايدن) بدأ يفقد الكثير من داعميه، مما يشكل خطراً كبيراً واستراتيجياً على الولايات المتحدة، وبالتالي فإن حجم الضغط الذي يشكله الرفض العالمي للممارسات الصهيونية سيقلب الطاولة على الشراكة العضوية بين الولايات المتحدة وإسرائيل. ذلك التاريخ الذي تكتبه المذابح والمجازر والأرقام القياسية سيأخذ الكيان إلى مزبلته كأكبر مجرم وقاتل للنفس البشرية، وأخطر من السلاح الذري والنووي على الكرة الأرضية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الدكتور محمد عياش – كاتب وباحث سياسي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً