بقلم الدكتور محمدعياش*
إصرار الشباب الفلسطيني على توجيه ضربات تلو الأخرى للكيان الصهيوني ومستوطنيه، دفع قادة الاحتلال للعودة إلى بدايات الصراع، وذلك بالتنكر لحقوق للشعب العربي الفلسطيني، والعمل بأقصى سرعة لإنجاز ما يمكن إنجازه من مشاريع استيطانية للحؤول دون حصول الفلسطينيين على حقوقهم المشروعة.
مع تحرّك رمال الحرب والتهديدات اليومية وكثرة المناورات المشتركة مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتصريحات النارية بإعادة لبنان إلى العصر الحجري، يتضح بأن الكيان الغاصب بدأ يستشعر الخطر الدّاهم، وأن مشروعه الاستعماري في خطر أكثر من ذي قبل، لذلك يريدونها حربا ً مدمرة وعلى أوسع نطاق، ولابد من الإشارة في هذا السياق إلى تركيز الصهاينة في الفترة الأخيرة على الاقتحامات على بعض المدن الفلسطينية ومخيماتها وتنفيذ مهام الاعتقال وهدم المنازل وملاحقة المقاومين.. كل هذا دلّ على أن المحتل لديه أجندة عسكرية مختلفة وهو في عجلة من أمره.
الفشل الأمني الكبير-داخل الكيان- الذي كشفته سواعد الشباب، والتمكّن من الوصول إلى أهدافهم أحدث شرخا ً كبيرا ً في أروقة القيادة الصهيونية، إذ بات معظم القادة الصهاينة يعتمدون على تصريحات فردية غير منسجمة مع توجهات الحكومة ورئيسها الذي يعيش أزمة داخلية (استقلالية القضاء) وما يحاك له من تقييد ومحددات تنسجم مع بقاء هذه الفئة التي تحاول الهروب من المساءلة القانونية وبالتالي فإن الاحتجاجاتِ مستمرةٌ في هذا الصدد.
بالعودة إلى العمليات الفدائية البطولية سواءٌ في الضفة الغربية أم في المدن الفلسطينية داخل الخط الأخضر؛ كلها تثبت أن العصابة الغاصبة لم يعد لديها أي خطة محكمة للقضاء على هذه الظاهرة الشبابية المقاومة، وحالها يشبه حال بريطانيا عام 1920 عندما كانت تحتل الهند، وتذمّر الجنود البريطانيين وخوفهم من أفعى الكوبرا، الأمر الذي أجبر البريطانيين على إصدار تعليمات للذين يصطادون أفعى الكوبرا لينالوا مبلغا ً من المال. وفعلا ً تجاوب الهنود مع هذه التعليمات؛ لكن الهنود طمعوا بمبالغ أكثر حيث بدأوا بتربية الأفعى ليحصلوا على المزيد. هذا الحال لم يرق للجنرال البريطاني الحاكم في الهند ما أدى إلى إلغاء القرار.. وعلى الجانب الهندي سرّحوا آلاف الأفاعي من المزارع لتصبح حرة طليقة وبكثرة ما أرعب الجنود البريطانيين؛ فطالبوا
بشكل جماعي مغادرة الهند والعمل في أماكن أخرى.
هذا الحال ينطبق على العصابة المجرمة في فلسطين، ومحاولاتهم قمع المقاومة الفلسطينية بشتى السبل، رابين من قبل جرّب تكسير عظام رماة الحجارة على جنوده، ولم يفلح، وشارون أمر طائرات إف 16 بقصف المناطق الآهلة بالسكان في غزة لإدخال الرعب في نفوس المقاومين أيضا ً لم ينجح، نفق شارون والمقاومة مستمرة، واليوم مع قدوم صبية الكيان الصهيوني وغلاة الإجرام والحقد كأمثال بن غفير وسموتريتش إلى الصف الأول، لا أعتقد أنهم سيحققون ما عجز عنه مجرموهم من قبل.
وزير الحرب يوآف غالانت عندما يهدد لبنان بأي خطأ سيعيده إلى العصر الحجري، هذا يدل على حالة الإفلاس، ونفاد الخطط وتقهقر الاستراتيجية الصهيونية، ومن الأجدى والأولى أن تنتهي من التهديدات اليومية ضد المقاومة الفلسطينية الباسلة التي تسطر أروع البطولات، حيث الأزمات تلاحقهم من كل جانب، تصريحات خرقاء تعكس الحالة النفسية لدى الأوساط الصهيونية برمتها حيث الأرقام والإحصاءات تشير إلى النتائج الإيجابية جراء العمليات البطولية.
نالت الهند استقلالها 1947 وبقيت أفعى الكوبرا في شوارعها ترمز لعظمة الشعب الهندي، وكذلك الكيان الصهيوني سيرحل عن هذه الأرض التي ترفضه من أعماقها، فالشباب الفلسطيني المقاوم يملك قلب أفعى الكوبرا، وسيذكر التاريخ أن آخر احتلال انهزم على أيدي الشباب ومهما جربوا من أسلحة وأفكار انتقامية سيكون الرد أقوى وأشد.
= = = = =
*الدكتور محمد عياش– كاتب وباحث سياسي فلسطيني
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً