بقلم الدكتور عبدالله العبادي*
عرفت معظم دول العالم حراكاً مجتمعياً نصرةً لقضايا الإنسانية العادلة، ومنها الحرب في غزة، يعتبره البعض تأسيساً جديداً للعلاقات بين شباب اليوم والقضايا العادلة في العالم، في حين يراه البعض سحابة صيف عابرة، وموجة غضب حدثت مراراً عبر التاريخ، دون أن يكون لها تأثير مباشر على نتائج الصراعات الدولية.
قد يكون الحدث الأبرز هو حراك الجامعات الأمريكية المعروفة بنسقها النخبوي الرأسمالي، نفس الحراك تمّت مشاهدته إبان الحرب الفيتنامية. فهل شكّل اليوم استثناء؟ أم ستكون أحداث عابرة يتم نسيانها بسرعة، نفس الحراك عرفته جامعات المملكة المغربية وتونس وموريتانيا ومصر، محاولين الضغط على القوى العظمى لوقف العدوان المستمر على المدنيين في غزة.
الفرق بين ما حصل سنة 1968 و2024 هو سرعة انتشار المعلومة والخبر في زمن الرقمنة، وامتدادها بشكل سريع عبر العالم، أوحت في البداية أنها احتجاجات ستنتشر بشكل سريع لتترك صورة قوية حول كيفية تطور احتجاجات الشباب إلى ظاهرة جماعية عالمية، والتي غالباً ما تنحاز إلى قناعات إنسانية وحقوقية.
الغريب فيما حصل في الجامعات الأمريكية أنه حدث في مجتمع مرتبط بشكل كبير بإسرائيل سياسياً واجتماعياً، ومن أكثر الشعوب مساندة لإسرائيل. وأيضا بحكم الوجود الإسرائيلي في الداخل الأمريكي، على المستويين الرسمي والشعبي، والنفوذ الإسرائيلي في مراكز صنع القرار الأمريكي، والعلاقات ما بين الجامعات الأمريكية والشركات الراعية المرتبطة بإسرائيل.
الجديد اليوم في الأوساط الأمريكية وخصوصا لدى الشباب نعزوه للأسباب التالية، نظرة الأجيال الأمريكية فيما يتعلق بالمشاعر تجاه إسرائيل والفلسطينيين، وقد بينت نتائج استطلاع رأي لمركز بيو للأبحاث خلال عام 2023، قبل الحرب، تباين تلك المشاعر بين الشباب وكبار السن، حيث يُفضل الأمريكيون تحت سن 30 الفلسطينيين بنسبة 61%، مُقابل 78% ممن تبلغ أعمارهم 65 فما فوق، يتعاطفون مع الإسرائيليين.
إضافة إلى ذلك، كشفت نتائج استطلاع أجراه معهد هاريس ومركز الدراسات السياسية الأمريكية في جامعة هارفارد يومي 13 و 14 ديسمبر 2023، أن 51% من الأمريكيين من الشباب 18- 24، مناهضين لإسرائيل، بينما 67% يؤيدون بقاء حماس في السلطة.
هناك أيضا تغير في مواقف الحزب الديمقراطي، والذي يقودها التيار اليساري في الحزب رفضاً لسياسات الإدارة الأمريكية الداعمة لإسرائيل، وهو ما عبّر عنه السيناتور الديمقراطي بيرني ساندرز في تصريحه لشبكة CNN الأمريكية في 18 أبريل 2024 بقوله:” إنه من المهم محاسبة الحكومة الإسرائيلية على أفعالها في غزة، وأنّ الغالبية العظمى لا تريد إرسال المزيد من المساعدات إلى إسرائيل”، كما وصف الحرب بأنها “غير مسبوقة في تاريخ الحروب الحديثة”.
كان لأدوات الإعلام الجديد ووسائل التواصل الاجتماعي، سواءً من ناحية نقل مشاهد الحرب في قطاع غزة يوميا أو الوصول إلى الحقيقة التي طالما بلورتها وسائل الاتصال الغربية بطريقتها وأوصلتها بعيدة عن شكلها الحقيقي.
مواصلة الاحتجاجات وتطورها، قد تصبح واحدة من أهم الأدوات المؤثرة والفاعلة في وقف الحرب، وتغيير مجريات القضية، كما تُشير أيضاً إلى تحولات أوسع نطاقاً في مواقف المجتمعات الغربية من القضايا الإنسانية في العالم والتي غالباً ما كانت غائبة عن دائرة اهتماماتهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الدكتور عبد الله العبادي – كاتب صحفي، محرر الشؤون العربية و الإفريقية في صحيفة الحدث الإفريقي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً