بقلم الأستاذ سفيان حشيفة*
مع كلّ حادث إطلاق نار إرهابي في الاتحاد الروسي، تتجدّد التكهُّنات حول هويّة الفاعل الرئيسي، والآمِر بالفعل الإجرامي المشين، وتتعالى الدعوات لمحاسبة ومعاقبة القتلة، وتبنّي سياسات أمنية أقوى لمنع وقوع مثل هكذا حوادث إرهابية.
من موسكو إلى روستوف وداغستان، لم يختلف نسق الجرم بالغ الخطورة الذي وقع في الأقاليم الثلاثة في النصف الأول من سنة 2024م، وأدّى إلى مقتل العشرات من المدنيين والأمنيين، لكن نمطيّة المأثم الإرهابي الحاصل المتشابهة مثيرة للانتباه والاشمئزاز في نفس الوقت؛ لأن الرائحة المنبعثة منه بنكهة الفتنة والتفرقة، ومحاولة إضعاف اللحمة الشعبية والقومية متعددة الأعراق والأديان في روسيا.
وبالرغم من وضوح هوية المُدبِّر والفاعل الحقيقي ظاهراً ومستتراً بفعلته الوضيعة في مسارح الجريمة، ألا وهو الاستخبارات الأمريكية بكل وكالاتها ووكلائها وعملائها في العالم، إلا أن توجيه الاتّهام المباشر للإدارة التي تتبع لها ظلّ متلكئاً وفي حالة تردد من الجانب الروسي، مع عدم التّحسّب لأي سلوكيات مشابهة أخطر قد تصدر عنها في الداخل والخارج لاحقاً.
ولا يختلف اثنان على أن مجتمع الاستخبارات الأمريكية الذي يضمّ اتحاد وكالات حكومية فدرالية منفصلة وأخرى مستقلة، هو سبب كل الأزمات والصراعات والنزاعات الدولية، بل والتدخلات في الشؤون الداخلية للدول، وحتى إثارة النعرات الطائفية والدينية والعرقية في العديد من البلدان، وبصماته مكشوفة لا تحتاج إلى تفتيش وتدقيق لإبدائها للعيان، فتلك الطُّغمة السِّرية القاتلة متغلغلة فعلا داخل المجتمعات والكيانات والمنظمات العالمية، وتسعى لتحقيق مآرب سيدها بكل الوسائل بما فيه تمويل وتجنيد الأفراد للقيام بعمليات إرهابية تحت مسميات وممارسات لاهوتية.
تُظهر مجريات الأحداث في العالم لاسيما في الشرق الأوسط، أن أجهزة الاستخبارات التابعة للولايات المتحدة الأمريكية، متورطة بشكل أو بآخر في وقائع الحرب الأهلية السورية والعراقية من خلال دعمها للجماعات الإرهابية وعلى رأسها “داعش”، وضلوعها في مخطط مفضوح للعبث باستقرار ووحدة الدول وشعوب المنطقة العربية والإسلامية، بتواطؤ ودعم غربي جماعي في خرق سافر للقيم الإنسانية والمواثيق الأممية.
وأكثر من هذا عملت واشنطن وما زالت، بحسب مراقبين، على زعزعة الأمن والسلم في إيران وباكستان وأفغانسان، وسعت إلى تجنيد عناصر من “داعش” المحبوسين في معسكرات وسجون “قسد” شمال سوريا، من أجل إرسالهم إلى أوكرانيا بداية العملية العسكرية الروسية الخاصة في منطقة الدونباس.
نحن لسنا في معرض سرد دلائلَ على التّورّط الأمريكي في الجرائم ضد الدول المناوئة لسياسات البيت الأبيض، فهو بائن وجليّ وبادٍ للعيان، وليس أدلّ على ذلك من سقطة تحذير الولايات المتحدة لروسيا من مغبة وقوع عمل إرهابي قبل أسابيع من وقوع جريمة مجمع كروكوس في 22 مارس 2024م في موسكو، التي أسفرت عن عشرات القتلى والجرحى وسط المدنيين الأبرياء، فواشنطن هنا أدانت نفسها قبل حصول الحادثة لارتباطها بالفاعلين الإرهابيين بشكل مباشر أو غير مباشر.
وعلى هذا الأساس، يُلاحظ أن الإدارة الأمريكية ولعة بمواصلة إيذاء الاتحاد الروسي، وتتعمّد زعزعة استقراره ووحدته وانسجامه، من خلال القيام بأعمال إرهابية في داخله وعمقه، ومحاولة إطلاق شرارة الفتنة وسط المُكوِّن الشعبي المحلي متعدد الأديان والأعراق، وعلى الحكومة الروسية التّفطّن لهذا الأمر بتعزيز اللحمة الإجتماعية الوطنية وحماية النسيج القومي بكل أطيافه، والعمل على احتواء وإفشال كل مغامرات واشنطن وتصعيد اللّهجة ضدها للتوقف عن ممارساتها الدنيئة معية حلفائها من الغرب الجماعي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الأستاذ سفيان حشيفة – صحفي وكاتب سياسي جزائري
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً