بقلم الدكتور نجم الدليمي*
حمل العداء للشعب الروسي _ قبل ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى_ طابعاً تنافسياً في إطار النظام الرأسمالي العالمي. أما بعدها، فأصبح يحمل الصراع طابعاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وإيديولوجياً وعسكرياً في آن واحد. أما بعد عام 2007 فأصبح يحمل طابعاً سياسياً واقتصادياً تنافسياً ضمن المنظومة الرأسمالية العالمية بالدرجة الأولى. هذه هي الحقيقة الأولى، التي لا يمكن لأحد انكارها من حيث المبدأ.
تعتبر البيريسترويكا الغورباتشوفية الفترة الذهبية للغرب الإمبريالي بزعامة الإمبريالية الأميركية وحلفائها المتوحشين، تمتد هذه الفترة بين عامي 1985-1991 وتم فيها تنفيذ مشروع الحكومة العالمية لتفكيك الاتحاد السوفيتي بالاعتماد على الطابور الخامس والليبراليين المتطرفين والإصلاحيين المتوحشين، وكذلك فترة حكم الرئيس الروسي بوريس يلتسن بين عامي 1992-1999. تعتبر فترة حكم الرئيس يلتسين أسوأ فترة في تاريخ روسيا الاتحادية وروسيا السوفيتية؛ إذ تمّ هدم وتخريب الاقتصاد والمجتمع الروسي، وتمّ بيع ثروة الشعب الروسي للأوليغارشيات الروسية وبثمن بخس، لأنهم في غالبيتهم كانوا حلفاء – أصدقاء إمبراطورية الشر والكذب والإجرام، أي الولايات المتحدة الأميركية. والآن يدفع الشعب السوفيتي – الروسي ثمن هذا النهج الليبرالي المتوحش. وهذه هي الحقيقة الثانية.
استمر المخطط العدواني، الغربي الإمبريالي بزعامة الإمبريالية الاميركية وحلفائها المتوحشين، في هذا النهج ضد الشعب السوفيتي والروسي حتى يومنا هذا، والغاية هي الاستحواذ على ثروات الشعب الروسي، المادية والبشرية، بالدرجة الأولى. لأن النظام الإمبريالي العالمي عاش ويعيش الآن أزمة عامة شملت جميع المجالات؛ فهو نظام مأزوم بنيوياً، فشل في إيجاد حلول جذرية لأزماته المختلفة. وهذه هي الحقيقة الثالثة.
وفق المخطط الهدّام والتخريبي والإجرامي للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها ضد روسيا الاتحادية وجمهورية بيلاروسيا، يتم التركيز الآن على روسيا الاتحادية بهدف إضعاف وتخريب الاقتصاد والمجتمع الروسي، وبالتالي تفكيك روسيا الاتحادية، على غرار سيناريو تفكيك الاتحاد السوفيتي في الفترة 1985-1991؛ من أجل تحقيق هدفهم اللامشروع واللاقانوني ضد الشعب الروسي. تم التركيز أولاً على أوكرانيا بعد فشلهم في محاولة الانقلاب الفاشي في بيلاروسيا عام 2020، وبنفس الوقت عملوا بشكل موازٍ في دول رابطة الدول المستقلة (جمهوريات الاتحاد السوفيتي)، ولكنهم فشلوا هناك في حين أنهم نجحوا في أوكرانيا؛ إذ تم وضع خطة للانقلاب الفاشي الأسود في أوكرانيا عام 2014، وتم تسليم مقاليد السلطة للبنديرين والقوى النازية والنيونازية والقوى القومية الأوكرانية المتطرفة والقطاع الأيمن. تشكل هذه القوى جميعها قوىً نيونازية / نيوفاشية، أصبحت أداةً طيّعة في يد القوى الإقليمية والدولية بزعامة الولايات المتحدة الأميركية. وهذه هي الحقيقة الرابعة.
لقد نفّذ الرئيسان الأوكرانيان، السابق والحالي، بوروشينكو و زيلنسكي، مخططاً هدّاماً و تخريبياً ضد الشعب الروسي و الدونباسي و الزاباروجي و الخيرسوني، وحتى ضد الشعب الأوكراني. ومن الأدلة على ذلك، تنفيذ الانقلاب الفاشي الأسود في أوكرانيا في شباط من العام 2014، وتم التخطيط لهذا الانقلاب بمساعدة وكالات الاستخبارات الأمريكية والبريطانية والبولونية. لقد تم استخدام سياسة الأرض المحروقة ضد شعبي لوغانسك ودوينتسك، وتم تقديم الدعم المالي والعسكري، وبمساعدة الخبراء العسكريين تم الزج بالإرهابيين والمرتزقة الأجانب في ميادين القتال؛ فلقد وصل عددهم إلى حوالي 60 ألف ارهابي ومرتزق. لقد قدمت أمريكا وحلفائها أكثر من 100 مليار دولار في عام 2022، وتكبّد الجيش الأوكراني خسائر بشرية كبيرة، تقدر بحوالي 350-400 ألفاً، بين قتيل وجريح ومفقود وأسير، كما أنه فقد أكثر من 80% من آلياته ومعداته العسكرية؛ فهو يعتمد الآن على السلاح الغربي / الأميركي بالدرجة الاولى. وهذه هي الحقيقة الموضوعية الخامسة.
يهدف المخطط الأمريكي، الذي يشترك في بلورته حلف الناتو والاتحاد الأوروبي أيضاً، إلى محاربة الشعب الروسي والدونباسي والزاباروجي والخيرسوني عبر النظام البنديري / الإرهابي الحاكم في أوكرانيا؛ إذ تستخدم الولايات المتحدة شعاراً مريباً وهو ضرورة القتال حتى آخر جندي أوكراني، وهذا يعني إبادة منظمة للشعب الأوكراني؛ إذ يتم استخدام أوكرانيا من قبل أمريكا وحلفائها لتصفية الحسابات مع الشعب الروسي والنظام الحاكم في موسكو. بالطبع، الغاية من كل ذلك هي إضعاف وتخريب الاقتصاد والمجتمع الروسيين عبر إطالة أمد الحرب، ولكن يبدو أن هذا حلم من أحلام اليقظة؛ فالشعب الروسي وقواه السياسية الوطنية والتقدمية واليسارية والشيوعية تساند العملية العسكرية الروسية الخاصة. وهذه هي الحقيقة السادسة.
نعتقد أنه لو لم تمتلك روسيا الاتحادية اليوم السلاح النووي والأسلحة الحديثة الأخرى، كصواريخ كينجال و سارمات و كليبر، لهجمت الولايات المتحدة وبريطانيا والناتو على روسيا الاتحادية وقوضت النظام الحاكم في موسكو. ولكن هذا غير ممكن، فروسيا دولة قوية وتمتلك العديد من الأسلحة الحديثة، كما أن الشعب الروسي ملتف حول قيادته؛ فروسيا تواجه خطراً جدياً على مستقبلها، وينبع جهل القادة الغربيين من عدم معرفتهم بطبيعة الشعب الروسي في وقت الشدائد والمحن؛ ففي مثل هذه الأوقات يتحد الشعب الروسي ويلتف حول قيادته السياسية، بغض النظر عن طبيعة النظام السياسي الحاكم؛ والحرب الوطنية العظمى خير دليل على ذلك. وهذه هي الحقيقة السابعة.
= = = = =
*الدكتور نجم الدليمي – باحث وأستاذ جامعي متقاعد.
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً