بقلم الأستاذ محمد عبد السلام غالب العامري*
تمثّل إسرائيل البعد الأهم في السياسة الخارجية الأمريكية، فقد سعت إدارة بايدن لتقديم الدعم غير المحدود وغير المشروط لابنتها غير الشرعية إسرائيل منذ بداية عملية طوفان الأقصى، وتأييدها في حقها في اتباع سياسة الأرض المحروقة على قطاع غزة، كما أقدمت الولايات المتحدة الأمريكية على توظيف قوتها الصلبة والناعمة أو ما نسميها بـ “القوة الذكية” لخلط أوراق السياسات العالمية في الساحة الدولية من أجل تخفيف الضغوط الداخلية والخارجية على الكيان الإسرائيلي، لتظهر عمليات إرهابية في موسكو وكابول بعلم أمريكي مسبق، وتفجير اضطرابات ومناوشات في ليبيا والصومال، والتلاعب بشبكات التواصل العالمية بجميع أنواعها و أشكالها، كما استغلّت الصراع السوداني بتضخيم صوته لإشغال وتوجيه جزء من الإعلام الدولي و تخفيف الضغط الإعلامي العالمي على الكيان الإسرائيلي. كما تستمر في عسكرة البحر الأحمر والمحيط الهندي، وشنِّ الغارات العدوانية على اليمن، بالإضافة الى توظيف القوانين الدولية، وتهميش المحاكم الدولية، وتعجيز مجلس الأمن الدولي قبل أوانه عن التدخل للحفاظ على السلم والأمن الدوليين، أو منع الإبادة الجماعية، وهو الذي كان بالأمس يمثل العمود الفقري للعالم، ثم تظهر أمام العالم بعجزها عن إيقاف الحرب على غزة، ولا تستطيع إدخال الطعام والدواء، بسبب رفض نتنياهو.
لم يسبق في تاريخ القيادة الأمريكية الإقدام على تصرفات بشكل انفرادي وبدون غطاء دولي، من أجل تحقيق مصالح فئة لا تتجاوز 1% من سكان الولايات المتحدة الأمريكية على حساب 99% من سكانها؛ فقد ضحّت الولايات المتحدة الأمريكية باستخدام أهم أوراقها السياسية من أجل إسرائيل، والتي كان من المفترض استخدامها تجاه روسيا والصين؛ وكأن الإدارة الأمريكية لا تعلم أنها تقوم بكشف و استخدام آخر أوراقها في الساحة الدولية، وأنها تسارع في الهرولة نحو السقوط من قمة النظام الدولي، فلم تعد الكثير من الدول مستعدة لاتباع السياسة الأمريكية، لأن العلاقات الأمريكية اليوم أصبحت متوترة مع معظم دول العالم وبالخصوص مع معظم حلفائها الأوروبيين، بل وصلت إلى عقر دارها في القارة الأمريكية التي كانت تعتبرها حديقة خلفية لها. ومع اشتداد الاستهجان والغضب العالمي لما تقوم به إسرائيل في غزة بدعم أمريكي، حاولت الولايات المتحدة الأمريكية التهرب من مسؤوليتها، لتجعل العالم أمام حالة مستعصية على فهم سلوك الإدارة الأمريكية فهي تسير في سياستين متعارضتين ومتناقضتين، فهي تتباكى على ضحايا غزة، وتزوّد إسرائيل بالسلاح لقتلهم، لتمثل أعلى نقطة في ازدواجية المعايير، لتكشف للعالم أن حقوق الإنسان بالنسبة لها ملف سياسي يستخدم للتدخل في شؤون الدول الضعيفة، المعارضة للسياسة الأمريكية، والدول التي تحاول الخروج من عباءتها الدولية. أيضاً اتضح أن الجهود الأمريكية التوسطية المبذولة إنما هي ديكور عالمي، ووسيلة من وسائل التخفيف عن إسرائيل عبر التاريخ، لتحقيق أكبر قدر من المكاسب كاستعادة الأسرى، التي تمثل قضية بارزه للضغط الداخلي على حكومة نتنياهو، أو لخلق هدنة لإعادة ترتيب قواتها، أو للتوصل إلى اتفاق يرضيها عند انهاكها.
فضلاً عن ذلك هناك غياب للحسم الأمريكي تجاه معارضي سياستها. فاستخدام صنعاء أوراق إقليمية وعالمية تستهدف المصالح الأمريكية، تصل إلى المحيط الهندي ورأس الرجاء الصالح، تمثّل بردٍّ أمريكي محدود فقط. كما أنها اكتفت بالتعبير عن استنكارها من الرد الإيراني على إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك فشلت الولايات المتحدة على المستوى الدبلوماسي، فهي لم تتمكن من إقناع بعض الدول الأوروبية بعدم حظر بيع الأسلحة لإسرائيل، كما أن هناك دول أوروبية أخرى تعهّدت بالاعتراف بدولة فلسطين.
كل ذلك، وغيره من الأدوات والأساليب الأمريكية، أدى إلى انكشاف الولايات المتحدة أمام العالم، الأمر الذي ساهم في تراجع مكانتها. لذلك فإننا نميل للاعتقاد بأن مخزون الولايات المتحدة من الأوراق القوية سينضب قريباً؛ لأن الصراعات الدائرة استنزفتها جميعها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الأستاذ محمد عبدالسلام غالب العامري – باحث سياسي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً