بقلم الدكتور محمد عياش*
ما عُرف عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من انضباط و رزانة وقلة كلام و إجادته قراءة العيون وعدم التركيز على الكلام، بأنه يسامح في كل شيء إلا الخيانة. بوتين معجون و مجبول بالحياة الاستخبارتية لذلك هو أكثر حساسية من موضوع الخيانة.
واقعة الخيانة تمت في 24 / يونيو ( حزيران )، حيث أمر يفغيني فيكتوروفيتش بريغوجين قائد ما يسمى مجموعة فاغنر قواته بالتوجه إلى موسكو، وذلك بعد تراكم الاحتجاجات عن أداء الجيش الروسي وتقاعسه بالإمدادات المطلوبة ناهيك عن العلاقة السيئة مع وزير الدفاع الروسي سيرغي كوجوغيتوفيتش شويغو و رئيس الأركان فاليري غيراسيموف. إلا أنه أمر قواته بالتوقف بعد وساطة الرئيس البيلاورسي ألكسندر لوكاشينكو.
في الثالث والعشرين من أغسطس/آب سقطت طائرة في منطقة تفير شمال موسكو وأُعلِن لاحقا ً بأن بريغوجين ومساعده أوتكين على متنها، مع العلم بأن المعلومات جاءت من خارج روسيا!
ما يهمنا في هذا المقام و المقال هو إزاحة بريغوجين عن المشهد السياسي ولكن مع بعض الشكوك و التكهنات!
إن العلاقة المميزة والتي تكاد تكون فريدة من نوعها بين بوتين وبريغوجين تعطي الانطباع بأن الرجلين يفهمان بعضهما البعض، و سياستهما تنطوي على محاذير وعدم الثقة لآخر لحظة. عذراً من القارئ! هذه السياسة والتي لخصها نابليون بونابرت بأنها لعبة قذرة، وبالتالي فليس من السذاجة عند بريغوجين أن يحلق بطائرته فوق الأراضي الروسية، إلا إذا كان مقتولاً من قبل و وجدوا في إسقاطها من السماء سيناريو نهائي لهكذا شخصية جدلية في الأوساط السياسية الروسية والتي أحدثت شرخاً كبيراً من إهانة للرئيس بوتين واتهامات بالتقاعس لبعض المسؤولين الروس.
الاحتمال الثاني وهو الأكثر منطقية، هو إيجاد منطقة زراعية كبيرة له ولعائلته فيها كل ما تطلبه نفسه، ليكمل بقية حياته فيها، حيث يمنع عنه الاتصال بأحد يعني (إقامة جبرية) إلى أن يأخذ الرفيق الأعلى روحه.
إن قادم الأيام هي التي ستثبت مصداقية الحالتين أو الاحتمالين، لأن بريغوجين استطاع أن يمؤسس شركته، وبالتالي ننتظر ردة فعل أتباعه وعلى ضوئها نثبت الاحتمالات أو ننسفها. و في حال لم تصدر أي ردة فعل، وبالتالي إيجاد البديل المطيع للرئيس بوتين، بحيث تسير الأمور وفق رؤيته، فإن ذلك يزيد من الاحتمال الثاني، والله أعلم.
= = = = =
*الدكتور محمد عياش – كاتب وباحث سياسي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً