بقلم الدكتور آصف ملحم*
أعلن الرئيس بوتين في كلمته في المنتدى الاقتصادي الشرقي أنه يتم الآن في روسيا تطوير (أسلحة على مبادئ فيزيائية جديدة).
في الحقيقة عبارة بوتين هذه وردت قبل ذلك في الأدبيات العسكرية المتخصصة، ويقصد بها أن الأسلحة لا تشبه الأسلحة التقليدية، التي تعتمد على مبدأ الإنفجار، وبالتالي فالمبادئ والنظريات التي تقوم عليها هذه الأسلحة ليست جديدة في علم الفيزياء، بل إن استخدام هذه النظريات لتطوير الأسلحة هو الجديد في الموضوع.
لذلك، لهذا النوع الجديد من الأسلحة عدة فروع:
1-الأسلحة الليزرية
2-الأسلحة الكهرطيسية
3-الأسلحة الصوتية
4-الأسلحة البلازمية
5-الأسلحة الراديوية
في هذا الجزء سنتناول الأسلحة الليزرية.
تتمتع الحزمة الليزرية بخصائص فريدة تميزها عن الحزمة الضوئية العادية، وهي ما نسميه في الفيزياء التماسك المكاني و الزماني spatial and temporal coherence.
لن نخوض طويلاً في المبادئ الفيزيائية لليزر أو في معنى التماسك المكاني و الزماني، بل سنكتفي بالقول: إن التماسك الزماني و المكاني يعني أنّ فرقَ الطور بين أي موجتين في الحزمة الليزرية في نقطتين أو لحظتين زمنيّتين مختلفتين معدومٌ. هذه الخاصية تجعل الحزمة الليزرية ضيّقة للغاية ويمكنها الانتشار إلى مسافات بعيدة دون أن تتشتت، لذلك تبقى طاقة الحزمة مركّزةً في بقعة صغيرة، الأمر الذي يزيد قدرتها على اختراق الأهداف.
لليزر تطبيقات عديدة، مدنيّة وعسكريّة، نذكر بعضها:
-التطبيقات الطبية: العملية الجراحية والتجميلية وتصحيح البصر.
-الأقراص المدمجة و الطابعات و المؤشرات وقارئات الباركود.
-الاتصالات عن طريق استخدامه في الألياف البصرية.
-اللحام و القطع و الحفر على المعادن و المعالجة السطحية للمواد.
-الميكرو إلكترونيات و الدارات المطبوعة و الحفر على أنصاف النواقل.
-الميترولوجيا و أجهزة القياس، كقياس الزمن والضغط و الطول و درجة الحرارة و التدفّق و السرعة و الكثافة و تركيز المواد و الاهتزاز … الخ.
-تحليل التفاعلات الكيميائية و تحفيز التفاعلات الكيميائية.
-الملاحة الفضائية و دراسة سطوح الكواكب الأخرى.
-التطبيقات العسكرية كالتوجيه و المتابعة.
عندما يتم استخدام الليزر كسلاح، فإن الحديث هنا يدور عن الليزرات عالية الاستطاعة التي تقوم بتدمير الهدف اعتماداً على تحويل طاقة الحزمة الليزرية إلى طاقة حرارية وبالتالي حرق الهدف أو صهره.
يتحرك الليزر بسرعة الضوء، أي 300 ألف كيلومتر في الثانية، أي أن الشعاع الليزري يستطيع أن يدور حول الأرض 8 مرات في ثانية واحدة. هذا يعني أن السلاح الليزري قادر على تدمير الهدف لحظياً، ولن تتمكن أي وسائط دفاع جوي من صد الهجوم الليزري، وهنا تكمن أهميته الكبيرة كسلاح فعال.
بالرغم من الخصائص الرائعة للحزمة الليزرية، فإن أهم عيوبها هو عدم القدرة على توجيه الحزمة الليزرية في الاتجاه الذي نرغب. ولا يتم ذلك إلا باستخدام مجموعة من المرايا العاكسة، التي تكون مزوّدة بمحركات قادرة على تدوير المرآة وتوجيه الحزمة الليزرية بالاتجاه الذي نريده. وبما أن السرعة الميكانيكية لدوران المحرك صغيرة جداً مقارنة مع سرعة الليزر فإن الفائدة من استخدامه كسلاح تصبح ضعيفة جداً.
لحلّ هذه الإشكالية يتم استخدام ما نسميه المفعول الصوتي البصري acousto-optical effect، حيث يتم تمرير الحزمة الليزرية ضمن خلية نسميها الخلية الصوتية البصرية، وفي نفس الوقت يتم تمرير أمواج فوق صوتية، وعن طريق معاير تواتر الموجة فوق الصوتية يتم التحكم باتجاه الحزمة الليزرية، وهذا ما نسميه الحارف الصوتي البصري Acousto-optical deflector. زاوية انحراف الحزمة الليزرية تتناسب مع تواتر الموجة فوق الصوتية (انظر الشكل).
الخلية الصوتية البصرية تكون مصنوعة من مادة ما تتمتع بخصائص صوتية بصرية. الحقيقة أنه يوجد مجموعة من الخصائص التي يجب أن تتوفر في المادة حتى نستطيعَ استخدامها في هذه التطبيقات.
فيما يلي بعض أهم المواد التي نستخدمها كخلايا صوتية بصرية:
أكسيد التيلورايد أو الباراتيلوريت TeO2
موليبدات الرصاص PbMoO4
أوكسيد الألمنيوم Al2O3
نيوبات الليتيوم LiNbO3
الكالوميل أو كلوريد الزئبق Hg2Cl2
فوسفات أحادي البوتاسيوم KH2PO4
فوسفيد الغاليوم GaP
زرنيخيد الغاليوم GaAs
الجرمانيوم Ge
السيليكون Si
التيليريوم Te
بالرغم من أنه تم حل مشكلة توجيه الليزر، نشأت عندنا مشكلة جديدة وهي عدم القدرة على استخدام ليزرات عالية الاستطاعة، لأن ذلك قد يؤدي إلى تسخين الخلية الصوتية البصرية بشكل كبير وبالتالي تشوه الخلية أو حتى انصهارها.
لذلك يتم استخدام مجموعة من الحزم الليزرية ذات استطاعة أصغر وتمريرها عبر خلايا صوتية بصرية و توجيها باتجاه الهدف بحيث تسقط عليه في مكان واحد تقريباً الأمر الذي سيؤدي إلى تدميره بالتأكيد.
بالطبع تحتاج عملية رصد الهدف و ضبط الحزم الليزرية بحيث تصل جميعها إليه سويةً إلى نظام إلكتروني معقّد، مرفق ببرمجيات معقدة، وقد نتحدث عن هذا الموضوع في مناسبات أخرى.
= = = = =
*الدكتور المهندس آصف ملحم – مدير مركز جي اس ام للأبحاث والدراسات.
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً