بقلم الدكتور عبدالله العبادي*
العنوان في حدّ ذاته له مدلوله الخاص في واقع مرير يحمل فيه السوسيولوجي هم الأوضاع التي يعانيها المواطن العربي، في سعيه الدائم للمطالبة بإصلاح ما أفسدته السياسة، وهو المزعج الدائم على حد تعبير بيير بورديو، في مطالبه بالإصلاحات الجذرية الهادفة إلى بناء المجتمع العادل حيث لا تفاوتات طبقية ولا استبداد ولا فساد.
تفشي الفقر والتهميش لفئات كبيرة من المجتمع العربي، بسبب الحروب والأزمات العالمية المتتالية وغلاء الأسعار، وندرة المواد الأساسية، في بلدان لم تحقق اكتفاءها الذاتي بعد، رغم كل الإمكانيات المتاحة. فرجال الدنيا ورجال الدين أفسدوا الحياة في العديد من البقاع العربية بذرائعَ شتى وأسباب مختلفة، لكنهم أجمعوا على خراب المجتمعات العربية.
فهمهم الخاطئ للممارسة السياسية أو عدم فهمهم في الأساس للمعنى الحقيقي للممارسة، هذا الفراغ في المفهوم أفضى إلى فوضى خلّاقة لدى العامة في الشارع العربي بين موالٍ بالعاطفة ومساندٍ بالقبيلة ومعارضٍ بالفطرة ومتفرجٍ على الأحداث، وهو فراغ في الخطاب الديني والدنيوي المزدوج.
لنتساءل بصدق، من هو السياسي؟ في وطننا العربي، هو رجل دولة مسؤول أمام الله وأمام الشعب في تأدية مسؤولياته، أي مدبِّرٌ للشأن العام ومسؤولٌ عما يفعل، لكن لا يحاسبه أحد حين يسيء تدبيره للمسؤولية، أي تصير له صلاحيات مطلقة.
وهنا مكان الخطأ وشريان الإشكاليات السياسية العربية، فتعاد سلوكيات السياسي بشكل متكرر سواء بطريقة فردية أو جماعية عبر أحزاب وجماعات سياسية أو نخب وعشائر مسيطرة بشرعية وبدونها أحياناً.
إذن هي أسئلة عويصة، هل يتمكن السوسيولوجي من صوغها في مسائلَ سياسية تعيد السياسي إلى الاجتماعي، وتقرّبه من العامة؟ أي تعيد هذه النخبة إلى حياة وواقع الناس، وفهم مشاكلهم والبحث عن حلول لها. هل يقترب السياسي من أفكار الباحث ويستطيع فهمها وتطبيقها خدمةً للمجتمع، أم تواصل نخبة السياسيين زحفها نحو الأعلى بعيداً عن الواقع والحقائق المجتمعية.
لكن لماذا نلقي اللوم على السوسيولوجي ونحمّله مسؤولية تفسير ما يجري؟ ببساطة لأنه أكثر الباحثين إلماماً بالحياة المجتمعية وواقع الناس، وله نظرة خاصة للظواهر الاجتماعية وحياة الأفراد، يجيد قراءة المشاكل، وتحليلها والبحث عن حلول لها، من المفترض أن تُقدّم لصناع القرار، لتُؤخذَ بالحسبان تفادياً لكل الاضطرابات التي قد تعصف بالمجتمع وتدخله في دوامة اليأس ثم العنف ثم الفوضى كما حدث في العديد من البلدان العربية.
هناك مفارقة كونية غير منطقية تتعلق بوجود استنكار تام للعنف والصراع، ومدعوم بترسانة من القوانين الزجرية في كل بلدان العالم، ورغم ذلك فهو حاضر في كل مناحي الحياة العامة المشبعة برسائل العنف.
في كتابه سوسيولوجيا الحرب والعنف، يتطرق سينيثا مالشيفيتيش، لمفهوم العنف الكامن وراء تصرفاتنا، وظلماً لا يروى في الكتب ولا في المقالات التي تصور الحركات الاجتماعية العنيفة ومسعري الحروب، فعلى الرغم من أن السلام والإخاء هما المثالان المروجان علانية، إلا أن الحرب والعنف هما ما يجدب انتباه الناس ويستهويهم حقاً.
الكائن البشري إنسان متحضّر لكن يرقد بداخله وحش عنيف، عند ماكيافيلي وهوبز، إلا أنه مسالم ورحيم عند كانط وروسو وصار شريراً بسبب الأسقام الاجتماعية والظلم والبؤس والجشع الطبقي والسياسي.
فهل السوسيولوجي اليوم قادر على ترتيب أولويات السياسي، وفرض وجوده كمنظِّرٍ للمجتمع، وإيجاد الحلول الآنية وطرحها على صناع القرار؟ أم يشارك بدوره في مجاراة الواقع بكل التفاهة المسيطرة عليه؟ الجيش الأمريكي كان قد استعان بفرق من خبراء علم الاجتماع والأنتروبولوجيا في حربه القذرة على أفغانستان والعراق، لفهم أنماط الحياة وفهم الناس وخصّصَ الكونغرس أربعين مليون دولار للمهمة.
فهل صار السوسيولوجي جزءاً من اللعبة السياسية العالمية؟ وأصبح أداة للسياسيين؟ عوضَ أن يكون مدافعاً عن الناس والحق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الدكتور عبد الله العبادي – كاتب صحفي، محرر الشؤون العربية و الإفريقية في صحيفة الحدث الإفريقي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً