بقلم الأستاذ الدكتور عبد الكريم عبد الجليل الوزّان*
تعدّ الكثير من الدول أنّ تقدمها عسكرياً واقتصادياً لن يكون بمعزل عن البحوث العلمية. ومن هنا تتّضح لنا العلاقة ما بين البحوث والسياسة وصنّاع قرارها.
وفي الآونة الأخيرة تمّ إيلاء أهمية كبيرة للبحوث لأغراض سياسية تتمخّض عنها قرارات في مختلف ميادين الحياة. حتى وصل الحال بعدم حيادية بعض صنّاع القرار في توجيه البحوث العلمية بما يتناسب مع تحقيق مصالح دولهم، بحيث بات نتاج البحوث مقتصراً على أنشطة عسكرية واقتصادية وسياسية. وهذا عكس المفروض من أن البحوث العلمية وُجِدت للسلام ولخدمة البشرية وإسعادها وتحقيق الحياة الحرة الكريمة.
وهناك من يعرّف القرار السياسي “بأنه عملية تخطيط اقتصادي أو اجتماعي أو ثقاقي شاملة أو جزئية تصدرها القيادة السياسية في البلاد”. (انظر 1)
فيما توجد تعاريف كثيرة للبحث العلمي حسب الاتجاهات والقناعات للباحثين، لكن يمكن القول: “إنه منهجٌ لوصف الوقائع عبر مجموعةٍ من المعايير التي تُساهم في نُموِّ المعرفة”. (انظر 2)
وقد يتعرّض العلماء والباحثون الى اضطهاد من قبل الحكّام والقادة لتعارض نتاجاتهم العلمية مع التوجهات السياسية والدينية والمصالح الخاصة، أو لتعارضها مع الأمن القومي، أو لجهل وعدم تقدير قيمة العلم والعلماء وما يقدمونه من بحوث. ومن أمثلة ذلك قيام الفاتيكان بسجن العالم (جاليليو) وإرغامه على التراجع عن استنتاجه العلمي بأن الأرض تدور حول الشمس لمخالفة رؤيته للعوامل دينية. وقِسْ على ذلك تعارض البحوث مع انتاج الشركات الدوائية على سبيل المثال وبخاصة خلال جائحة كورونا. كذلك عند غزو العراق عام 2003 حينما تمّ قتل وتهجير الآلاف من العلماء والكوادر العلمية. وأحياناً يتعرض العلماء للازدراء أو الاستخفاف أو حتى للخطر الجسيم في أماكن وأوقات مختلفة. لهذا نرى أنّ هنالك تداخلاتٍ ما بين النظم السياسية والبحوث العلمية داخل المجتمعات. ومن هنا يتحتم وضع تشريعات قانونية واضحة تضمن الحماية للباحثين بمنأىً عن الخوف والتردد، وتقدم لهم الدعم المادي والتشجيع اللازم وتوفر لهم كل عوامل الأمن والأمان واعتبارهم مركز ثقل استراتيجي، لأن البحوث العلمية ستسهل للسياسيين من صنّاع القرار اتخاذ قرارات واضحة وأمينة وبصيرة نحو حماية البلاد ورفع مستواها على الصُعُد كافة.
وبناءً على ما ورد نرى ضرورة مراعاة تحقيق عدة عوامل لإيجاد علاقة إيجابية فعّالة بين صنّاع القرار السياسيين وبين البحث العلمي والباحثين بغضّ النظر عن ألقابهم السياسية والعلمية على السواء ومنها:
1-تأمين الظروف المناسبة للباحثين على مختلف الصُعد وتوفير عوامل إعداد وتقديم وانسيابية بحوثهم العلمية.
2-إيجاد قنوات تفاهم وتفاعل بين الباحثين وصنّاع القرار السياسي وديمومة التواصل المباشر أو غير المباشر عبر وسائل أو جهات مختصة.
3-سنّ تشريعات عادلة وحضارية لحماية الباحثين وأسرهم وإشراكهم بصنع القرارات الممكنة.
4-الاهتمام بالبحوث العلمية على اختلاف مضامينها واتجاهاتها وتأمين ما يلزم لوصولها إلى الجهات المعنية في الدولة أو القطاع الخاص.
5-الحيادية والنزاهة تستلزم من صنّاع القرار السياسي مراعاتهما في التعامل مع البحوث والباحثين.
6-التعامل السليم والاحترام وعدم الاستهانة بالبحوث ومن يقف خلفها من قبل صنّاع القرار يعجّل في عملية النجاح والتقدم ويؤدي إلى وفرة البحوث وديمومتها.
7-عادةً ماتقدم المؤتمرات العلمية توصياتٍ في الختام وهذه ترفع للسّاسة ولصنّاع القرار ولسوق العمل ومن الضروري النظر إليها بعين الاعتبار والجِدية.
8-إنّ السلام هو الهدف الأسمى للعلم وللبحوث وعلى صنّاع القرار السياسي مراعاة ذلك.
9-الثقافة والوعي والتحضّر أساسيات مطلوب تحقّقها لدى صنّاع القرار، فمن خلالها يتفهم السياسي دور العلم والباحث وقيمة البحوث.
10-وحدة البحوث العلمية تحت سقف عربي واحد تتطلب توافقاً سياسياً عربياً ومن هنا تبرز الحاجة للتوافق والتعاون البحثي من أجل وحدة وتقدم الأمة العربية.
11-الاهتمام بالجامعات كونها الحاضنة للبحوث المختلفة ورعاية الباحثين من أساتذة وطلاب وتشجيعهم ودعمهم من مختلف النواحي.
المراجع
1-مكاوي، بهاء الدين، القرار السياسي ماهيته – صناعته – اتخاذه – تحدياته، معهد البحرين للتنمية السياسية، 2017
2-القرعان، نبيل، تعريف البحث العلمي، 6 أغسطس 2024، موقع موضوع: https://mawdoo3.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الأستاذ الدكتور عبد الكريم الوزان – نائب رئيس مجلس أمناء الجامعة الأفروآسيوية، رئيس الجامعة الأفروآسيوية سابقاً.
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً