بقلم الدكتور أحمد سيد داود*
تعتبر الطفولة من أهم المراحل التي يمر بها الإنسان في حياته، وفيها تشتد قابليته للتأثر بالعوامل المختلفة التي تحيط به، مما يُبرز أهمية السنوات الخمس الأولى في تكوين شخصيته بصورة تترك أثرها فيه طيلة حياته، وتجعل تربيته في هذه المرحلة أمراً يستحق العناية البالغة، ولقد أوصى المؤتمر الدولي للتربية بوجوب العناية بالأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة، والعمل على استحداث مؤسسات ما قبل المدرسة والتوسع فيها وتنميتها وهو ما يعرف بالروضة حالياً.
لقد احتلت دراسات طفل ما قبل المدرسة ورياض الأطفال مكانة مميزة لدى المفكرين والتربويين، وخبراء الصحة والتغذية، بغية تطوير الرياض من أجل تهيئة طفل ما قبل المدرسة، وإعداده نفسياً وتربوياً لدخول المدرسة بطريقة سليمة ورؤية صحيحة.
فالأسرة والروضة مؤسستان ضروريتان لتربية الطفل، وذلك إنّ الرياض ليست بديلاً عن الأسرة بل إنّ هناك تكاملاً في الأدوار والوظائف التربوية، والصحية والاجتماعية، والثقافية التي تتطلّب التنشئة السليمة للأطفال.
ولقد نشأت فكرة رياض الأطفال نتيجة جهود عدد كبير من الفلاسفة والعلماء، والمتخصصين في علم النفس والفلسفة والتربية، أمثال فرويل، كومينوس، روسو، اوبرلان، مارغيب، رشل، وغيرهم والتي هي بالضرورة أثرت على تطور فلسفة رياض الأطفال في عالمنا المعاصر.
وبالنظر إلى المنظومة الفكرية لفلسفة رياض الأطفال في مجتمعنا نجد أنها تنبع من قيمنا الدينية الإسلامية، لذلك فإن الخبرات والأنشطة المتكاملة التي تُقدّم للطفل في الروضة تحرص على تنمية اتجاهات إيجابية وقيم ٍدينية وخلقية لمجتمعنا المسلم الكبير، كما أنها فلسفة تؤمن بأن الطفل هو نتاج تفاعل مع مورثاته، حيث إن فلسفة رياض الأطفال تتجه إلى تنمية الطفل وتطويره جسدياً وروحياً، وقيمياً، وفنيّاً، وجمالياً، ومعرفياً وغير ذلك.
رياض الأطفال هي تلك المؤسسات التعليمية والحكومية والأهلية التي تقوم بقبول الأطفال فيها دون سن الدخول إلى المدرسة الابتدائية، وتقوم بتقديم البرامج التربوية لهم بهدف إعدادهم وإكسابهم بعض القدرات والمهارات المعرفية والاجتماعية استعداداً لدخولهم المرحلة الابتدائية. فهي مؤسسات تنموية يلتحق بها الأطفال من الجنسين في السن ما بين الثالثة أو الرابعة إلى السادسة، وهدفها مساعدتهم على النمو السوي المتكامل، حيث تسهم في تنشئتهم وإكسابهم فنّ الحياة باعتبار أنّ دورها امتداد لدور المنزل وإعداد للمدرسة النظامية، وبذلك فإن رياض الأطفال تعتمد في قيامها على حاجة المجتمع ومتطلبات نمو الطفل، كما أن رياض الأطفال لها الدور الكبير في تنمية الأطفال في جميع الأنشطة التي يتم من خلالها اكتشاف قدراتهم وإمكاناتهم وطاقاتهم لتوجيههم بالشكل الصحيح والملائم.
المرتكزات التي تنطلق منها فلسفة تربية طفل ما قبل المدرسة في النقاط التالية:
1-إن الطفل ينتقل من بيئته إلى رياض الأطفال في سن مبكرة، لذا يجب أن تكون رياض الأطفال امتداداً للأسرة من حيث الحنان والعطف على الطفل وليس بديلاً عنها.
2-للخبرة المبكرة أو الحرمان منها أثر على مستقبل الطفل، لذا يجب أن تولي رياض الأطفال عناية هامة بها، لتوسيع مدارك الطفل.
3-ضرورة انسجام المنهج المُقدّم للطفل مع المتطلبات الثقافية والاجتماعية للمجتمع الذي يعيش فيه.
4-الموازنة فيما يُقدّم للطفل من خبرات من حيث الكم والكيف، فتقديم خبرات مناسبة تساعد الطفل في تكوين ثقته بنفسه والاعتماد على ذاته، خاصة وأن الأطفال في هذه السن لديهم حب المبادرة والرغبة في الاكتشاف والبحث.
5-تعويد الطفل على مبدأ العمل مع الجماعة والتسامح وتهذيب الأخلاق وتعليمهم بعض الصفات الحميدة كالصدق، والأمانة والإخلاص ويمكن للطفل أن يكتسب ذلك من خلال ممارسة اللعب مع أقرانه.
6-احترام الطفل وإتاحة الفرص له للتعبير عن رأيه والقيام بأعماله بحرية دون تدخل من المعلمة، لأن هذا قد يقلل من قيمة الطفل أمام نفسه و الآخرين، ويجعل منه شخصاً اعتمادياً وعديم المبادرة.
7-تهيئة المحيط التعليمي الكلي فيزيائياً وتربوياً واجتماعياً ونفسياً، لأن الأطفال لا يتعلمون ما يقدم إليهم فقط، بل يتعلمون أيضاً الأشياء التي تصل إليهم عبر مواقف ومشاعر المحيطين بهم.
أهمية رياض الأطفال بالنسبة للطفل
تطلّبَ التطور الهائل في العلوم والتكنولوجيا أن يتم استغلال الإنسان لكل ساعة من عمره في طلب العلم.. وإن التربية والتعليم عمليات تتم من المهد إلى اللحد، ومن تلك النقاط برزت فكرة إنشاء رياض الأطفال. ولقد أكّد العديد من العلماء والمتخصصين أن للسنوات الخمس في عمر الطفل أهميةً كبيرةً في تكوينه النفسي والجسمي وذلك بسبب ما يحدث حولَه من تطورات وتعقيدات سريعة فيما يحيط به، حيث إن الحياة لم تعد بسيطة كما كانت في الماضي فيجب أن يتعلم كلٌّ من الصغار والكبار العادات والتقاليد الاجتماعية والتي تؤثر في شخصية الطفل.
للرياض أهمية كبيرة بالنسبة للأطفال حيث إنّ هناك تفاوتاً في الأعمار العقلية للأطفال حتى لو كان هناك تقارب في أعمارهم الزمنية، لهذا السبب تتميز رياض الأطفال بعدد من الخصائص والتي تعد (المرونة) أهمها.
تعمل رياض الأطفال على أن تكون الخبرات التي تقدمها للأطفال قابلةً للتعديل حيث تراعي الفروق الفردية بينهم، وتعمل تلك الخبرات على تحقيق حاجات الأطفال في المستويات كافة.
يكون الطفل في سن الروضة قابلاً للتعلُّم والتوجيه في حال أحسنت المعلمة التعامل معه وحرصت على أن تقدم له الخبرات التي تتناسب مع عمره العقلي والزمني.
كما يكون الطفل في تلك الفترة على درجة عالية من المرونة وشدة الحساسية تجاه ما يحدث حوله وما يتعرض له من خبرات.. تكون تلك الفترة هي من أكثر فترات النشاط الجسمي التي تمر على الطفل فيتحرك معه فكره ويكتسب العديد من المهارات.
يجب أن تكون تلك الفترة هي فترة الاتجاه الإيجابي في حياة الطفل نحو البيئة والتطلع إليها والاستفادة منها، كما تكون تلك الفترة من فترات الاتجاه نحو الآخرين والعمل على الخروج من دائرة الذات الضيقة، كما يقبل الطفل في تلك الفترة التوجيه الإيجابي نحو الصواب أو السلبي نحو الخطأ.
كما تكون فترة الطفولة المبكرة فترة الاستطلاع وطرح العديد من التساؤلات والرغبة في معرفة ما تتضمنه مختلف الأشياء.. ويكون الطفل ميّالاً إلى الإبداع بشكل كبير ويكون ملتمساً لأي تشجيع من الآخرين ويحرص على أن يكون موضع رضا لمن حوله.
لذلك تعمل رياض الأطفال على تهيئة نفوس الأطفال للتعايش مع ما حولهم في المجتمع وتوفير الاحتياجات كافة لهم، وتحقق المعلمة أكبر الفوائد في حال كانت مؤهَّلة ومُدرَّبة وكانت لديها الوسائل التعليمية المناسبة متوفرة.
الأهداف التربوية لرياض الأطفال
تمثل رياضَ الأطفال مؤسساتٌ تربويةٌ لها دورها الهام في مجال تنشئة الطفل وغرس القيم الإيجابية المرغوبة اجتماعياً في نفسه، وهي في هذا الدور مُكمّلة لدور البيت وليست بديلاً عنه ولكنها تحتفظ بخبرات فريدة، لكونها توفر للأطفال أول فرصة يختلطون فيها معاً خارج بيوتهم بأقران من نفس سنهم، وتعمل الروضة على تنمية الاتجاهات الاجتماعية الإيجابية لدى الأطفال نحو أنفسهم ونحو الآخرين، مما سيكون لهم أثرهم الواضح فيما يتعلمونه في المستقبل من خبرات ،وهناك بعض الأهداف التربوية التي تهدف إليها رياض الأطفال، وهي:
-تحرص رياض الأطفال على أن تدرّب الأطفال على أهمية التذوق الموسيقي والعديد من الآداب والمواهب عن طريق التغني بالأناشيد والعزف والرسم بالألوان.
-تعمل رياض الأطفال على أن يألف الطفل المدرسة ويشعر بالراحة والاطمئنان تجاهها وتجاه أنظمتها. كما تحرص على أن يعتاد الغرباءَ والتعامل معهم داخل المجتمع المدرسي وأن يبتعد عن حضن أمه ويكوّن شخصيته المستقلة.
-تحرص رياض الأطفال على أن تنوّع الخبرات التي يكتسبها الطفل والعمل على تهذيبها عن طريق توفير العديد من الأنشطة التي يمارسها.
-تقوم رياض الأطفال على تدريب الطفل بأن يتقبّل مشوار التربية الطويل الذي يمر به والتي تكون الروضة أولى خطواته في هذا المشوار.
-تعمل على أن تدرب الطفل على التفكير الصحيح والمنطقي من خلال العديد من الألعاب التي تنمّي التفكير وتوسع الأفق.
-تدرب الروضة الأطفال على تقبل الانتقال من اللعب بغرض التسلية فقط إلى اللعب المفيد بغرض التعلم وتنمية العقل والجسم.
-تعمل الروضة على تهيئة الأطفال تجاه الخوض في الحياة الاجتماعية والتي تعتمد في الأساس على تبادل الاحترام بين كافة الأطراف.
-تحرص الروضة على تنظيم كل ما يصدر عن الطفل وتنظيم طاقته وتوجيهها إلى تحقيق مختلف الأهداف التربوية.
-تقوم الروضة على تهيئة الأطفال للنضج بشكل سليم وسوي.
-تعمل الروضة على أن تجعل الطفل يعبّر عن ذاته من خلال العديد من الوسائل المختلفة سواءً كان بالكلام أو الكتابة أو الرسم.
-تحرص الروضة على أن تنمّي خيال الأطفال عن طريق العديد من الألعاب المفيدة.
الاتجاهات الحديثة في وظائف رياض الأطفال
تشير الاتجاهات الحديثة في أدبيات مرحلة التعليم قبل المدرسة إلى اتساع وظائف رياض الأطفال وأهمها:
-الوظيفة العلاجية لتخفيف آثار الاستهلاك غير الرشيد للتكنولوجيا المرئية على سلوك الطفل وخصائصه النمائية.
-الوظيفة التعويضية وذلك بتوفير ظروف بيئية ملائمة لفرص النمو والتعلم الأفضل.
-الوظيفة التربوية الإنمائية والتي توفر أساليب التنمية الشاملة للأطفال.
-التمهيد للمدرسة والاستعداد لها.
-مساعدة أولياء الأمور على تفهم حاجات أطفالهم وكيفية إشباعها.
-التنشئة الاجتماعية للطفل وتوفير الرعاية التربوية والنفسية ليتحقق لهم التكيف الاجتماعي في المستقبل.
-رعاية الأطفال أثناء غياب أمهاتهم في العمل.
خصائص معلمات رياض الأطفال
يتطلّب العمل في رياض الأطفال مؤهلاتٍ خاصةً للمعلمين الذين يشرفون على تعليم الأطفال. العمل في هذه المهنة صعب ومهم للغاية. ومن أهم الصفات والمؤهلات التي يجب أن تتوفر في معلمات / معلمي رياض الأطفال ما يلي:
أولاً-الخصائص الفيزيائية
-إن صحة المعلمة الجيدة تساعدها على بذل الجهد في التعامل مع الأطفال في المواقف المختلفة التي تتطلب أحياناً مجهوداً عضلياً.
-يجب أن تتمتع المعلمة بجسمٍ سليم خالٍ من العيوب والأمراض التي يصعب عليها التعامل بها مع الأطفال في هذا العمر، مثل عدم القدرة على تحريك أحد الأطراف، أو ضعف البصر الشديد أو مشاكل النطق.
-يجب أن يتمتع المعلم بمظهر منظم وجذاب للأطفال، وأن يتبع العادات الصحية في التعامل مع الأطفال.
ثانياً-الصفات العقلية والعاطفية
-ويجب أن يكون المعلم شخصاً محباً للأطفال، ويجب أن يكون صبوراً وهادئاً وقادراً على تحمل هذه المسؤولية الصعبة.
-يجب أن يتمتع المعلم بدرجة عالية من الثبات الانفعالي في تعامله مع الأطفال، حتى يشبع احتياجاتهم العاطفية والعقلية بشكل كامل.
-يجب أن يكون المعلم قادراً على تنظيم الوقت والاستفادة القصوى من وقت الفراغ.
-من الضروري أن يتمتع المعلم بمجموعة من المهارات العقلية، كالذكاء الحاد، وسرعة البديهة، نظراً لأهمية هذه الصفات عند التعامل مع المواقف المفاجئة التي تنشأ عند الأطفال.
-ويجب أن يكون المعلم قادراً على الابتكار والإلمام بمختلف أنواع العلوم والفنون حتى يتمكن من تعليم الأطفال بشرح طريقة أكثر شمولاً.
-حب المحاولة والتجربة.
-القدرة على إقامة علاقات اجتماعية إيجابية مع الأطفال وأولياء أمورهم.
-يجب أن يكون المعلم قادراً على فهم احتياجات الأطفال.
-أن يكون شخصاً يؤثر في الآخرين.
-ويفضل اختيار النساء لهذه المهنة وليس الرجال، لأن غريزة الأمومة أقرب إلى مشاعر الأطفال.
وختاماً، يمكن القول إن الروضة تعمل على إعداد الأطفال لأن يكونوا أفراداً صالحين، في ظل ظروف تتصف بالحب والحنان، كما أنها توفر الظروف الملائمة، لتحقيق حاجات الطفل ونموه، ففي الروضة، يجد الطفل البيئة الجيدة والمناسبة، بالنشاطات البناءة للشخصية، كما وتساعد الطفل على تعلًم قيم وعادات مجتمعه، من منظور إسلامي، كما أنه لا بد من توفير عوامل مساعدة مادية وتقنية وفنية، وإن العمل في رياض الأطفال شبكة مترابطة لابد أن تتّسم بالتجانس والتوافق فأي خلل أو قصور يؤثر تأثيراً سلبياً في تحقيق الأهداف المرجوّة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الدكتور أحمد سيد داود – باحث في قضايا التعليم
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً