بقلم الدكتور المهندس عبدو نصر دربولي*
1-مقدمة
تُعتبر الزلازل من أخطر الكوارث الطبيعية التي يُمكن أن تضرب منطقة ما في هذا العالم، حيث أن الصعوبة البالغة في التنبُّؤ بتوقيت ومكان حدوثها – إن لم يكن استحالة ذلك – يزيد من صعوبة التعاطي مع نتائجها ويُعقّد من تحديات الاستجابة لها خلافاً للكوارث الطبيعية الأخرى كالأعاصير والفيضانات والبراكين. ولعل موجة الزلازل والهزات الأرضية التي حدثت منذ 6 شباط 2023 بدءاً من الزلزال الذي ضرب كل من تركيا وسوريا وكان بقوة 7.8 على مقياس ريختر قد جعلت الكثير من سكان البلدين يعيشون هاجساً مرعباً من تكرار ما حصل وخاصةً مع الخسائر الفادحة التي خلفها هذا الزلزال في كلا البلدين.
يُمكن القول بأن هاجس الترقُّب والخوف والرعب من حدوث زلزال مدمر يُعتبر من تداعيات هذه الكارثة ولا يقلُّ ضرراً مقارنةً بالخسائر المادية، وذلك لما سيكون له من انعكاسات سلبيّة على الحياة اليومية للسكان المهدّدين أو المترقِّبين. لكنْ كيف ستكون هذه الانعكاسات مع تواتر إشاعات ومعلومات مجهولة المصادر عن إمكانية حدوث زلزالٍ مدمّر في يوم ومكان محدّدين؟ للأسف؛ شكّلت وسائل التواصل الاجتماعي بعد زلزال 6 شباط 2023 منصّة لنشر الإشاعات والتهويلات المتعلقة بهذه الظاهرة الطبيعية، بدءاً من الأسلوب التهويلي في صياغة المحتوى المتعلق بهذه الظاهرة ومن قبل اختصاصيين للأسف، وليس انتهاءً بنشر التحذيرات من وقوع زلزال في يوم ومكان مُحدّدين من دون الاستناد إلى أي أساس علمي.
لا يخفى على أحد أن استخدام منصات التواصل الاجتماعي قد أصبح جزءاً أساسياً من الحياة اليومية لمعظم المستخدمين حول العالم وعلى اختلاف شرائحهم التعليمية والاجتماعية وغيرها، وجميعنا كنا قد استخدمنا منصات التواصل الاجتماعي المختلفة بالدرجة الأولى في زلزال 6 شباط 2023 من أجل الحصول على أية أخبار ومعلومات حول هذا الزلزال ونتائجه أو معلومات عامة عن هذه الظاهرة بشكل عام، سواء كانت هذه المعلومات من مصادر رسمية أو غيرها وبغضِّ النظر عن مصداقيتها وذلك بسبب هاجس الرعب والترقب الذي سيطر علينا حينها، ولعل ما كان يقدمه المدعو فرانك هوجربيتس عبر منصة Twitter من تنبّؤات وتحذيرات بحدوث زلازل بقوة معينة وفي أيامٍ محددة قد لعب الدور الرئيسي في إثارة الرعب بين السكان و توتير الوضع بشكل عام بسبب اتصالهم المباشر وشبه الدائم بمنصات التواصل الاجتماعي، والتي استخدمت من قبل روادها لنشر هذه التنبؤات بطريقة تهويلية غير مسؤولة، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، هل كان بالإمكان الاستناد على فكرة الاتصال المباشر وشبه الدائم للأفراد بمنصات التواصل الاجتماعي المختلفة من أجل تحقيق استجابة أفضل من جهة تنظيم جهود الإغاثة والاستجابة الإنسانية لهذه الكارثة؟؟
يجب الإقرار بأنّ منصاتِ التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدّين، لذا قررنا التطرق إلى الجانب الإيجابي لها وخاصة فيما يتعلق بالاستجابة للزلازل كأحد أخطر الكوارث الطبيعية، وذلك من خلال مراجعة بعض الأبحاث والأعمال الفعلية التي لجأت إليها بعض البلدان المُهدَّدة بالزلازل والتي تم فيها استخدام منصات التواصل الاجتماعي كنظام مساعد في دعم جهود الإغاثة والاستجابة الإنسانية عند التعرض للزلازل، وذلك من خلال الاعتماد على فكرة الاستشعار الاجتماعي Social Sensing.
2-الاستشعار الاجتماعي Social Sensing
تتمحور فكرة الاستشعار الاجتماعي حول اعتبار مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي بمثابة مستشعرات Sensors ينشرون في غالب الأحيان محتوىً ليس إلا تفاعلاً مع حدثٍ حقيقي Event قد وقع في محيطهم أو ضمن اهتماماتهم [1]، وجميعنا رأينا كيف استخدمنا منصة الفيسبوك على سبيل المثال في موجة الزلازل التي حدثت في شباط 2023 للإفادة بالشعور بحدوث هزة أرضية، لذا يتم تعريف مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي على أنهم مستشعرات اجتماعية Social Sensors، والتي تختلف عن المستشعرات المادية بأنها، أي المستشعرات الاجتماعية، تكون بتنوع كبير، فبعض المستخدمين يبقون نشطين معظم الوقت، بينما البعض الآخر قد يكون نائماً أو مشغولاً عند وقوع الحدث، والبعض الآخر قد ينشر معلوماتٍ خاطئةً، لذا يمكن القول بأن البيانات الناتجة عن المستشعرات الاجتماعية أكثر تشويشاً Noisy من تلك في حالة المستشعرات المادية، وهنا يكمن التحدي في تطوير طرائق وأدواتٍ فعالة لمعالجة هذه البيانات والاستفادة منها نظراً لآنيتها وموثوقية مصادرها التي تعيش الحدث، وهو ما سنستعرضه فيما يلي من دون الغوص في التفاصيل التقنية والعلمية نظراً لأن هذا المقال موجه للعامة والاختصاصيين على حد سواء.
3-مراجعة بعض الأعمال المستندة على فكرة الاستشعار الاجتماعي
• في اليابان، والتي تعتبر من البلدان المهددة دائماً بالزلازل، قام مجموعة من الباحثين عام 2010 بترسيخ استخدام مفهوم المستشعرات الاجتماعية من خلال تطوير نظام حاسوبي يعمل على فلترة وتصنيف التغريدات التي ينشرها مستخدمو منصة Twitter من السكان اليابانيين بهدف اكتشاف حدوث الزلازل وتحديد أماكن حدوثها وإطلاق التنبيهات والتحذيرات عن طريق البريد الالكتروني للمستخدمين الراغبين بذلك، وقد أظهرت النتائج التجريبية قدرة النظام المقترح على إطلاق التحذيرات عند وقوع الزلازل بشكل أسرع من تلك التي تطلقها وكالة الأرصاد الجوية اليابانية JMA (Japan Meteorological Agency) وبدقة بلغت 96% من إجمالي الزلازل والهزات الأرضية التي ضربت اليابان بقوة أكبر من 3 درجات خلال فترة التجريب [1]، ويبين الشكل (2) تقديرات أماكن حدوث الزلازل باستخدام طرقاً رياضية معينة.
• أما في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد أكّدت مجموعة من الباحثين عام 2013 صوابيّة الاعتماد على فكرة المستشعرات الاجتماعية في مواجهة آثار الزلازل، وذلك بعد قيامهم بتحليل الخصائص الزمنية والمكانية للمحتوى المنشور على Twitter كاستجابة وتفاعل مع حدوث زلزال بقوة 5.8 والذي ضرب الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية عام 2011، وقد توصّل الباحثون إلى أهمية اعتبار Twitter والمحتوى المنشور فيه كمصدر غني يمكن مكاملته مع مصادر بيانات أخرى بهدف مراقبة الأحداث التي يمكن أن تحصل في الواقع من أجل كشف حدوثها وتحديد الأماكن المتأثرة، علماً بأنّ ما توصّل إليه الباحثون تم تأكيده بالمقارنة مع المحتوى المنشور في موقع DYFI (Did You Feel It?) التابع لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية USGS (U.S. Geological Survey) [2].
• في عام 2013، قام مجموعة من الباحثين بتطوير نظام كاشف لحدوث الزلازل في كل من أستراليا ونيوزيلاندا بهدف إطلاق التحذيرات لإمكانية حدوث موجات مدٍّ مدمّرةٍ أو ما يعرف بظاهرة التسونامي، وذلك بالاعتماد ضمنياً على فكرة المستشعرات الاجتماعية على منصة Twitter. تمت تجربة النظام المقترح منذ شهر كانون الأول عام 2012 ليتمكن من إطلاق 20 تحذيراً كان منهم 17 تحذيراً صائباً لهزاتٍ أرضية حقيقية قد حدثت، بينما كان هناك 3 تحذيرات خاطئة بوقوع زلزال، أي الإيجابي الخاطئ False Positive [3].
• في عام 2019، تطرّقت مجموعة من الباحثين لمسألة تقدير المناطق المتأثرة بالزلازل وذلك بالاعتماد على نموذج مقترح أطلقوا عليه اسم نموذج النمو اللوجستي المكاني Spatial Logistic Growth Model [4] والذي يستند ضمنياً إلى مفهوم الاستشعار الاجتماعي، حيث انطلق الباحثون في هذا البحث من فكرة أن الاعتماد على الإجرائيات التقليدية في تحديد المناطق المتضررة من الزلازل قد تُبطئ من زمن الاستجابة للكارثة نظراً للاعتماد على نشاط وعزيمة الأشخاص اللذين يقومون بذلك من جهة بالإضافة إلى الحاجة إلى مزيد من الموارد من جهة أخرى، لذلك لجأ الباحثون إلى اعتبار المحتوى المنشور من قبل المستخدمين كتفاعل مع الكوارث بمثابة مصدر غني للمعلومات يمكن الاعتماد عليه في تحقيق الكشف والتقدير في الزمن الحقيقي، وبالتالي عودة لفكرة أن المستخدمين هم مستشعرات بالغة الحساسية والأهمية.
أثبتت هذه الدراسة من خلال النموذج المقترح النمو المكاني للبيانات المنشورة من قبل المواطنين، والتي أطلقوا عليها بيانات المستشعرات المدنية Citizen-Sensor Data بحسب المناطق المتأثرة بالزلزال وبعدها الجغرافي عن مركزه، حيث تمت صياغة النموذج المقترح من خلال مجموعة من المعاملات المستخرجة من المحتوى المنشور وبيانات مساعدة أخرى تتمحور حول البعد الجغرافي عن مركز الزلزال والكثافة السكانية. يُبين الشكل (5) معاملات نموذج النمو اللوجستي المكاني:
تم الاعتماد في هذه الدراسة على كل من منصتي Twitter وSina-Weibo كمصادر بيانات لجمع المحتوى الناتج عن تفاعل المواطنين مع الزلازل في حال حدوثها، حيث أجريت الدراسة على المحتوى المنشور عند حدوث زلزالين:
- الزلزال الذي ضرب النيبال عام 2015 وكان بقوة 8.1 على مقياس ريختر
- الزلزال الذي ضرب منطقة جيوتشاي قو Jiuzhaigou التي تقع في محافظة نانبينغ ذاتية الحكم بولاية آبا التابعة لمقاطعة سيتشوان في جمهورية الصين، وكان بقوة 7.0.
أثبتت النتائج بعد المقارنة والتأكّد مع البيانات الحقيقية للمناطق المنكوبة قدرة النموذج المقترح على تقدير المناطق المنكوبة بدقة 93.11% في حالة زلزال Jiuzhaigou، بينما كانت 71.74% في حالة زلزال النيبال، وذلك بسبب بعض السياسات المطبًّقة في جمهورية الصين والمتعلقة بحظر استخدام منصة Twitter، كما أن النموذج المقترح يعمل بكفاءة عالية في اللحظات الأولى التي تلي حدوث الزلزال بـ 10 دقائق، بينما تنخفض بعد ذلك.
4-الخلاصة
على الرغم من أنه لا يوجد طريقة ثابتة حتى الآن للتنبؤ بتوقيت ومكان حدوث الزلازل، إلا أنه يمكن تحقيق استجابة فعالة وفي اللحظات الأولى لحدوثها، حيث رأينا إمكانية تسخير منصات التواصل الاجتماعي والطرائق والأدوات الرياضية المناسبة من خلال مفهوم الاستشعار الاجتماعي لتحقيق استجابة فعالة عند حدوث الزلازل سواء لتحديد المناطق المنكوبة أو إطلاق التحذيرات وتنظيم جهود الاستغاثة الإنسانية، خاصةً أن معظم منصات التواصل الاجتماعي تدعم ميزة خاصية الموقع الجغرافي في المحتوى المنشور وبالتالي تحديد الأماكن التي نُشرت منها بيانات المستشعرات الاجتماعية، ولعل العديد من التطبيقات الالكترونية التي استخدمناها في الآونة الأخيرة للإيفاد بحدوث هزة أرضية حول العالم قد اعتمدت مفهوم الاستشعار الاجتماعي، وقد كان أبرز تلك التطبيقات LastQuake التابع لمركز رصد الزلازل الأوروبي المتوسطي
EMSC (European-Mediterranean Seismological Centre).
في النهاية، نأمل أن نكون قد تمكّنا من تقديم مفهوم الاستشعار الاجتماعي بطريقة سلسلة وواضحة تُظهر مدى إمكانية الاستفادة من هذا المفهوم من قبل السلطات المحلية لتحقيق وتنظيم استجابة فعّالة عند حدوث الزلازل.
= = = = =
*الدكتور المهندس عبدو نصر دربولي – مدرس في كلية الهندسة المعلوماتية – جامعة البعث.
References
[1] T. Sakaki, M. Okazaki, and Y. Matsuo, “Earthquake shakes twitter users: real-time event detection by social sensors,” in Proceedings of the 19th international conference on World wide web, 2010, pp. 851–860.
[2] A. Crooks, A. Croitoru, A. Stefanidis, and J. Radzikowski, “# Earthquake: Twitter as a distributed sensor system,” Trans. GIS, vol. 17, no. 1, pp. 124–147, 2013.
[3] B. Robinson, R. Power, and M. Cameron, “A sensitive twitter earthquake detector,” in Proceedings of the 22nd international conference on world wide web, 2013, pp. 999–1002.
[4] Y. Wang, S. Ruan, T. Wang, and M. Qiao, “Rapid estimation of an earthquake impact area using a spatial logistic growth model based on social media data,” Int. J. Digit. Earth, vol. 12, no. 11, pp. 1265–1284, 2019.
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً