بقلم الدكتور المهندس محمد ملحم*
ملخص
ضرب زلزال قوي في ) 6 شباط 2023) منطقة جنوب تركيا وشمال سوريا وخلّف مأساة إنسانية كبيرة. ومباشرةً منذ اللحظات الأولى للزلزال لمع اسم (الباحث) الهولندي فرانك هوجربتس الذي تنبَّأ بوقوع الزلزال، وبدأت تتوالى التنبؤات المنسوبة لهوجربتس وبإيقاع مُرعب على الناس في سوريا. المصدر الوحيد لتنبُّؤ هوجربتس هو مدوّنته على الفيس بوك، لم يقدم هوجربتس أيَّ تفسير لطريقة تنبؤه سوى أنه ربط تموضع الكواكب بحدوث الزلزال. بعد الإلحاح الإعلامي ودعوة هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية هوجربتس لتفسير ما قدّمه والاستجابة لإذاعة NPR؛ اعتذر الأخير، ولكنه وضع على الموقع الخاص به توضيحاً وَرد فيه اسم جون نيلسون الموظف في مؤسسة راديو أمريكا في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي والذي كانت وظيفته إيجاد طريقة للتغلب على الاضطرابات المغناطيسية الأرضية في الغلاف الجوي المتأيّن للأرض والتي تُسبّب اختلالاتٍ في موجة الاتصالات الراديوية.
كان اسم جون نيلسون هو المفتاح لمعرفة أسلوب هوجربتس في التنبُّؤ. نجح نيلسون في حساب زوايا هندسية معينة بين كواكب النظام الشمسي وتأثيرها على تدهور الإشارة الراديوية باعتراف منظمات مرموقة مثل الناتو ووكالة ناسا، ولكن لم يكرر أحد درجة نجاحه، وتضاءلت حداثة عمل نيلسون مع مرور الوقت، حيث استحوذ التقدم التكنولوجي والأقمار الصناعية في الفضاء على عبء عمل الاتصالات الأرضية مما أدى إلى إهمال أهمية إشارات الموجات القصيرة. تراجع حماس المجتمع الأكاديمي في تكرار عمل نيلسون، لطالما استغل المنجمون اكتشافات نيلسون كدليل على نظام معتقداتهم، ولم يكن لدى الأكاديميين رغبة في صب الزيت على النار.
نضع بين يدي القارئ الكريم ملخّص الأبحاث المتوفرة على شبكة الإنترنت لجون نيلسون وبعض التحقيقات الخاصة بها، وكيف اعتمد فرانك هوجربتس أسلوب نيلسون في التنبُّؤ ولكن هذه المرة في الزلازل من دون إبداء أي رأي في تفاصيل المعلومات الجيولوجية والفلكية لأنه ليس مجال عملنا.
محتويات المقالة:
1-قصة جون نيلسون
التحقيق الأول: لعالم الفلك البلجيكي جان ميوس
التحقيق الثاني: للمتنبِّئ الجوي سيف ديلاب
2-قصة فرانك هوجربتس
3-تقرير هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية USGS
1-قصة جون نلسون
في مارس من عام 1951، هزَّ (جون نيلسون) علماء الفلك والمنجِّمين عندما بدأ ينشر أبحاثاً تصف طريقة التنبؤ بالاضطرابات في الغلاف الجوي المتأيِّن للأرض، والتي بدورها عزّزت أو قلّلت الإرسال اللاسلكي على الموجة القصيرة بين أمريكا الشمالية وأوروبا من خلال مراقبة البقع الشمسية ومواقع الكواكب بالنسبة للشمس.
كُلف جون نيلسون باختبار النظرية القائلة :(بأنّ البقع الشمسية والطقس الفضائي الناتج عنها كان السبب في سوء استقبال الإشارات الراديويّة) وفي عام 1946 اعتمد نيلسون في دراساته على مرصد وتلسكوب خاص في مدينة نيويورك ليخرج بعد سنوات بمجموعة من الدراسات والتنبّؤات.
بدأ نيلسون في التنبّؤ بالاضطرابات الراديوية من خلال رصد البقع الشمسية (نوع البقع الشمسية وعمرها ونشاطها، بالإضافة إلى موقعها على وجه الشمس)، واعتبرها عوامل حاسمة في تدهور الإشارة الراديوية. وبعد حوالي عامين من البحث الدقيق في البقع الشمسية والعواصف المغناطيسية، خلص السيد نيلسون إلى أن البقع الشمسية ليست سوى جزء صغير من الإجابة. حيث تبيّن له، أن بعض القوى الطبيعية ساهمت إلى جانب البقع الشمسية بالتأثير في الظواهر التي كان يدرسها.
واصل نيلسون بحثه وضمّن الكواكب وعلاقة زواياها المركزية مع الشمس (0° ، 90°، 180°، 270° درجة) مع بعضها البعض. أدخل نيلسون أيضاً في حساباته بعض المواضع المهمة للكواكب في مداراتها مثل موضع الحضيض الشمسي (Perihelion) والأوج (aphelion) (انظر الشكل (1)).
قرر نيلسون التحقيق في الأثر الجيو مغناطيسي للكواكب على الإشارات الراديوية، حيث استخدم علاقة الزوايا المركزية 0° و 90° و 180° و 270° وتاريخها عند كوكبين أو أكثر لدراسة أكثر التكوينات تأثيراً على جودة الإشارة الراديوية.
أظهر التحقيق وجود ارتباط إيجابي بين الزوايا المركزية للكواكب وتغيرات إشارة الموجة القصيرة عبر المحيط الأطلسي. حيث أظهرت الإشارات الراديوية ميلاً إلى التدهور خلال يوم أو يومين عند اقترانها بتكوينات كوكبية معينة. لم تتوافق جميع تكوينات الكواكب مع تدهور الإشارة، بل أظهرت تكوينات معينة ارتباطاً بالتدهور أكثر من غيرها.
كشفت الدراسة أنّ أشد الحالات تدهوراً للإشارة الراديوية (ارتباط واضح) ظهر عندما توضّعت ثلاثة كواكب بترتيب من مضاعفات الدرجة 90° فيما بينها، وأُطلق على هذه الترتيبات “التكوينات المتعددة multiple configurations”. وتظهر هذه الحالة أيضاً عندما يتوضّع كوكبان مع بعضهما عند درجة 0° ويصنع كوكب ثالث معهما زاوية 90° درجة أو 180° . تكوين متعدد آخر يظهر عندما يصنع كوكبان زاوية 180° ويصنع معهما كوكب ثالث الزاوية 90° درجة. هذه التكوينات المتعددة شائعة أكثر من التكوين الذي تتوضّع فيه ثلاثة كواكب مع بعضها البعض عند الزاوية المركزية 0° تظهر هذه التكوينات وتختفي لفترة من الزمن تطول وتقصر وتترافق بتدهور حاد في الإشارة. يعتمد الزمن اللازم لاكتمال التكوينات المتعددة على السرعات النسبية بين الكواكب المعنية سواء كانت ثلاثة أو أكثر. تُظهر هذه التكوينات ارتباطاً بتدهور الإشارة الراديوية بمعدل خطأ ∓5° عن التموضع الدقيق المذكور سابقاً. تُشير سجلات 1948 و1949 و1950 إلى هذه النتيجة، حيث يُلخص الجدول المرفق (انظر الشكل (2)) دورات ثلاثة كواكب (عطارد والزهرة والمشتري) وارتباطها بحالة الإشارة الراديوية في ذلك الوقت.
يعرض الجدول السابق عشر حالات مختلفة لتدهور الإشارة الراديوية بين عامي 1948 و1951 تتدرج بين الطفيفة والشديدة، ويرافق كل حالة تكوين كوكبي معين، يُبين الشكل (3) التكوينات الكوكبية المرافقة للحالة 1 والحالة 10.
تُظهر التكوينات الفردية بين كوكبين منعزلين ارتباطاً أقل بتدهور الإشارة، ولكن غالباً عندما تتزامن عدة تكوينات فردية بين عدة كواكب منعزلة يصبح الارتباط بتدهور الإشارة أكثر وضوحاً.
من الناحية النظرية، إذا كان لهذه التكوينات الكوكبية ارتباط بتدهور الإشارة، فإن الكواكب البطيئة يجب أن يكون لها تأثيرات تدريجية طويلة المدى، ويزداد هذا التأثير عندما تتداخل معها الكواكب الأسرع.
تأثير كوكبي المشتري وزحل في هذه التكوينات هو الأهم نظراً لحجمهما الكبير وحركتهما البطيئة، ومن خلالهما يمكن إنشاء معيار شامل لتحديد الاضطراب الراديوي، وتساهم التكوينات الكوكبية الأخرى في فاعلية هذا المعيار زيادةً أو نقصاناً. لذلك في السنوات التي يتوضّع فيها كوكبا المشتري وزحل بمواضع قريبة من مضاعفات الدرجة 90° سيكون معدل الاضطرابات الراديوية الحادة عالياً.
يُبيّن الشكل(3) حالة التدهور الكبير للإشارة في عام 1951، وهذا يعود لتوضّع كوكبي المشتري وزحل على طرفي الزاوية 180° تقريباً وتموضع أورانوس عند الدرجة 90° تقريباً، فكانت الاضطرابات الراديوية لعام 1951 مطوّلة وشديدة.
تُشير السجلات إلى أنه عندما كان كوكبا المشتري وزحل يسيران بخطى من مضاعفات الزاوية 60° كانت إشارات الراديو ذات جودة أفضل مما كانت عليه عند السير بمضاعفات الزاوية 90°. وفي عام 1948 عندما تباعد كوكب المشتري وزحل بمقدار 120° مع نشاط شمسي أعظمي، كان متوسط جودة الإشارات الراديوية أعلى بكثير مما كان عليه في عام 1951 عندما شكّل كوكب المشتري وزحل زاوية 180° مع انخفاض كبير في النشاط الشمسي.
أظهرت العلاقة بين تدهور الإشارة وهذه التكوينات في الماضي اتّساقاً واضحاً بحسب نيلسون، ومن خلال الجمع بين مؤشرات الكواكب والأرصاد الشمسية وتحليل الإشارات اليومي، تم تطوير نظام للتنبؤ بلغ متوسط دقّته ما يقرب من 85% خلال عامي 1950 و 1951 [1][2].
التحقيق الأول: قام به عالم الفلك البلجيكي (جون ميوس) متخصص في علم الفلك الرياضي.
بيّن جون ميوس في مقالته أنّ ارتباط موقع الكواكب مع تدهور الإشارة الراديوية لا مفرَّ منه إذا ما تمّ استخدام طريقة نيلسون، وبرهن على ذلك من خلال عرض مقاربتين رياضيتين:
المقاربة الأولى: قام بها هانتر Hunter عام 1952، حيث اعتبر أنّ الارتباط الذي حصل عليه نيلسون هو أمر خادع. فإذا كانت لدينا مجموعتان S1 و S2 من الأحداث العشوائية، أطلقنا على المجموعة الأولى S1 تكوينات الكواكب وعلى المجموعة الثانية S2 أيام تدهور الإشارة الراديوية. إذا قمنا بربط كل يوم في المجموعة الثانية بأقرب يوم في المجموعة الأولى سنحصل على منحني توزع بذروة مركزية (ذروة الارتباط) مثيرة للإعجاب مشابهة لمنحنيات نيلسون، سواء ارتبطت الأحداث في المجموعتين بعلاقة سببية أم لا. إنّ هذا الأسلوب في حساب أي تاريخ في المجموعة S2 بأقرب تاريخ في المجموعة S1 غير مبرر؛ ويؤدي تلقائياً إلى منحنى ذروة (ذروة الارتباط)!
المقاربة الثانية: قام بها لانا ومار جولين Ianna وMargolin عام 1981 وحصلا على منحنى ذروة مماثل باستخدام بيانات محاكاة مختلفة. تُظهر الاختبارات العشوائية التي أجراها كلٌّ منهما – دون أدنى شك – أن العلاقة الظاهرة بين الاضطرابات الراديوية ومواقع الكواكب هي نتاج طريقة حساب نيلسون. فقد افترضا مجموعات أخرى من البيانات على النحو الآتي:
المجموعة الأولى G1 تمثل اصطفاف الكواكب مع الشمس (من عطارد إلى بلوتو) كما يتم رؤيتها من الأرض، أي كل تاريخ يكون فيه أحد الكواكب مقترناً أو متعارضاً مع الشمس كما يُرى من الأرض.
المجموعة الثانية G2 تمثل تواريخ تحطم أقمار كوزموس الروسية الاصطناعية. في نهاية عام 1981، أطلق الاتحاد السوفيتي 1330 قمراً صناعياً من نوعCosmos، عاد منها إلى الأرض 846 قمراً، تحطّم منها 268 قمراً بشكل طبيعي وتم استرداد 578.
تمّ ربط تواريخ تحطم كل قمر في المجموعة الثانية G2 كما هو الحال في نيلسون بأقرب تاريخ اصطفاف في المجموعة الأولى G1. وتم حساب الفرق Dt بين التاريخين القريبين في المجموعتين مقدّراً بالأيام، حيث أُسندت جميع التواريخ إلى التوقيت العالمي، وفي الجدول المرفق عينة من النتائج (انظر الشكل (4)).
عند أخذ كل ثلاث مجموعات من قيم Dt للحصول على الرسم البياني، تم الحصول على منحنى الذروة (ذروة الارتباط)، ومع ذلك لا يمكننا تصديق أن السوفييت أخذوا بالحسبان مواقع الكواكب قبل استعادة أقمارهم الصناعية!
ولكن ما هو السبب الحقيقي وراء ظهور الذروة المركزية في التوزيعات التي تم الحصول عليها؟ لم يوضح لا هانتر أو لانا ومار جولين ذلك. لتفسير ماذا حدث أورد جان ميوس المثال الآتي:
بفرض أنه خلال شهر معين حدث اقتران أو تكوين كوكبي في يومين فقط (على سبيل المثال 12 و15). تم حساب قيم Dt للأيام من 6 إلى 22، سنجد أن يومين فيهما Dt = 0، ويومين فيهماDt=-1 ، ويومين فيهما Dt=+1، ويوجد يوم واحد لكل من 2- إلى-6 و +2 إلى +6. بالتالي فإنّ أي يوم يتم أخذه عشوائياً له احتمالية أكبر لمطابقة القيمة الصغيرة لـ | Dt | من القيم الأكبر (انظر الشكل (5)). ينطبق الشيء ذاته على التوزيعات الأخرى لأيام التكوين، مما يؤدي إلى المزيد من الأيام بالقرب من Dt = 0 (انظر [3-4]).
التحقيق الثاني: قام به المتنبِّئ الجوي ستيف دلاب Steve DE Lapp
ستيف دلاب هو متنبئ جوي ومُهتم بتحليل الطقس القاسي والأعاصير المدارية على وجه الخصوص، وكان أسلوبه مشابه لأسلوب نيلسون في تحليل تدهور الإشارات الراديوية.
عمل ستيف على تحليل بيانات نيلسون للتأكد من صحة أسلوبه فضمّن الكسوف والخسوف والنشاط القمري إلى مجموعة نيلسون وبين ارتباطها بالاضطرابات الجيو مغناطيسية على الأرض، واعتبر ستيف أن نيلسون اختار عيناته الدراسية عن قصد بسبب نشاطها القمري لكنه لم يرغب في الكشف عنها أو لم يكن يعلم.
بالنظر في عينات (أمثلة) نيلسون، تمّ العثور على 26 عينة مُصنّفة على أنها مرتبطة باضطرابات جيومغناطيسية استثنائية وتدهور في إشارة الراديو.
يوضح الجدول المرفق (انظر الشكل (6)) تفاصيل هذه العينات وتاريخها والفترة الزمنية للاضطراب الجيومغناطيسي وتصنيف نيلسون الوصفي للاضطراب، وأضاف ستيف حالة القمر ودورة الخسوف في ذلك الوقت إلى البيانات.
السؤال الملحُّ بالنسبة لستيف: ما مدى أهمية حالات القمر (قمر جديد وربع قمر وقمر بدر) التي تتزامن مع فترات الاضطرابات الجيومغناطيسية في بيانات نيلسون؟
دورة القمر الجديد هي 29.5 يوماً، ويصنع في مساره مجموعة حالات. اهتم ستيف بسبعة حالات مختلفة للقمر من مضاعفات الزاوية 30°، تتكرر هذه الحالات أثناء الدورة القمرية الواحدة 12 مرة (انظر الشكل (7)).
اعتبر ستيف أن بيانات نيلسون منتقاة بعناية، لذلك قام بنفسه بإنشاء مجموعة بيانات عشوائية من تواريخ مختلفة بين عامي 1940 و1961 وأطلق عليها قائمة الاختبار العشوائية تتضمّن نفس أعمدة قائمة نيلسون الموجودة في الشكل (6).
واقترح القيام بتطبيق تحليل إحصائي على القائمتين قائمته العشوائية وقائمة نيلسون لتحديد ما هو احتمال ارتباط النشاطات القمرية بظاهرة الاضطراب الجيومغناطيسي، وهل الأمر تم عن طريق الصدفة؟ أجرى ستيف ثلاث تجارب على القائمتين لرؤية مدى ترابطهما.
-التجربة الأولى: مدى ارتباط الاضطرابات الجيومغناطيسية بخسوف القمر.
-التجربة الثانية: مدى ارتباط الاضطرابات الجيومغناطيسية بخسوف القمر وكسوف الشمس معاً.
-التجربة الثالثة: مدى ارتباط الاضطرابات الجيومغناطيسية بحالات القمر المبينة في الشكل (7).
استخدم في التجارب الثلاث اختبار مربع كاي للاستقلالية Chi-Square، إذ يُعد اختبار مربع كاي أداة إحصائية جيدة تُستخدم في دراسة مدى استقلال أو ترابط عيّنتين عشوائيتين. يعمل اختبار مربع كاي بشكل جيد مع المتغيرات من النوع الفئوي مثل الكواكب والإشارات والسِمات والأقمار الجديدة والكسوف وما إلى ذلك. يوجد في اختبار مربع كاي فرضيتين، الفرضية الصفرية H0 وتعني الاستقلالية، وفرضية غير ذلك H1 أي يوجد ارتباط ما.
تم اختبار الفرضية الصفرية H0 وهي استقلالية الاضطرابات عن النشاط القمري في القائمتين. يُعد اختبار الفرضية الصفرية مقبولاً إذا أعطى احتمالاً أكبر من 5%.
كانت النتائج على النحو الآتي:
-أعطت الفرضية الصفرية H0 في التجربة الأولى P=0.00003 (أي فرصة واحدة لكل 300000)
-أعطت الفرضية الصفرية H0 في التجربة الثانية P=0.0000000002 (1 في 20 مليار)
-أعطت الفرضية الصفرية H0 في التجربة الثالثة P=0.0000000005 (1 في 50 مليار)
حتى تكون الفرضية صفرية مقبولة يجب أن يكون P≥0.05. يقول ستيف في ضوء النتائج السابقة أن هناك يقيناً بنسبة 99.999 % أن هذه النتائج ليست بسبب الصدفة، وهي حقيقة مثيرة للفضول مع الإشارة إلى دقة توقعات نيلسون التي لم يدحضها أحد بدءاً من عام 1946 حتى عام 1970 تقريباً.
ويكمل ستيف القول: الجواب واضح وضوح الشمس كان نيلسون مدركاً تماماً لتأثير القمر على الاضطرابات الجيومغناطيسية التي تؤثر على إشارات الراديو ذات الموجة القصيرة، ولكن بدلاً من الإعلان عن ذلك للعالم، قام بتمويه طريقته في كومة قش تضم الآلاف من جوانب مركزية الشمس. أعتقد أنّ نيلسون اختار حل مشاكل الفيزياء والأعمال المتعلقة بالبث اللاسلكي دون التسبب في مشاكل اجتماعية – دينية أخرى [5].
2-قصة فرانك هوجربتس The Story of Frank Hoogerbeets
تُشير السيرة الذاتية لفرانك هوجربتس إلى أنه (باحث) في مسح هندسة النظام الشمسي Survey of Geometry of Solar System(SSGEOS)، والذي تم وصفه على الموقع الخاص به على أنه معهد أبحاث لرصد الهندسة بين الأجرام السماوية المتعلقة بالنشاط الزلزالي.
يبدو أن هوجربتس يُعيد ما قام به نيلسون في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، ولكن هذه المرة للتنبُّؤ بالزلازل، وبحسب الموقع الخاص به طوّر نيلسون برنامجاً لحساب موضع الكواكب وزوايا وتاريخ ارتباطها بتكوين كوكبي مُعيّن، لم يوضح فرانك الخوارزميات المستخدمة في البرنامج، بل أشار إليها فقط. ولكن من خلال التكوينات الكوكبية التي يعرضها على الموقع الخاص به اعتمد نفس أسلوب نيلسون مع إدخال النشاط القمري في هذه التكوينات كما هو مُبيّن في الشكل (8).
كيف برّر فرانك صحة أسلوبه في التنبُّؤ بالزلازل؟
غالباً ما يُذكر أنه من أجل أن يكون التنبؤ بالزلزال صحيحاً، يجب تحديد ثلاثة عناصر وهي (تاريخ ووقت الزلزال والموقع والقوة) بحسب هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية. يعتبر فرانك أنّ هذا المطلب غير واقعي بالمقارنة مع توقعات الطقس، إذ توجد احتمالية هطول بمقدار 0-10% أو 30-40% حتى في الأيام المشمسة دون تحديد الموقع الدقيق، وهذا أسلوب علمي مقبول استمر لعقود. يركّز فرانك على الزلازل التي تبلغ قوتها 6 درجات أو أكبر، لأن هذه الفئة من الزلازل تميل إلى الحدوث في كثير من الأحيان عندما تُشكّل الكواكب والقمر تكويناً مُعيّناً في النظام الشمسي. مثال على ذلك 23 حزيران 2014 (انظر الشكل (8)) حيث حدثت ست هزات أرضية بين قوية وشديدة في غضون ساعات في جنوب وشمال المحيط الهادئ، في الوقت الذي حدثت فيه ثلاثة اقترانات كوكبية متقاربة مع الهندسة القمرية الحرجة.
تقول الإحصائيات على سبيل المثال أن زلزالاً بقوة 6 درجات يحدث كل 2.7 يوماً كمتوسط، لكن لا يعني أن هذا هو ما يحدث عادةً، في الحالات القصوى يمكن أن يكون هناك 20 أو حتى 25 يوماً بين الزلازل التي تبلغ قوتها 6 درجات. ويمكن أن يصل المتوسط إلى أقل من يومين على مدى عدة أسابيع. بالإضافة إلى ذلك هناك فرق كبير بين زلزال بقوة 6.0 درجات وأخر بقوة 6.9 درجات، لأن الأخير يحدث بشكل أقل تكراراً. الأمر نفسه ينطبق على الزلازل التي تبلغ قوتها 7 درجات. وفي الحالات القصوى يمكن أن يكون هناك غياب للزلازل لمدة نصف عام أو أكثر كما في 2017 و2018 و2019.
الحجج التي يقدمها البعض، أنّ الزلازل تحدث طوال الوقت أو أن تكوينات الكواكب تحدث طوال الوقت، وأنّ تأثير قوة الجاذبية للكواكب ضئيل وليس له أهمية في حدوث الزلازل. هذا النوع من الحجج عام للغاية، وعلى المرء أن يسأل عن نوع الزلازل (4 أو 5 أو 6 درجات) فهي من فئات مختلفة جداً سواء من حيث القوة أو الحدوث. وبالمثل يجب دراسة حدوث ونوع الاقتران الكوكبي بعناية. في بعض الأحيان لا توجد عمليات اقتران لأكثر من أسبوع أو حتى أسبوعين، وفي بعض الأحيان يكون هناك عشرات من حالات الاقتران في شهر واحد. علاوة على ذلك، لا تتشابه حالات الاقتران ويختلف تأثيرها الكهرومغناطيسي بحسب الكواكب المُقترنة. أما بالنسبة لتأثير قوة الجاذبية فيجب ألّا نهمل تأثير القوة الكهرومغناطيسية فهي القوة المهيمنة [6].
3-تقرير هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية USGS (برنامج مخاطر الزلازل)
قالت سوزان هوغ Susan Hough عالمة الزلازل في برنامج مخاطر الزلازل في هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية أنه لم يتنبأ أي عالم بوقوع زلزال كبير. وفي نفس اليوم وقع زلزال بقوة 7.8 درجة. تَبِعه سلسلة من الهزات الارتدادية تسبّب في مقتل آلاف الأشخاص في تركيا وسوريا، وامتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بادّعاءات كاذبة بأن الكارثة كانت متوقّعة قبل أيام فقط.
مع انتشار نبأ المأساة في جنوب تركيا وشمال سوريا يوم الاثنين، شاهد ملايين الأشخاص أيضاً تغريدة في 3 شباط تحذّر من أن زلزالاً قوياً سيضرب المنطقة نفسها، كانت رسالة من رجل هولندي يُدعى فرانك هوجربتس. وهو نفسه (هوجربتس) ادّعى أيضاً في عام 2015 أنه يعرف التاريخ الدقيق الذي سيضرب فيه زلزالٌ قوي كاليفورنيا 28 أيار 2015. في ذلك الوقت حثّ الناس على أن يكون لديهم خطة هروب جاهزة محذّراً من وقوع زلزالٍ خطير للغاية بقوة 8.8 درجة أو أعلى.
في تحذيره الأخير، غرّد هوجربتس، “عاجلاً أم آجلاً سيكون هناك زلزال بقوة 7.5 درجة في هذه المنطقة (جنوب وسط تركيا والأردن وسوريا ولبنان)، وقام بتضمين خريطة تظهر دائرة حمراء على نفس المنطقة تقريباً التي وقع فيها الزلزال. لكن البقعة هي موقع نشاط متكرر حيث تتلاقى ثلاث صفائح تكتونية. وقالت هوغ إنه على الرغم من الخسائر البشرية، فإن الزلزال القوي لم يكن صدمة لأي عالم زلازل، لأن تركيا منطقة زلازل معروفة. لقد علمنا بهذه العيوب ونعلم أن الزلازل بهذا الحجم ممكنة.
لم يستجب هوجربتس على الفور لطلب إذاعة NPR للردِّ على العلماء الذين يشككون في ادّعاءاته. تم وصف هوجربتس في الماضي بأنه متحمس للزلازل ويعتقد أن حركة الكواكب في نظامنا الشمسي يمكن أن تساعدنا في التنبؤ بالزلازل. رداً على الرافضين له، أقر هوجربتس بوجود معارضة كبيرة داخل المجتمع العلمي فيما يتعلق بتأثير الكواكب والقمر على النشاط الزلزالي على الأرض، ولكن اعتبر هذا الموقف افتراضاً، حيث دعم موقفه من خلال مشاركة صورة لرسالة من عام 1959 إلى المحرر في مجلة Nature.
هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية لا لبس فيها، لا أحد يستطيع التنبؤ بحدوث زلزال. وتقول الوكالة: لا نعرف كيف ولا نتوقع أن نعرف كيف في أي وقت في المستقبل المنظور. يمكن لعلماء هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية حساب احتمال وقوع زلزال كبير (كما هو موضّح في خريطة المخاطر لدينا) في منطقة معينة خلال عدد معين من السنوات. وتُكمل هوغ: إن التنبؤ ليس اسم لعبة، والتركيز في هذا المجال يجب أن ينصبّ على هندسة البناء المقاوم للزلازل [7][8].
= = = = =
*الدكتور المهندس محمد ملحم – أستاذ مساعد في كلية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات – جامعة طرطوس.
Refernces
1-J. H. Nelson, Planetary Position Effecton Short – Wave Signal Quality, IEEE 1952.
2-J. H. Nelson, Shortwave Radio Propagation Correlation with Planetary Positions, RCA Communication 1951.
3-Jean Meeus, On the “Correlation” Between Radio Disturbances and Planetary Positions, The Skeptical Inquirer 1982.
4-P. A. Lanna, C. J. Margolin, Planetary Positions, Radio Propagation and the Work of J. H. Nelson, The Skeptical Inquirer 1981.
5-https://astroweather.com/earthquakes/#_ednref6
6-https://ssgeos.org/index.htm
7-https://earthquake.usgs.gov
8-https://www.npr.org/2023/02/07/1154893886/earthquake-prediction-turkey-usgs
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً