بقلم الأستاذ عباس الزيدي*
الانعطافة التركية الأخيرة على سورية، و التي وصلت إلى مستوى استجداء التصالح لم تكن صدفة، دون قراءة واقعية، من قبل أوردغان و مهندسي السياسة التركية، ولها أسباب عديدة، منها:
1-ذكرنا في بحوث ومقالات سابقة أن من أهم التحديات التي ستواجه المنطقة عام 2024 هو الملف الكردي، وسيكون في منطقة الاهتمام بالدرجة الأولى، وسيحظى بالدعم من قبل الولايات المتحدة، و من ثم داعش وبقية التنظيمات الإرهابية، وهذا الملف من أكبر التهديدات لتركيا.
2-مع تقاطع المشاريع الاقتصادية العالمية المطروحة في المنطقة فإن تركيا تعتبر الخاسر الأكبر من المشروع الاقتصادي الأمريكي السعودي المشترك عبر اسرائيل، و المشروط بالتطبيع، إذا ما تمت مقارنة ذلك بالمنافع الأخرى التي تحصل عليها أنقرة من مشروع طريق شمال-جنوب أو مشروع طريق الحرير الصيني.
3-تغول وتمرد التنظيمات الإرهابية التي تدعمها تركيا، مثل جبهة النصرة، وفقدانها للسيطرة عليها ومعرفتها بالمشغل الأمريكي الذي يسعى لتوجيهها للتحالف مع تنظيمات قسد الكردية لاحقاً، مما قد يشكل خطراً كبيراً على الأمن القومي التركي.
4-سورية أحد أركان محور المقاومة، و قطعاً لن يقف محور المقاومة مكتوف الأيدي أمام التمدد التركي، و الأمر ينطبق على العراق، وليس من الحكمة أن تغلق تركيا حدودها بالدخول في حروب و صراعات مع كل من إيران و سوريا و العراق.
5-مبدأ وحدة الساحات والقدرات المرعبة لمحور المقاومة و حتمية المواجهة في حال إصرار أنقرة على الاستمرار في نهجها المعادي لأبناء المحور سواء في العراق أو سورية.
6-اختلال موازين القوى العالمية، خصوصاً بعد طوفان الأقصى، و الحرب في أوكرانيا، و الهزيمة الواضحة للمعسكر الصهيو-أمريكي.
7-مستقبل الصين الواعد والدور العالمي الذي ستلعبة، ومحاولة أنقرة الاستفادة منه.
8-فشل مشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي لعبت فيه أنقرة دوراً خطيراً، فهي تحاول الآن طلب الصفح عن جرائمها.
9-عدم التورط مع روسيا، الأقرب جغرافياً إلى تركيا؛ فهناك أكثر من ملف يجمعهما، و الهروب من الإملاءات الأمريكية.
10-تأثير إيران في جميع المعادلات الإقليمية.
11-الخوف من ردود الأفعال الداخلية، خصوصاً بعد الدور المخزي الأخير الذي لعبته أنقرة في دعم الكيان الصهيوني؛ إذ أن التبادل التجاري بين تركيا و إسرائيل لم يتوقف خلال العدوان، إضافة إلى مشاركة اليهود من حاملي الجنسية التركية في الحرب الحالية ضد الفلسطينيين.
إن النظرة الواقعية، و ما أفرزه مبدأ وحدة الساحات أثناء طوفان الأقصى، إضافة إلى مساعي كل من الصين و إيران و روسيا للتأثير على تركيا، و حضور أردوغان قمة منظمة شنغهاي الأخير، هي من دفعته للاستدارة نحو سورية و إعادة تصحيح السياسة التركية مع دول المنطقة. علماً أن ضمان مستقبل آمن و مستقر يتطلب من أنقرة التخلي عن السياسات الأمريكية و الأوروبية، و الدخول في تحالف عسكري و أمني إقليمي يضم كل من تركيا والعراق و إيران و سورية، و هذا هو الأنفع و الأجدى لها في ظل التغيرات الكبرى التي يشهدها العالم و بوادر تشكل نظام عالمي متعدد الأقطاب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الأستاذ عباس الزيدي – باحث سياسي وخبير استراتيجي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً