بقلم الدكتور محمد عياش*
في ظل العربدة الصهيونية المتوحشة، واستمرار المجازر التي فاقت الخيال والتصور البشريين، بالاستفراد بالشعب العربي الفلسطيني في غزة وممارسة التطهير العرقي والإبادة، وانتقال الحرب إلى لبنان الشقيق وتحويله إلى ساحة لتصفية الحسابات مع المقاومة الإسلامية، والقفز الباركوري فوق القوانين الدولية وتهديد المنطقة ووعيدها برسم الشرق الأوسط، والنداءات العلنية بتغيير ملامح المنقطة وفق الرؤية الصهيو-أمريكية، وحسب “بيكار” رئيس وزراء العدو الصهيوني البولميكي بنيامين نتنياهو، انعقدت القمة الإسلامية العربية يوم الاثنين 11 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2024 في العاصمة السعودية الرياض، والتي أخذت العنوان الأبرز “وقف إطلاق النار في غزة ولبنان بشكل فوري”.
لقد أصاب الشعبين، الفلسطيني واللبناني، عذابات وآلام يندى لها جبين الإنسانية؛ وذلك بعد تبني العدو الصهيوني منهجية القتل والتنكيل والتدمير بصورة توحي للعالم عن كراهية مبطنة للأرض العربية، قبل البشر والشجر، واستفراد “أرميتيكي” بغيض متكئ على الدعم الأمريكي الغربي اللامحدود.
بعد الترحيب بالرؤساء والزعماء، وإعلان بداية القمة، وإعطاء الرؤساء مساحة زمنية قصيرة، ليقول كل كلمته و يعبر عن موقفه وموقف بلاده من هذه الجرائم الصهيونية المستمرة، والتي جاءت معظمها متكررة، مستنسخة خفورة لا ترقى إلى مستوى الدم الفلسطيني واللبناني، لفت انتباهي كلمة الرئيس السوري بشار الأسد، عندما أراد أن يذكّر العالم بالوحشية الصهيونية، وحق الشعبين العربيين، الفلسطيني واللبناني، بالمقاومة بطريقة فلسفية عميقة، مرتكزة على عمق استراتيجي مؤثر، مفاده أن نفي الحقيقة لا يلغيها، والطريقة التي استرسل بها عندما أخرج الكيان الصهيوني من الحسابات البشرية والقانونية والمنطقية.
وصف الرئيس الأسد الكيان الصهيوني بالمصطنع، وأشار إلى نقطة في غاية الأهمية عندما قال: إن العرب تقدموا في عام 2002 بمبادرة للسلام؛ قدم هذه المبادرة ولي العهد آنذاك الملك عبدالله بن عبد العزير، في غمزة احترافية ترتكز على بعد استراتيجي، وفهم عميق لهذا الصراع، بعد وصف الكيان الذي لا يتعامل وفق القانون الدولي باعتباره مجموعة قطعان همجيين أيديولوجيين دوغمائيين هدفهم القتل والتدمير، لأنهم مصابون بـ “آفة التفوق”.
بهذا الاستعراض الفلسفي، القصير زمنياً، العميق استراتيجياً، أعتقد من المناسب تحويله إلى بيان ختامي للقمة، وخارطة طريق للتعامل مع الكيان الصهيوني؛ لأن حجم المشكلة تحدد الوسيلة، والوسيلة أساس النجاح، وصاحب الهدف النبيل هو صاحب وسيلة نبيلة أيضاً.
أصاب حديث الأسد الكثير من الحاضرين بمقتل، وخصوصاً اللاهثين وراء التطبيع مع الكيان الصهيوني، الذين ابتعدوا عن القاعدة الصحيحة للتعامل معه، عندما يتحدثون مع اللص بلغة القانون، ومع المجرم بلغة الأخلاق، ومع السفاح بلغة الإنسانية!
الثبات على المواقف للجمهورية العربية السورية ليس جديداً، وهي مبادئ لا تقبل النقاش، وبالتالي فإن الدعوة إلى عقد قمة عربية أو إسلامية يجب أن تتمحور حول الحقوق العربية الشرعية، وإقناع باقي الدول التي تهرول إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني بضرورة الحذر من الوقوع في براثن المكر والدهاء الصهيونيين، و اللذان يستهدفان الوعاء الثقافي العربي برمته؛ “والسلام الإبراهيمي” عنوان المرحلة القادمة، خصوصاً مع فوز دونالد ترامب بالانتخابات، وإطلاق يد صهره جاريد كوشنر لاستكمال ما بدأه في المنامة البحرينية عام 2019، والذي أفشله محور المقاومة.
أثبتت كلمات الرئيس الأسد أن القضايا العربية واحدة لا تقبل التفريق، وبالتالي فإن كل كلمة قالها تحتاج إلى مجلدات لما فيها من معانٍ عظيمة، وتوضيح وكشف وانكشاف للنيات الخبيثة لهذا العدو، الذي يحاول أن يثبت شرعيته عبر الآلة العسكرية، بعد العجز المطلق في إثبات أحقيته في هذه المنطقة، وعن النظرة القوية التي تبعث برسالة لا تحتاج إلى الشرح والتفصيل للعالم المتعامي عن الجرائم الصهيونية، والتي قد تشكل خطراً قادماً لبلادهم في حال تُرك هذا المجرم يستبيح الدم الإنساني، الذي لا يفرق بين طفل ورجل مسن وامرأة، وحتى الأطفال الخدج أخذوا نصيباً من إجرامهم الذي لا يتوقف، وأن وراءهم ما وراءهم من مشاريع تدميرية قادمة لا محالة وفق الرؤية التلمودية المزيفة.
كلمة الأسد كلمة واضحة جازمة لا تحتاج إلى تأويل و تفسير، باعتبارها ألغت الوجود الصهيوني في فلسطين، ونسفت كل الحجج والأراجيف ومحاولات الترويج الغربية لـ “إسرائيل الديمقراطية”، واستغلال ما يسمى “معاداة السامية”؛ والكلمة في ميزان الحق تحيي أمماً وشعوباً، بينما الرصاصة تقتل شخصاً واحداً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الدكتور محمد عياش – كاتب وباحث سياسي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً