بقلم الدكتور آصف ملحم*
ألقت الأزمة الأوكرانية بظلالها على العالم كله، وانعكست على جميع نواحي الحياة، الاقتصادية والسياسية والأمنية والاجتماعية أيضاً؛ فلم تبقَ دولة في الفضاء الجيوسياسي القريب والبعيد من مركز تفاعل هذه الأزمة إلا وتأثرت بها بشكل مباشر أو غير مباشر. ونظراً لخصوصية موقع صربيا في القارة الأوروبية وعلاقاتها المتميزة مع روسيا فإننا نعتقد أنّ الحرب الروسية الأوكرانية ستترك آثاراً مباشرة على الانتخابات العامة في صربيا.
ستنطلق في الثالث من نيسان انتخابات عامة، رئاسية وبرلمانية، هذا إضافة إلى الانتخابات المحلية التي ستجري في 12 بلدية مع العاصمة بلغراد ومدينة بور الواقعة شرق البلاد.
سيخوض الانتخابات البرلمانية 19 قائمة انتخابية. يضم الجناح السياسي الأيمن 9 قوائم انتخابية، في حين يضم الأيسر قائمتين. يوجد أيضاً 3 قوائم تتضمن ائتلافات لأحزاب سياسية من كامل الطيف السياسي، وهي: 1)الائتلاف الذي يتزعّمه الحزب التقدمي الصربي برئاسة ألكساندر فوتشيتش والذي يضم 10 أحزاب.
2)الائتلاف الذي يتزعمه إيفيكا داتشيتش، رئيس الوزراء الأسبق و رئيس الجمعية الوطنية الصربية (البرلمان)، الذي يضم ثلاثة أحزاب. 3)ائتلاف مارينيكا تيبيتش ويضم 12 حزباً سياسياً. إضافة إلى ذلك يوجد 5 قوى سياسية تمثل بعض الأقليات السياسية و القومية و الدينية.
أما الانتخابات الرئاسية، فسيخوضها مرشّحان عن اليمين المتطرف؛ الأول ميشا فاتشيتش، زعيم حزب (اليمين الصربي)، الذي أسسه عام 2018. أما المرشّح الثاني عن جناح اليمين المتطرف فهو ميليتسا جورجيفيتش ستامينكوفسكي، المتحدثة باسم الحزب الصربي المسمى: (المعاهدون)، الذي أسسه ستيفان ستامينكوفسكي في عام 2012، الذي أصبح زوج ميليتسا في عام 2017.
أما الجناح السياسي الأيمن المعتدل فيمثله ثلاثة مرشحين. ميلوش جوفانوفيتش، زعيم الحزب الديمقراطي الصربي، وهو مرشح عن الائتلاف المسمى (البديل الديمقراطي الوطني الصربي)، وهو ائتلاف يضم ثلاثة أحزاب يمينية، تتميز بالإيديولوجيا الوطنية المحافظة. أما المرشّح الثاني فهو باشكو أوبرادوفيتش، زعيم ومؤسس الحركة الصربية دفيري (أي الأبواب)، والتي أسسها في عام 1999. أما المرشح الثالث فهي برانكا ستامينكوفيتش، وهي عضو سابق في الجمعية الوطنية الصربية (البرلمان) عن حزب (كفى يعني كفى)، الذي تأسس في عام 2014.
في حين لا يوجد سوى مرشح واحد يمثل اليسار السياسي، وهي بيليانا ستويكوفيتش، أستاذة علم الحياة في جامعة بلغراد، وهي مرشّحة عن الحركة البيئية المدنية المسماة بـ (يجب علينا)، التي تأسست في شهر كانون الثاني من هذا العام، وهي ائتلاف يضم مجموعة من الأحزاب السياسية التي يتركز نشاطها حول القضايا البيئية وخاصة في العاصمة بلغراد.
أما المرشح السابع فهو زدرافكو بونوش، وهو دبلوماسي سابق وضابط متقاعد، ترشح للانتخابات الرئاسية عن الائتلاف المسمى بـ (صربيا الموحدة)، الذي تأسس في عام 2021. أخيراً، يخوض الرئيس الحالي، ألكساندر فوتشيتش، أيضاً الانتخابات الرئاسية عن الحزب التقدمي الصربي.
في الحقيقة، صوتت صربيا لصالح القرار الدولي الذي قدمته الدول الغربية في الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 2 آذار، الذي أدان روسيا على خلفية ما تم تسميته (غزواً عسكرياً روسيا)ً لأوكرانيا. كما أن صربيا أكدت على وحدة الأراضي الأوكرانية. إلا أن صربيا، ومعها البوسنة والهرسك، هما الدولتان الأوربيتان الوحيدتان اللتان لم تدخلا عقوبات على روسيا، بل وقفتا ضد سياسة العقوبات أيضاً. كما أنه يوجد ممثلية لوزراة الدفاع الروسية في وزراة الدفاع الصربية، وهذا المستوى من الثقة في التمثيل غير موجود حتى في الدول المنضوية في منظمة معاهدة الأمن الجماعي. إضافة إلى ذلك، في صربيا تحظى الشركات الروسية الكبيرة، مثل غازبروم و لوكويل و بنك VTB وغيرها، بتمثيل جيد.
في الواقع، يتم استثمار أحداث أوكرانيا للتأثير على الانتخابات الصربية من قبل فريقين:
1)المعارضة الصربية، وخاصة الأحزاب الليبرالية الموالية للغرب والأحزاب اليمينية الراديكالية، التي ستقوم بالتأثير على الرأي العام الصربي لكسب المزيد من الأصوات في الانتخابات المقبلة. الأداة الوحيدة للمعارضة في هذا الشأن هي وسائل الإعلام، إضافة إلى الاحتجاجات التي قام بها بعض النشطاء البيئيين من الحركة البيئية المدنية (يجب علينا).
2)الدول الغربية، التي ستحاول ممارسة الضغوط تلو الضغوط والتأثير في سير العملية الانتخابية بهدف دفع الجمهور الصربي لانتخاب ممثلين موالين لها، وبالتالي تبني صربيا سياسة معادية لروسيا، والانضمام إلى الأجندات الغربية في علاقتها مع روسيا. تمارس الدول الغربية هذا النوع من النشاط عبر سفاراتها في صربيا وبعض المنظمات غير الحكومية الناشطة في البلقان، كمؤسسة روكفيلر و نيد و مؤسسة تشارلز ستيوارت موت ومؤسسة كونراد أديناور.
في الحقيقة، نجح الرئيس الحالي، ألكساندر فوتشيتش، خلال سنوات حكمه الأربع الماضية في المحافظة على التوازن في العلاقات مع مختلف اللاعبين الدوليين والإقليميين، كالصين وروسيا والاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة الأمريكية، وأدى هذا الأمر إلى انتعاش إقتصادي كبير في البلاد، فكان الناتج المحلي الإجمالي الأعلى أوروبياً. لذلك تشير الكثير من التقديرات بأن فوتشيتش مع ائتلافه بقيادة الحزب التقدمي الصربي هو الأوفر حظاً في هذه الانتخابات.
في ضوء ما عرضناه في الفقرات السابقة، فإن الشعب الصربي سيكون أمام استحقاقات سياسية صعبة وخيارات معقدة، ستنعكس عليه بالدرجة الأولى وعلى كامل منطقة البلقان! فالمحافظة على التوازن في العلاقات بين روسيا من جهة والغرب من جهة أخرى ستشكل التحدي الأكبر للرئيس القادم والنخبة السياسية الصربية كلها.
فهل سينجح الرئيس القادم في الحفاظ على هذا التوازن، وبالتالي يصبح جوزيب بروز تيتو جديد للبلقان، الذي نجح في الموازنة بين المصالح المتضاربة للقوى الدولية؟ فمسؤولية الرئيس القادم لا تنحصر فقط في صربيا بل تتعداها إلى كامل منطقة البلقان!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الدكتور آصف ملحم – مدير مركز جي إس إم للأبحاث و الدراسات (موسكو).
*هذه المقالة منشورة في صحيفة رأي اليوم أيضاً.
للاطلاع عليها على موقع الصحيفة اضغط هنا.
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً