بقلم الأستاذ عبدالسلام غالب العامري*
وُصف الحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة بأنه شكل من أشكال العقاب الجماعي، وانتهاك خطير للقانون الإنساني الدولي. تشمل الحملات العسكرية الإسرائيلية، بجيشها المدجج بأنواع الأسلحة المختلفة، والقصف البري والبحري والجوي المستمر خلال سنة كاملة من العدوان البربري على قطاع غزة، عملية مسح مربعات كاملة من الشوارع والأزقة والحارات وتغيير المعالم. وقد وصفه أحرار العالم بأنه هجوم غير متناسب ومتعمّد، يهدف إلى معاقبة وإذلال وإرهاب السكان المدنيين، وتقليل القدرة الاقتصادية المحلية بشكل جذري، وفرض شعورٍ متزايدٍ بالتبعية والضعف.
يفرض القانون الدولي حقوقاً وواجبات والتزامات. وتعد مسألة مراقبة مدى احترام قواعد القانون الدولي الإنساني أمراً ضرورياً ولها ما يبررها في الوقت ذاته، فالمدنيّون الآمنون في قطاع غزة يواجهون أوضاعاً قصوى من الإبادة الجماعية والعنف والمشقة والاعتقالات والاغتصاب الجنسي وحرمانهم من الماء والغذاء والدواء، وقصف المشافي والمدارس والمساجد والكنائس والبنية التحية نتيجة الغطرسة الإسرائيلية المتحدية للقانون الدولي بدعم أمريكي غربي، ويؤثر مدى احترام قواعد القانون الدولي الإنساني على أوضاع هؤلاء بشكل واضح ومباشر.
إسرائيل الآن لا تقتل الفلسطينيين فحسب، بل إنها أيضاً تنتهك قواعد ومواثيق القانون الإنساني الذي وضعته بلدان العالم بعد الحرب العالمية الثانية. وإذا حققت إسرائيل هدفها وأبادت الشعب الفلسطيني، وأكملت احتلال الأرض، فإن العالم سيتغير إلى الأبد. وستنتهي أي إمكانية لإقامة نظام دولي مؤسس على القانون، وستصبح الجرائم أشياء طبيعية ومقبولة في نظر المجتمع الدولي، وكذلك سيرى المجتمع ُالدولي أن سرقة الأرض والإبادة الجماعية والتشريد أعمال سياسية مشروعة.
ونفت إسرائيل أكثر من مرة منذ بدء الحرب في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، انتهاك القانون الدولي، مؤكدة أن جميع عملياتها العسكرية في القطاع “خاضعة للقوانين الإنسانية الدولية”. لا مصداقية، ولا يمكن الوثوق بالتصريحات الإسرائيلية حول عدم استخدام المساعدات العسكرية الأمريكية بما يتعارض مع القانون الدولي.
ومن بين هذه الحالات، أشار المراقبون والمنظمات التابعة لحقوق الانسان إلى الغارات المتكررة على المواقع المحمية وعلى المنشآت المدنية، “وحجم الضرر المهول، الذي لحق بالمدنيين بسبب العمليات العسكرية، لذا يجب اتخاذ الإجراءات السريعة للتحقيق في الانتهاكات القائمة وإيصال المحققين الدوليين ومحاسبة المتسببين في ضرر المدنيين وحصارهم واستهداف العاملين في المجال الإنساني والصحفيين بوتيرة غير مسبوقة”. و تعطّل وصول المساعدات الإنسانية بشكل تعسفي”، بما فيها منع مرور الشاحنات من المعابر والمنافذ الرسمية مما يؤخر وصول الغذاء والدواء للنازحين.
فالانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني من قبل حكام وقاده (إسرائيل) هي جرائم حرب لن تسقط بالتقادم مهما طال الزمن المنقضي، فإن جميع الدول ملزمة بالتعاون مع المحكمة الدولية في القبض على هؤلاء القادة المطلوبين، والتحقيق معهم ومقاضاة مرتكبي الجرائم؛ وهذه الجرائم مستمرة من قبل حكام إسرائيل في وقت الحرب أو السلم. بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية سيكون مصيرهم مثل مصير الرئيس الصربي السابق ميلان ميلوتينوفيتش وقادته العسكريين الذين ارتكبوا جرائمَ إنسانية مروعةً بموجب القانون الدولي.
ما يزال قطاع غزة تحت الاحتلال الإسرائيلي حتى هذه اللحظة فقد احتفظت إسرائيل بالسيطرة الكاملة على منافذ القطاع البرية والبحرية والجوية؛ فهي تسيطر على السجل السكاني في غزة وشبكات الاتصالات والعديد من الجوانب الأخرى للحياة اليومية والبنية التحتية. وبدلاً من القيام بواجبها في حماية السكان المدنيين، فرضت إسرائيل على السكان في قطاع غزة شكلًا غير مسبوق من أشكال العقاب الجماعي، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني من قتل وتشريد واختطاف وأسر واغتصاب وتحرش جنسي وعقاب جماعي في خلع ملابس المواطنين وتقييد أيديهم للخلف وتعريضهم لأشعة الشمس الحارقة على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي الإنساني والمنظمات الإنسانية!
يبدو أنّ المجتمع الدولي غير منزعج من الظروف غير الصالحة للعيش في قطاع غزة، أو حقيقة أنّ جيلًا كاملًا نشأ معزولًا عن العالم، باستثناء الأسلحة التكنولوجية المتطورة التي تنهمر عليه من السماء بدعم أمريكي غربي على مدار356 يوماً من القصف المتواصل. وهذا ما صرّح به وزير الدفاع الإسرائيلي (غالانت) في بيان مصور وموثّق: “نفرض حصاراً كاملاً على قطاع غزة، لا كهرباء، لا طعام ولا ماء ولا غاز… كل شي مغلق”، علماً بأن إسرائيل تفرض منذ أكثر من 15 عاماً حصاراً على القطاع حيث يعيش 2,4 مليون نسمة. وأضاف غالانت: “نحن نقاتل حيوانات ونتصرف وفقا لذلك…”. فالحيوانات في الإسلام لها حقوقها من الرفق، والرحمة، والحياة فهذه حقوق الحيوان ممنوحة في ديننا الإسلامي.
وقد تفاقمت الآثار الكارثية التي لحقت بالمدنيين؛ بسبب فرض إسرائيل قيودًا مشددة على تدفق المساعدات الإنسانية والإمدادات الطبية والسلع الأساسية والوقود، إلى مئات الآلاف من سكان قطاع غزة، ونتيجة قطع إمدادات المياه والكهرباء والإنترنت عن القطاع، الذي يعتمد 80% منه على المساعدات الإنسانية التي تقدّمها الأمم المتحدة بشكل أساسي، بسبب الحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة منذ العام 2005، حيث ترقى عملية منع وصول المساعدات والعقاب الجماعي إلى جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، طبقًا للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية والقانون الدولي الإنساني.
وكشفت صحيفة نيو يورك تايمز في تحقيق استقصائي، أجرته معتمدةً على صور الأقمار الصناعية وبرامج الذكاء الاصطناعي، أن الجيش الإسرائيلي كان يقصف غزة بقنابل لم تستخدمها الولايات المتحدة في حروبها في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، إذ تزن 2000 رطل. ولقد أدّت هذه القنابل إلى مقتل أكثر من 45 ألف مدني بينهم 70% أطفالاً ونساء (الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 2024). وهو رقم لا يقارن بعدد من قتلتهم القوات الإسرائيلية في قطاع غزة منذ الانتفاضة الثانية في سبتمبر 2000 وحتى 6 أكتوبر 2023، ويُقدر بـ 8000 فلسطيني. أي إن إسرائيل قتلت في حوالي 356 يوماً ما يزيد على خمسة أضعاف من قتلتهم في 23 عامًا. أما الجرحى، فقد بلغ عددهم حوالي 90 ألف جريح، إلى جانب المفقودين والذين مازالوا تحت مخلفات الركام إلى يومنا هذا.
إن وصف ما يحدث لحقوق الإنسان في غزة بأنه إهدارٌ للحقوق، وليس مجرّد مساسٍ بها أو انتهاك لها، إنما تبررّه حالة الاعتداء المُتعمّد والممنهج والجسيم الذي يرتكب من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الأستاذ عبدالسلام غالب العامري – كاتب و شاعر، عضو الهيئة الثقافية اليمنية.
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً