بقلم الدكتور محمد عياش*
تقول القصة عبر التاريخ الحديث إنّ جيشاً يتمتّع بكامل الأخلاق، لا يهزم أبداً أو يتفوق على جيوشٍ تحيطُ به عدّة وعتاداً، ومدعوما من أعتى القوى العالمية وعلى رأسها الثلاثي الاستعماري الكلاسيكي الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، وإنه، أي الجيش، يعتبر إكسير الديمقراطية في المنطقة وواضعها وضابط إيقاعها، وينظر قادته للأعداء بأنهم حيوانات بشرية عند محاولتهم رفع الظلم أو فكّ الحصار الذي يفرضه الجيش الحضاري، الذي يطلق الرصاص الحنون على مقاوميه.
طبعاً هذه المقدمة من وجهة النظر الصهيونية، وبالتالي ليس هناك أي من هذا على الإطلاق، فرئيس الوزراء الصهيوني (بنيامين نتنياهو) يقرأ من الأسفار عن العماليق ووجوب قتلهم مع بهائمهم وأطفالهم وشيوخهم ونسائهم، وحتى إخراج الأرض التي يسكنونها عن العطاء.
ولأن إسرائيل عاشت أكثر من خمسة وسبعين عاماً زوراً وبهتاناً كادت أن تصدق أنها دولة من دول العالم، وعليها أن تبحث عن جذور قافزة فوق الحقائق والقوانين الدولية التي تحاصرها من كل جانب ناهيك عن الصداع المزمن لها متمثلاً بالمقاومة الفلسطينية الباسلة التي لا تكل ولا تمل.
إن السابع من أكتوبر/تشرين الأول، قضى على هيبة الكيان الصهيوني، ناسفاً كل المزاعم والخرافات التي يتشدّق بها، واعتبر هذا اليوم هو يوم تخلّي الرب عنهم، وبالتالي لا مفرّ من حتمية الزوال التي تقضّ مضاجعهم، فبغير السلاح النووي لا يمكن إعادة ما فقدوه في ذلك اليوم والقول لوزير التراث الصهيوني (عميحاي إلياهو).
في قوانين المحاكم تتردد عبارة مفادها: الجزاء من جنس العمل. يعني ذلك بما أن حركة حماس قضت على إسرائيل وأفقدتها هيبتها وعرّتها أمام العالم، أخذت على عاتقها القضاء عليها مهما كلّفها ذلك من ثمن، ونتنياهو حذّر الأوربيين بأن عواصمهم ستتعرض لمثل ما تعرضت له في حال انتصرت حماس في المعركة.. فالمجازر المروّعة التي ترتكب بحق أهلنا في قطاع غزة شاهد على تحقيق الهدف المزعوم.
لا أحد يستطيع التكهّن بما ستجري به المقادير، والتركيز على اليوم التالي بعد الحرب (بروباغندا) قديمة تستخدمها الآلة الإعلامية الصهيونية لتثبيط الهمم عند الشباب المقاوم. حماس ترى في هذه المعركة فرصة تاريخية لانتزاع الحقوق، وهي مستعدة لدفع الثمن.
العدو الصهيوني يرى أن الاستمرار في الحرب واقتلاع حماس والقضاء على قادتها هو السبيل الوحيد الذي يجلب الأمن والاستقرار، فالتصريحات النارية تتصاعد بهذا الاتجاه والدعم الأمريكي كذلك، أما التدقيق في مستوى الأهداف والتصريحات للمسؤولين الأمريكيين والصهاينة، يؤكد صعوبة الوضع بسبب الصمود الأسطوري وعدد القتلى من الضباط والجنود الصهاينة، والغليان الشعبي في معظم البلدان الأوروبية والعربية والإسلامية والتخوف من اتساع رقعة الحرب.
في ظل هذه الجلبة الدولية تبقى الحقيقة بعيدة عن متناول الساسة والمحللين، الحقيقة التي تقول لماذا يطول هذا الصراع بالرغم من وجود اتفاقات وقرارات دولية تمنح الشعب العربي الفلسطيني حقوقه المغتصبة؟ والجواب يأتي بالاستراتيجية الصهيونية التي تقول: لا شيء مقابل لا شيء، واعتبار كل فلسطين من النهر إلى البحر دولة يهودية، وعلى العرب عموماً والفلسطينيين خصوصاً الاعتراف بذلك، وبالتالي لا مكان للفلسطينيين على هذه الأرض.
إذ إنّ المشروع الصهيوني ليس فلسطين فحسب، بل هناك أراضٍ في بعض الدول العربية.. فوزير المالية المتطرف (يتسلائيل سموتريتش) كثيراً ما يعرض الخريطة التي يجب أن تكون عليها دولة الكيان الغاصب؛ فـ
(غولدامائير) وقفت يوماً عند نقطة إيلات وقالت:” إني أشم رائحة أجدادي في يثرب”. وهناك الكثير من الأمثلة والتصريحات التي تؤكد النيات والأهداف النهائية للمشروع الصهيوني لا يمكن حصرها أوعدّها.
المشهد معقّد ويزداد تعقيدا مع مرور الوقت، فإسرائيل أخذت الضوء الأخضر من واشنطن بقتل الكثير من الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، وهناك ما وراء الأكمة ما وراءها من مفاوضات وتكتيكات للمرحلة المقبلة رشح منها على سبيل المثال لا الحصر؛ الطلب من يحيى السنوار مع محمد الضيف قائد كتائب القسام الخروج من القطاع كشرط لوقف إطلاق النار.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الدكتور محمد عياش – كاتب وباحث سياسي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً