بقلم الدكتور نجم الدليمي*
المطلب السادس – الكراهية والتآمر – الدليل والبرهان
إن الغرب الإمبريالي بزعامة الإمبريالية الاميركية قد أدرك حقيقة موضوعية وهي أنهم لن يستطيعوا القضاء على الاتحاد السوفيتي لا بالحصار الاقتصادي ولا بالحرب العسكرية، ومن هذه الحقيقة أدركوا أيضاً أنه لا بدّ من اختراق قيادة الحزب الشيوعي السوفيتي والسلطة السوفيتية بهدف تكوين شبكة من المتعاونين والليبراليين المتطرفين والإصلاحيين المتوحشين، المستعدّين لتنفيذ المخطط المرسوم لهم. مما يؤسف له حقاً أنّهم وجدوا ضالّتهم في غورباتشوف وفريقه المرتد في الفترة 1985-1991، وعبر ما يسمى بالبيريسترويكا سيئة الصيت، شكلاً ومضموناً، نجحوا في تفكيك الاتحاد السوفيتي.
لم يكن التآمر الغربي على الاتحاد السوفيتي وليد الصدفة، بل ناصب الغرب الرأسمالي العَداء لروسيا القيصرية قبل ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى، واتّسمت هذه المرحلة بطابع التنافس بين العالم الرأسمالي من جهة وروسيا القيصرية من جهة أخرى، بالرغم من أن روسيا القيصرية كانت أضعف حلقة في سلسلة النظام الراسمالي حينذاك. كان التنافس وقتها يدور بشكل أساسي حول التوسّع في النفوذ والسيطرة على الثروات. بعد ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى، وفي الفترة 1917-1991، ناصب الغرب الإمبريالي بزعامة الإمبريالية الأميركية وحلفائها العَداء للشعب السوفيتي وللسلطة السوفيتية وللاتحاد السوفيتي. اتّسمت هذه المرحلة بطابع الصراع الطبقي والإيديولوجي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي بين الغرب الامبريالي من جهة والاتحاد السوفيتي من جهة أخرى.
أقدم الغرب الإمبريالي على إشعال الحرب الأهلية في الفترة 1918-1922، بهدف دعم قوى الثورة المضادّة وبالتالي تقويض ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى. شارك في هذا الدعم اللامشروع نحو 14 دولة إمبريالية، على رأسها كانت بريطانيا وفرنسا وألمانيا واليابان والولايات المتحدة، بالمال والسلاح، وفشلوا في تحقيق هدفهم.
بعد ذلك أشعلت النازية الألمانية اللقيطة والوريث الشرعي للنظام الإمبريالي العالمي حربها غير العادلة ضد الشعب السوفيتي وضد ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى في الفترة 1941-1945، وهي الحرب الوطنية العظمى. حقق الشعب السوفيتي النصر الكبير على النازية وتم سحقها في عقر دارها وكان ثمن الانتصار باهظاً من الناحية البشرية، وهو ما بين 27-30 مليون شهيد، ناهيك عن الخراب والدمار الاقتصادي والاجتماعي للشعب السوفيتي.
لقد أشعلت لندن وواشنطن حربها الجديدة ضد الشعب السوفيتي والاتحاد السوفيتي تحت غطاء ما يسمّى بالحرب الباردة في الفترة 1946-1991. شملت هذه الحرب غير العادلة مختلف المجالات، وبلغت تكاليف هذه الحرب بين 13-15 ترليون دولار أمريكي، كانت حصة الأسد فيها للولايات المتحدة الأمريكية. كان الهدف الرئيس لهذه الحرب إضعاف ومن ثم تفكيك الاتحاد السوفيتي، لكنهم فشلوا في سعيهم اللامشروع. نجحوا في هذا السعي عن طريق غورباتشوف وفريقه المرتد، الذين أبدَوا استعدادهم لتنفيذ مشروع الحكومة العالمية، التي تهدف إلى تفكيك الاتحاد السوفيتي، وتم لهم ذلك بين عامي 1985-1991.
دور الخصوم الإيديولوجيين في تفكيك الاتحاد السوفيتي
1-آلان دالاس: في عام 1946، وضع دالاس رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية خطة لتفكيك الاتحاد السوفيتي، ووضع لها سقفاً زمنياً حوالي 50 سنة، أي المدة 1946-1996. ساعد غورباتشوف دالاس في اختصار زمن تنفيذ هذه الخطة اللامشروعة، بذلك يكون غورباتشوف قد نفّذ رغبة هتلر ودالاس في تفكيك الاتحاد السوفيتي في عام 1991. قال دالاس: (سنسخّر كل طاقاتنا وإمكانياتنا من مال وذهب من أجل أن نزرع في الاتحاد السوفيتي الفوضى وعدم الاستقرار ومن دون أن يشعر أحد بها. سوف نستبدل قيمهم الحميدة والإنسانية بقيم مزيّفة ونجبرهم على تبني هذه القيم والإيمان بها. كما سنجد لنا حلفاء وشركاء في الرأي ومساعدين لنا في روسيا. سنبذل كل الجهود ونستخدم كل الطرق لإثارة ما يسمى بالفنانين الذين سيعملون على نشر وغرس عبادة الجنس والعنف والخيانة؛ قصارى الكلام، نشر كل انواع الفساد. سنعمل على خلق الضغينة دون أن يشعر بها أحد، ولكن سيكون عملنا فعالاً ونشطاً وسيساعد على طغيان الموظفين والمرتشين والانتهازين والبيروقراطيين. سيصبح الشرفاء موضع سخرية واستهزاء الجميع، سنجعلهم جزءاً من الماضي، وستنتشر النذاله والوقاحة والكذب والإدمان على الكحول وتعاطي المخدرات والعيش مع البعض الآخر في حالة رعب وخشية دائمتين).
وقال أيضاً: (سنزرع الخيانة والتطاحن والعداوة والكراهية والضغينة وخاصة بالضد من الشعب الروسي؛ كل هذا سنزرعه ونرسخه بحذاقة وذكاء دون أن يشعر أحد به) [1].
2-ريغان: وهو أول من أطلق على الاتحاد السوفيتي عبارة (امبراطورية الشر) في (توجيهه الرئاسي رقم 59 لسنة 1980)، والذي صار معروفاً في العالم أجمع. في هذا التوجيه صيغ هدف الولايات المتحدة الأمريكية بمزيد من الصراحة: القضاء على الاشتراكية كنظام اجتماعي / سياسي. قرر ريغان صراحةً أن الولايات المتحدة هي من يجب أن يبدأ الحرب النووية، والتفوق على الاتحاد السوفيتي في هذه الحرب لكي تتمكن من إنهائها بشروط مفيدة لها، وبالتالي تحطيم الاتحاد السوفيتي وتدمير اقتصاده وتصفية العقيدة الشيوعية، أو وفق تعبيره: شطب الشيوعية بوصفها فصلاً مؤسفاً غير طبيعي في تاريخ البشرية [2].
3-نيكسون، قال الرئيس الأميركي نيكسون: (من أجل المساعدة في إبادة الاتحاد السوفيتي ينبغي أن نقترب منه، لأنه إذا ابتعدنا عنه سوف يضعف موقف مؤيدينا داخل المجتمع السوفيتي) [3].
4-كينيدي، اعترف الرئيس الاميركي جون كينيدي في عام 1960 أن: (الروس -ويقصد شعوب الاتحاد السوفيتي- كانوا متقدمين على أميركا في مجال الفضاء وأن نموّهم الاقتصادي كان أسرع) [4].
5-بيل كلينتون، أكد كلينتون أنّ :(الحرب التي بدأناها في عام 1944 انتهت في عام 1991 بتفكيك الاتحاد السوفيتي) [5].
6-هنري كيسنجر، أكّد كيسنجر أنّ: (تفكيك الاتحاد السوفيتي يُعتبر بلا شك حدثاً هاماً في العصر الحديث، وقد أظهرت إدارة الرئيس الأميركي بوش الأب في مقاربتها لهذه المشكلة قدرتها ومهارتها الفنية العجيبة في تحقيق هذا الهدف.) [6].
7-بريجنسكي، قال بريجنسكي: (قام النظام العالمي الجديد بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية ضد روسيا وعلى حساب روسيا ومن أجل تحطيم وتفكيك روسيا) [7].
8-أكد بريجنسكي أيضاً أن :(روسيا بلد زائد ويجب أن تُقسّم إلى 7 جمهوريات)، بنفس الوقت أكد كيسنجر أنه يفضل الفوضى والحرب الأهلية على عدم قيام روسيا قوية ومركزية [8].
9-آلان دالاس، أكد دالاس رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية السابق: (ينبغي أن يتم تركيع الشعب السوفيتي على رجليه، لأنه شعب يعتز بكرامته وعزته) [9].
إنّ ما تم ذكره أعلاه وغيره الكثير يعبر دون أدنى شك عن الحقد والكراهية من قبل قادة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها تجاه الشعب السوفيتي والاتحاد السوفيتي وثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى؛ لأن الاتحاد السوفيتي كان يشكل لهم الخصم الأول والرئيس في الميدان الإيديولوجي والاقتصادي والسياسي، والنموذج الحي والملموس الذي هدد
و يهدد نظامهم المأزوم بنيوياً. لذلك نلاحظ أنهم رسموا خططاً لامشروعة بالاعتماد على بعض المتعاونين ضد الشعب والفكر والحزب بهدف نسفه من الداخل، كان في مقدمة هؤلاء ميخائيل غورباتشوف وفريقه المرتد من أمثال ياكوفلييف و شيفيرنادزة و يلتسين و كرافتشوك.
يتبع …
= = = = =
*الدكتور نجم الدليمي – باحث وأستاذ جامعي متقاعد.
1-أوليغ بلاتونوف، روسيا تحت القبضة الماسونية، موسكو، سنة 2000 ص 7-8، باللغة الروسية.
أنظر أيضاً: د. نجم الدليمي، دور قوي الثالوث العالمي في تفكيك الاتحاد السوفيتي، دار أمجد للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، عمان، الأردن، سنة 2017، ص27-28.
2-من أين ينبع الخطر على السلام، موسكو، سنة 1987، ص23.
3-مجلة حوار الفكر، فصلية تصدر عن المعهد العراقي لحوار الفكر، العدد 32، السنة 2015، ص180.
4-د. نجم الدليمي، دور قوي الثالوث العالمي، مصدر سابق، ص 154.
5-جريدة برافدا – روسيا، العدد 23، في 9-15/6/2005، باللغة الروسية.
6-جريدة روسيا السوفيتية، 13/10/2005، باللغة الروسية.
7-جريدة باتريوت، العدد 28، تموز، سنة 2005، باللغة الروسية.
8-جريدة البرافدا، 15-16/3/2005، باللغة الروسية.
9-الجريدة الاقتصادية العدد 5، تشرين الأول، السنة 2005، باللغة الروسية.
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً.