بقلم الدكتور نجم الدليمي*
المطلب الثالث: أهمية ومغزى تأسيس الاتحاد السوفيتي
إن تأسيس اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية (الاتحاد السوفيتي)، يعد مأثرة ونتيجة كبيرة من مآثر ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى، ولولا أكتوبر لما تأسس الاتحاد السوفيتي. عكس هذا التأسيس الجديد ولادة أول دولة في التاريخ، أول دولة من طراز جديد، وهي دولة العمال والفلاحين والمثقفين، وتم تأسيس الاتحاد السوفيتي على الأرض الروسية بعد ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى.
في 30/12/1922، تم تأسيس الاتحاد السوفيتي وفي المؤتمر الأول لنوّاب الشعب السوفيتي اتُّخِذَ قرار بإعلان معاهدة تأسيس اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية وصوّت على هذا القرار الهام والتاريخي نحو 2215 عضواً. في البدء، شملت المعاهدة كلاً من روسيا السوفيتية وأوكرانيا وبيلاروسيا والقوقاز. يُعدُّ تأسيس اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية حدثاً تاريخياً هاماً في بداية القرن العشرين، لا يختلف عن حدث قيام ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى وأهميتها.
في 30/12/2022، حلّت الذكرى الـ 100 لتأسيس الاتحاد السوفيتي ولهذه الذكرى مغزى وأهمية كبيرة، وهي تحمل طابعاً وطنياً وأممياً، محلياً ودولياً في آن واحد. أثار هذا التأسيس الحقد والكراهية عند القوى الرجعية والفاشية والرأسمالية في آن واحد ضد الاتحاد السوفيتي. في هذه المناسبة الوطنية والأممية احتفلت غالبية الأحزاب الشيوعية واليسارية العالمية؛ فهي مناسبة عظيمة في التاريخ الحديث. وفي هذا الخصوص قدّمت كتلة الشيوعيين الروس في مجلس الدوما الروسي (البرلمان) مقترحاً بضرورة الاحتفال رسمياً، إلا أن هذا المقترح قد رُفِض من قبل كتلة الحزب الحاكم في البرلمان الروسي، حزب روسيا الموحدة، وأيّده حلفاؤه في البرلمان الروسي.
أشار ديمتري بيسكوف السكرتير الصحفي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين للصحفيين بأن الكرملين لن يحتفل بالذكرى المئوية لتأسيس الاتحاد السوفيتي، وأن الكرملين لا يعلم باحتفالية الحزب الشيوعي الروسي بالذكرى الـ 100 لتأسيس الاتحاد السوفيتي. كما أنه خاطب الصحفيين قائلاً: لأول مرة أسمع عن الموضوع؟
فهل هذا معقول؟
وأشار بيسكوف أن الاتحاد السوفيتي يشكل جزءاً من تاريخ البلاد وكرّر ما قاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول الاتحاد السوفيتي: (من لا يأسف على تفكيك الاتحاد السوفيتي لا قلب له، ومن يريد إعادة بنائه بشكله السابق لا عقل له). (انظر جريدة روسيا السوفيتية في عددها الصادر بتاريخ 20/12/2022 باللغة الروسية).
وفي هذا السياق، عبّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إذ قال: إن تفكيك الاتحاد السوفيتي قد شكّل أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين بالنسبة للشعب الروسي، فقد أصبح دراما حقيقية.
في المؤتمر الأول للسوفيات تمّ إقرار إعلان الاتحاد السوفيتي وفي المؤتمر الثاني تمّ إقرار الدستور السوفيتي
في كانون الثاني 1924، وفي عام 1924 انضمت إلى الاتحاد السوفيتي أوزبكستان وتركمنستان وقرقيزيا، وفي عام 1929 انضمت جمهورية طاجيكستان، وفي الفترة 3-6/8/1940 تم إقرار انضمام جمهوريات البلطيق إلى الاتحاد السوفيتي وهي إستونيا وليتوانيا ولاتفيا.
لقد تم تأسيس الاتحاد السوفيتي على أساس مبدأ حق المساواة بين الجمهوريات، وحق تقرير المصير؛ بما في ذلك حق الانفصال وفق الدستور الاشتراكي السوفيتي و وفق مبدأ الطوعية والديمقراطية. كما أنّ جميع قوميات الاتحاد السوفيتي تتمتع بحريّة التطور، واحترام قوانين وتقاليد هذه القوميات. كما أنه لابدّ من العمل على تحقيق العدالة الاجتماعية للمواطنين السوفييت وضمان حقوقهم كافة دون تمييز؛ ومنها على سبيل المثال: حق العمل للمواطن ومجانيّة التعليم والعلاج والسكن … الخ. كان النظام السياسي في الاتحاد السوفيتي نظاماً برلمانياً / فيدرالياً، يتم انتخاب البرلمان كل 4 سنوات، كما أنّه يتم تشكيل أعضاء البرلمان السوفيتي من مختلف القوميات والفئات الاجتماعية. تمثل النظام الفيدرالي في الاتحاد السوفيتي في تأسيس اتحاد الجمهوريات الاشتراكية.
لقد تأسس الاتحاد السوفيتي على الاستثمار الأمثل للقوى العاملة ورأس المال، لما يخدم مصالح الشعب السوفيتي، ويتم ذلك وفق خطة علمية مدروسة من أجل تحقيق التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وتعزيز القدرة العسكرية للمجتمع السوفيتي.
يعتبر النظام الفيدرالي مقبولاً وناجحاً، ولكن ذلك يتطلب مقوماتٍ وشروطاً رئيسية، منها على سبيل المثال:
1-وجود سلطة مركزية قوية وعادلة ومنتخبة،
2-وجود حزب سياسي يقود السلطة والمجتمع وفق أسس نظرية علمية، وهي النظرية الماركسية- اللينينية،
و الاتحاد السوفيتي هو نموذج حي وملموس على ذلك في الفترة 1922-1984 مثلاً،
3-العمل وبشكل جاد على دمقرطة المجتمع، أي تعميق الديمقراطية الشعبية وفق كل مرحلة من مراحل التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي،
4-وجود الوعي الوطني والطبقي الملتزم في المجتمع، فهذا يساعد على تعزيز الوحدة الوطنية والوحدة الاجتماعية
و الاقتصادية و الثقافية و الأمنية و العسكرية في المجتمع،
5-وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، دون تمييز، بشرط أن يكون مخلصاً وكفؤاً ونزيهاً، ويمتلك الاختصاص والمبدئية في العمل، ويشعر بالمسؤولية الأدبية والأخلاقية تجاه الشعب.
وهذه الشروط توفرت في الاتحاد السوفيتي في الفترة 1922-1984.
نعتقد أن الإخلال بالشروط المذكورة أعلاه سيؤدي إلى تعريض النظام الفيدرالي إلى انتكاسات خطيرة. والدليل ما حدث للاتحاد السوفيتي خلال المدة 1985-1991، وهي فترة ما يسمى بالبيرويسترويكا الغورباتشوفية سيّئة الصيت في شكلها ومضمونها. تم إثارة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والقومية و و و و، و تم إضعاف الحلقة المركزية وهي الحزب الشيوعي السوفيتي بشكل مقصود من خلال إلغاء المادة 8 من الدستور السوفيتي، والتي نصّت على أن الحزب الشيوعي السوفيتي يقود السلطة والمجتمع السوفيتي. وفي الوقت نفسه سادت الفوضى في السلطة التنفيذية والتشريعية، وعمت في البلاد الفوضى وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني.
يعود السبب الرئيس في ذلك إلى ممارسات بعض أعضاء قيادة الحزب الشيوعي السوفيتي، وخاصة غورباتشوف وفريقه: ياكوفلييف و شيفيرنادزة و يلتسين و كرافتشوك و أرباتوف و بوبوف و كوزيروف و بوربوليس وغيرهم.
كما أن العامل الخارجي لعب دوراً فاعلاً، وكان بمثابة المنظّم والموجّه للعامل الداخلي، من أجل تنفيذ مشروع الحكومة العالمية، بهدف تفكيك الاتحاد السوفيتي.
يعود السبب الرئيس لانتكاسة الاتحاد السوفيتي إلى أن الحزب الشيوعي السوفيتي كان حزباً مريضاً، خاصةً بعد المؤتمر العشرين للحزب عام 1956. ونعتقد بأن خرشوف قد لعب الدور الرئيس في وضع بذور تفكيك الاتحاد السوفيتي، وأكمل غورباتشوف وفريقه المهمة. وكان هذا كله بغية تنفيذ مشروع الحكومة العالمية ومشروع قوى الثالوث العالمي وحلفائهم في دول المركز والأطراف.
يتبع …
= = = = =
*الدكتور نجم الدليمي – باحث وأستاذ جامعي متقاعد.
1-د. نجم الدليمي، دور قوى الثالوث العالمي في تفكيك الاتحاد السوفيتي، دار أمجد للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، عمان، الأردن، 2017.
2-جريدة البرافدا، الأعداد: 5/11/2021، 14-23/12/2022، 15-16/12/2022، 22/12/2022، باللغة الروسية.
3-جريدة روسيا السوفيتية، الأعداد: 13/12/2022، 15/12/2022، 20/12/2022، باللغة الروسية.
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً.