بقلم الأستاذ عباس الزيدي*
أولاً – الأهداف العامة:
بعيداً عن الشرعية والقانون الدولي احتلّت القوات الأمريكية جزءاً من الأراضي السورية كما فعلت في غزو العراق حيث حاولت إعادة تموضعها وانتشارها وتحالفاتها في كثير من مناطق العالم وركّزت على غرب آسيا (الشرق الأوسط) لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية:
1-استباق حالة التآكل الكبير الذي تتعرّض له في ميزان القوى العالمية والبقاء على رأس النظام العالمي كقطب أوحد.
2-السيطرة و نهب خيرات المنطقة ومواردها النفطية والطبيعية.
3-المحافظة على أمن إسرائيل واندماجها في المنطقة.
حتى هذه اللحظة، ورغم إمكانياتها وقدراتها العالية والفتن التي تنشرها وإرهابها الذي تدعمه وحروبها، لم تحقق أياً من أهدافها.
ثلاثة آلاف جنديّ أو أكثر مع قوات مناوبة أخرى يضاف إليهم أعداد من المرتزقة وعناصر من تنظيم داعش الإرهابي مع بعض الانفصاليين. تتمركز تلك القوات في (24) قاعدةً عسكريّةً مع أربع نقاط تواجد، أغلبها يقع في مناطق الحسكة ودير الزور وريف دمشق. حرصت الولايات المتحدة أن يكون لها أكبر قاعدة في البادية السورية، وهي قاعدة التّنف، التي تقع على الحدود المشتركة لكلٍّ من العراق والأردن وسورية.
ثانياً – الأهداف الخاصة:
من منظور عسكري، فإنّ لعملية بناء قواعد أمريكية في سورية أبعاد وأهداف متعددة، منها:
1- مواجهة خصومها في المنطقة، وهم الصين وروسيا وإيران.
2-الضغط والابتزاز اللذان تمارسهما واشنطن على أصدقائها أو أعدائها على حدّ سواء.
3-تحقيق المهام والواجبات الموكلة إليها والتنسيق المشترك مع قوات الناتو.
4-القيام ببعض المهمات الخاصة في المنطقة، المرتبطة بالقيادة الأمريكية المركزية في الشرق.
5-أهداف تتعلق بحسابات عسكرية خاصة مرتبطة بالحرب الحالية في أوكرانيا.
6-أهداف لها علاقة بتركيا والجرف القاري والشريط الساحلي للأبيض المتوسط حتى مضيق جبل طارق، وأيضا يتعلق بحركة الملاحة والقواعد الصينية والروسية في قناة السويس والبحر الأحمر وباب المندب، وأيضاً أهداف ترتبط بإسرائيل، مع العلم أنّ درجة الاهتمام تختلف بين الطرفين.
7-أهداف محددة و حصرية، تتعلق بالعراق وسورية والأردن تارةً، و ببلدان محور المقاومة تارةً أخرى.
8-أهداف تتعلق بالجمهورية العربية السورية حصراً.
ثالثاً- (منضدة الرمل) الواقع العسكري كما هو على الأرض:
إلى جانب الجيش العربي السوري، تنتشر قوات أجنبية صديقة، تلك التي جاءت بدعوة رسمية من القيادة السورية، والتي صوّت لها الشعب السوري من خلال ممثليه في مجلس الشعب. دافعت القوات الصديقة عن سورية وشعبها، وقدّم أبناء محور المقاومة كوكبة كبيرة من الشهداء، انطلاقاً من الثوابت التي يحملها أبناء المقاومة دفاعاً عن قضاياهم المركزية، وهذا ليس مِنّة منهم على سورية العزيزة علينا جميعاً.
تتواجد أيضاً في سورية قوات أجنبية غازية، منها أمريكية وأخرى تركية وثالثة تتمثّل بما يسمّى قوى التّحالف الدولي، وهناك مجاميع من المرتزقة الأجانب والمنظمات الإرهابية المدعومة من قوى الاستكبار والصهيونية العالمية.
يمكن تسجيل الملاحظات التالية حول مناطق انتشار قوات الاحتلال في سورية:
1-ركّزت على المناطق الغنيّة بالنفط والغاز والموارد الطبيعية والزراعية، ولا بدّ من الإشارة في هذا السياق إلى أن عمليات السّلب والنّهب والسرقة الأمريكية لخيرات الشعب السوري لم تترك شيئاً، حتى قوت الشعب السوري بما في ذلك القمح والحبوب، وسط حصار اقتصادي خانق وظالم.
2-حرصت على أن تؤسس أكثر من رأس جسر بين قواعدها ونقاط انتشارها بهدف تعزيز التواصل بينها.
3-قامت بقطع حركة المواصلات والاتصال بين قوات الجيش السوري من جهة، وبينه وبين القوات الصديقة من جهة أخرى، خاصةً القوات الروسية.
4-وضعت ضمن أولوياتها إدامة خط الدعم لقواتها المنتشرة في الإقليم؛ من مخفر جريشان في الكويت إلى قاعدة عين الأسد غرب العراق وصولاً إلى قاعدة التنف في سورية، ومن ثم إلى سائر قواعدها هناك. علاوة على ذلك، تحقيق التواصل بين قواتها في سوريا مع قواعدها في أربيل في كردستان-العراق.
5-تحولت هذه القواعد إلى مراكز تدريب ودعم للعناصر الداعشية، بهدف تسهيل عملياتهم الإرهابية في العراق وسورية من خلال الدعم اللوجستي و الاستخباراتي.
6-قامت بإنشاء أكثر من معسكر للمدنيين، وهي اليوم تقوم بتدريب الكثير منهم و إرسالهم للقتال في أوكرانيا، أو إلى أي بلد يعارض سياساتها الهمجية والتوسعية.
7-وضعت في حساباتها تأمين بديل للدعم الطارئ والفوري، متمثلاً بالأردن المجاورة للعراق وسورية من خلال الموانئ والمطارات الأردنية.
8-تحاول رسم خط تماس مع الحدود التركية، من التنف السوري مروراً بدير الزور و صعوداً حتى الحسكة. ستحاول الولايات المتحدة تنفيذ مخططاتها، في خط التماس هذا، على مرحلتين:
الأولى-السيطرة على المقطع الطولي الأول. وبالتالي:
آ-إغلاق الحدود بالكامل مع العراق.
ب-السيطرة غير المباشرة على منفذ سنجار العراقي، لأهداف استراتيجية، بغية الضغط على تركيا وروسيا
والصين، و أخرى للضغط على العراق.
د-فتح مساحة أكبر لمناوراتها وخياراتها في مراحل لاحقة، من أخطرها التقدم للسيطرة على شرق الفرات بالكامل وصولاً إلى الرقة، وسيترافق هذا التحرك مع تمدّد المنظمات الإرهابية المدعومة أمريكيّاً من منبج وعين العرب مروراً ببحيرة الأسد ليلتقي الاثنان في الرقة.
الثانية-السيطرة على المقطع الطولي الثاني:
وهو متعدد المحاور، يمتد المحور الأول من الرقة أو الطبقة إلى السخنة باتّجاه التنف. يمتد الآخر من السفيرة باتجاه التنف، إذ يعززه التواجد الإرهابي في تدمر. أما المحور الثالث فيمتد من عفرين و إدلب باتجاه حلب. بهذه الطريقة ستتم محاصرة القوات النظامية المتمركزة في مناطق برية بين شريطين:
الشريط الأول: ويمتد من خان شيخون أو معرة النعمان، مروراً بحماة وصولاً إلى حمص ودمشق وريفها المتاخم للأردن.
الشريط الثاني: وهو الشريط الساحلي الممتد من جنوب اللاذقية إلى طرطوس.
9-بعد أن تحاصر قوات الاحتلال الأمريكي القوات السورية في حيّز محدود المساحة وتسيطر على أغلب مناطق شرق سورية، ستقوم بتحريك المرتزقة نحو حماة وحمص وصولاً إلى الساحل البحري والعاصمة دمشق وريفها.
تحتاج الخطة الصهيو-أمريكية إلى:
1- تنسيق عالي الدرجة والمصداقية بين واشنطن وتركيا، وهذا يتقاطع مع مشاريع التهدئة وخفض التصعيد والمصالحة وبنود صيغة آستانة والإتفاقات الثلاثية بين روسيا وتركيا وإيران.
2- التبنّي الأمريكي للتنظيمات والفصائل المدعومة من تركيا، أي تحويل ولاء هذه التنظيمات، عن طريق استمالة تركيا، في حال عدم موافقة الأخيرة على الخطة الأمريكية. لذلك قد تتضمن هذه الخطة منح تركيا بعض الأجزاء من الجرف القاري على البحر الأبيص المتوسط، و إذا تطلب الأمر منح تركيا بعض المدن العراقية، كما فعلت بريطانيا في ثلاثينات القرن الماضي.
3- عدم تعرض قوات الاحتلال الأمريكي لأي من القوات الصديقة، الإيرانية أو الروسية. وبذلك ستقوم بتنفيذ مخططها بالأسلوب السابق ذاته؛ إذ ستدفع بقوى الإرهاب للسيطرة على بعض المناطق، ومن ثم تنشر قواعدها في تلك المناطق تحت ذريعة حماية الديمقراطية.
يتطلب تنفيذ هذه الخطة سيلاً من الفصائل والتنظيمات الإرهابية، وربما تتعاقد واشنطن مع شركات مرتزقة خاصة لهذا الغرض، كما أنه يوجد سقف زمني كبير لتنفيذها، إلا أنها منخفضة الكلفة فيما لو كان التنفيذ من قبل قوات الاحتلال الأمريكي بصورة مباشرة. وفي الحالتين ستكون درجة المجازفة كبيرة جداً، وستكون عواقبها وخيمةً، ولن تنحصر ضمن المنطقة، بل سينعكس ذلك على مستوى العالم كله. ستتحول هذه الخطة إلى ورقة ضغط على المصالح الصينية و الروسية، ولا يُستبعَد استخدام الأسلحة النووية.
رابعاً-العقد المهمة والمفصلية في المنطقة:
بالدرجة الأولى هي دير الزور، وبالدرجة الثانية حلب، لذلك يجب التركيز عليهما من قبل الجيش العربي السوري والأصدقاء، وخاصةً دير الزور.
خامساً-الخلاصة:
بعد هذا الاستعراض، يتبين أن الولايات المتحدة لن تدخل في معركة مباشرة، لعلمها بأنها ستنكسر وستنهزم. هذا إضافةً، إلى وضعها الاقتصادي الداخلي المأزوم، وتراجع بعض الحلفاء عن دعمها؛ لذلك فقد تذهب واشنطن إلى الخطة باء، والتي تتلخص بالسيناريو التالي:
1-التحكم بقواعد الاشتباك بشكل يضمن لها عدم الدخول في مواجهة مباشرة، ويتم ذلك بإدارة الأحداث بحيث لا تخرج عن السيطرة.
2-إشعال الحروب بالوكالة أو عن طريق المؤامرات والقرارات الجائرة.
3-الانسحاب من سورية بعد تنفيذها لمشاريعها فيها، بحيث يتم تسليم بعض أجزائها للجماعات الإرهابية، كما فعلت في أفغانستان.
4-تشكيل بعض المناطق المضطربة والرمادية، وهي: أوكرانيا، أوروبا، أفغانستان، بلاد الشام والعراق.
5-بعد سلسلة من عمليات الاستنزاف والاضطراب سوف تتدخل الولايات المتحدة في اللحظة المناسبة، معلنةً الحرب، كما فعلت في الحرب العالمية الثانية، لكي تتربع على رأس النظام العالمي.
لذلك، لا بد من طرح السؤال الهام التالي: هل ستقف الدول التي تستهدفها الولايات المتحدة مكتوفة الأيدي أمام المؤامرات الأمريكية؟
نعتقد أن الجواب لا، وهذا ما سيكشفه قادم الأيام، فانتظروا إنّا معكم من المنتظرين!
= = = = =
*الأستاذ عباس الزيدي – باحث سياسي و خبير إستراتيجي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً