بقلم الأستاذ عباس الزيدي*
شكّلت عملية طوفان الأقصى مفاجأة كبرى وأثبتت الفشل الاستخباري بأنواعه لعموم المعسكر الغربي وبالخصوص المعسكر الصهيو-أمريكي وأحرجت الكثير وكشفت النقاب عن مشاريعَ ظلاميّةٍ تتجاوز خطورتها مساحة غزة الصغيرة لتكون معادلاً لمشاريع اقتصادية وسياسية وعسكرية تتعدّى المنطقة بل يتحدّد بموجبها شكل النظام العالمي.
الفشل والهزيمة الصهيو-أمريكية لا يمكن تقديرهما وقد أعلن الطرفان عن أهدافهما بدايةَ العدوان في القضاء على حماس وإنهاء ملف غزة بالتهجير القسري؛ حيث دخلت واشنطن بثقلها في المواجهة ولازالت تدير المعركة وتقدّم الإسناد والدعم هي ومن تحالف معها للكيان الغاصب.
هناك أسباب فرضها الواقع على معسكر الشر، حاول من خلالها التحكم بقواعد الاشتباك لأنّ الضرر كبير ومن أهم تلك الأسباب ما يلي:
1- عدم الانشغال عن روسيا والحرب في أوكرانيا.
2- عدم خلق أزمة طاقة وقود مع قدوم الشتاء.
3- تجنّب اتساع رقعة الحرب إلى إقليمية.
4- تجنّب الخسائر والكلف العالية للحرب وتحقيق أهدافها بخسائر أقل.
5- امتصاص نقمة الرأي العالمي حول جرائم الإبادة الصهيو-أمريكية في غزة وعموم فلسطين.
6- حرص واشنطن على عدم الإضرار في صفوف حلفائها في المنطقة وعموم الغرب.
7- محاولتها التفرّد بعنصري المفاجأة والمباغتة وتحقيق الرّدع منخفض الكلفة.
8- تجنّب وحدة الساحات عالي الكلفة.
وعلى ضوء ما تقدّم فهي تحاول ضبط إيقاع المعارك وفق رؤيتها مع عدم تخليها عن دعم إسرائيل مهما كان الجنون الذي ترتكبه، وهذا يتطلّب الانفراد بدول محور المقاومة وتكسيرها على انفراد بصورة متوالية.
على ضوء ما تقدّم، يمكن التوصل إلى السيناريو الإجمالي والعام، وبالتالي:
أولاً- الضغط على دول محور المقاومة كل بحسبه من خلال قرارات الحصار والأزمات وإثارة الفتن والحروب الداخلية والأهلية عن طريق العملاء والوكلاء.
ثانياً- الدخول في بعض الأحيان في مفاوضات ومساومات واستخدام سياسة الترهيب والترغيب.
ثالثاً- استدراج بعض الفصائل ومنحها طعم الحكم والسلطة.
رابعاً- إحياء وإعادة الديكتاتورية ومحاربة الآليات الديمقراطية وهذا سيحصل في العراق وليبيا… الخ.
خامساً- تشكيل تحالف عسكري عربي (ناتو عربي) بزعامة السعودية ينخرط بصورة انسيابية مع التحالف الغربي الصهيو-أمريكي.
سادساً- يحصل ذلك بعد تصفية فصائل المقاومة تباعاً وليس بالجملة.
سابعاً- بعد القضاء على أهم مرتكزات المحور المقاوم يقوم الناتو العسكري العربي بزعامة السعودية بشنّ عدوان ضدّ الجمهورية الإسلامية بمشاركة قوى الاستكبار العالمي.
ثامناً- هذا السيناريو بحاجة إلى سقف زمني لا يقلّ عن نصف سنة على أقل تقدير.
ما تقدّم بحاجة إلى تفكيك لعدة سيناريوهات أو مراحل وصفحات، منها:
1- غزة: الاستمرار في سيناريو المعارك وإعلان الهدنة وهكذا يستمر السيناريو ما بين المعارك والتوقفات لفترة لا تقل عن أربعة أشهر أو يزيد حتى تهلك غزة وسط الجنون والتوحّش والقتل والإبادة وتدمير المؤسسات والحصار والجوع وبالتالي يكون التهجيرُ القسري وهروب أهليها أمراً واقعاً؛ إلى دول الجوار إلى كلٍّ من مصر والأردن في المرحلة الأولى ثم ليتم توزيعهم فيما بعد على دول أخرى.
2- لبنان: الحصار والحرب الأهلية وتحريك العملاء والوكلاء ومنهم النازحين السوريين.
3- اليمن: عودة عملاء تحالف العدوان السعودي الإماراتي بمعارك ضد أنصار الله دون دخول كل من السعودية والإمارات بصورة مباشرة كسابق عهدهما.
4- سوريا: الاستمرار في القصف وعمليات الاستهداف الصهيو-أمريكي مع دعم كبير لكل من قسد وداعش لمواصلة الأعمال الإرهابية، ومنح تركيا ضوءاً أمريكياً أخضرَ لمزيد من التوغّل داخل الأراضي السورية.
5- العراق: منح حكومة السيد السوداني فترة نصف سنة منقسمة الى مرحلتين:
في الأشهر الثلاثة الأولى يحصل ما يلي:
1- مفاوضات غير مباشرة بين فصائل المقاومة وبين الاحتلال الأمريكي بوساطة الحكومة العراقية، هدفها تحييد فصائل المقاومة العراقية وتصفية الحشد الشعبي من خلال الدمج.
2- المضي قدماً في إقامة انتخابات مجالس المحافظات مع قلاقل مسيطر عليها.
3- تقديم دعم أمريكي محدود للحكومة العراقية إذا ما نجحت تلك المفاوضات، وفي حالة عدم نجاح تلك المفاوضات فإن الأشهر الثلاثة التالية ستكون عسيرة كما يلي:
1- إثارة الأزمات والفتن وتعطيل الحياة والعبث الأمني والاقتصادي والسياسي… الخ.
2- عودة النباح الانفصالي المشترك بين بعض القوى الكردية وقسم من المناطق الغربية.
3- خروج مظاهرات وجيوش إلكترونية وإعلام أصفر وعملاء وظهور واضح لزبانية البعث المحظور بدعم أمريكي وعربي وغربي والمطالبة بإقامة انتخابات مبكرة.
4- هجمات وعودة النشاط الإرهابي الداعشي.
5- توغّل تركي كبير في الأراضي العراقية.
6- هناك سيناريو ثالث أشد سوداويةً يتمثّل بالانقلاب أو العصيان والتمرّد العسكري وهذا مرهون بحسابات لدى قوى العدوان من أخطرها:
آ-توقّع قوى العدوان وفاة خيمة العراق في تلك الفترة-لا سمح الله-المرجع الأعلى السيد السيستاني، أطال الله عمره، مع وجود شخصية طامحة للتصدي لعدة أدوار منها المرجعية والقيادة السياسية والزعامة الوطنية والقومية.
ب- انزلاق الأحداث إلى مخاطر حرب عالمية ثالثة تجعل أمريكا تحسم أمرها في توجيه ضربات إلى عموم محور المقاومة في المنطقة.
7- في كل الأحوال إنّ التربية والتاريخ الجهادي للسيد السوداني وعهد العراقيين به يفرض عليه عدم الانجرار واتّخاذ مواقفَ غيرِ وطنيةٍ وشرعيةٍ وسيكون أمام خيار التّنحي شأنه شأن السيد عادل عبد المهدي.
8- يصار إلى تشكيل حكومة انتقالية تحت زعامة شيعية كضد نوعي لقوى الإطار على أن تبقى في السلطة بشرط قضائها على بقايا قوى الإطار قياداتٍ وأحزاباً وكوادرَ وجمهوراً.
9- إذا لم تقم بذلك فإن بديلها هو المسموم الكاظمي ليكمل بقية السيناريو المعروف.
من المؤكد أنّ هناك جاهزيةً كبرى لبلدان محور المقاومة وأحداثاً جانبيّة ومفاجآتٍ وتدخّلاتٍ إقليميةً وعالميةً ولطفاً إلهياً كبيراً سيحول دون تحقيق ذلك وإفشال مخططات العدو.
هذا ما نتوقّعه بإيجاز بسيط فانتظروا إني معكم من المنتظرين!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الأستاذ عباس الزيدي – باحث سياسي و خبير إستراتيجي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً