بقلم الدكتور محمدعياش*
هول وفظاعة المناظر التي نراها من قطاع غزة، وحجم الدمار لكل ما يمتُّ للإنسان بصلةٍ، وعن الأرقام الضخمة من الشهداء والجرحى والمفقودين.. بعد أن تضع الحرب أوزارها، واستخدام أسلحة فاقت القنبلتين، على مدينة هيروشيما وناغازاكي في اليابان، والتدمير الممنهج (السجادي) فاق مداه الأفلام التجارية التدميرية ومخيلاتها.
يقف المرء حائراً مستفسراً أمام هذه الأرقام والمعطيات يا ترى لماذا كل هذا الحقد والكراهية، ولماذا «دولة» أنشئت بقرار أممي ظالم أن تفعل ما تريد، والويل والثبور لكل من يحاول أن ينتقد الإجرام والتوحش الصهيوني، ولماذا أكبر دولة في العالم كالولايات المتحدة الأمريكية تجيز السلوك الصهيوني، وتدافع عنه في أروقة المجالس الدولية وهي التي حمته بالمئات من الفيتوات؟
«إسرائيل» مسحت غزة عن وجه الأرض تقريباً، وغذّت وأشبعت رغباتها بالتدمير والتوحش مستندة إلى العصور الوسطى، وهي التي تتمنى أن تنتقل إلى باطن الأرض وتستأصل جذوة المقاومة، حتى تعيش بسلام وطمأنينة غير آبهةٍ بمصير الشعب العربي الفلسطيني.
مبادرة الرئيس الأمريكي جو بايدن المؤلفة من ثلاث مراحل ماهي إلا فخ ملبّس بالذهب. ورؤية جاءت بعد نفاد المهل التي أعطيت للكيان لتصفية المقاومة وتدميرها بشكل كامل، الأمر الذي يجعل قطاع غزة آمناً وخارجاً عن دائرة الخطر على الكيان الصهيوني.
فضح بايدن بنيامين نتنياهو، عندما قال إن المبادرة إسرائيلية، وبادر لإعلانها على الفور معتقداً أن المعضلة كلها وجلّها تقع على عاتق الحركة الإسلامية حماس، ليصدم بعد ذلك من نكوص الكيان الصهيوني ووصفه لمبادرته بـ(غير الدقيقة) وفيها تفاصيل لم يعلن عنها بعد.
الحقيقة الكاملة أن الولايات المتحدة وإسرائيل تكذبان على بعضهما البعض، وذلك من خلال الفهم العميق لإدارة المعركة الخاسرة منذ السابع من أكتوبر، واشنطن دائماً تذكّر إسرائيل أنْ ليس من مصلحتها القضاء على المقاومة في غزة، لأنهما معاً معنيّتان بالاستحقاقات الدولية والموقعة، وما منع تنفيذها التحجج بالراديكالية الفلسطينية التي لا يمكن لواشنطن ولا لإسرائيل التصالح معها.
المبادرة الخادعة والملغّمة، واضحة بخطوطها العريضة عندما قال بايدن إن مبادرته من مصلحة جميع الأطراف. هل حركة حماس طرف تعترف بها واشنطن؟ أم هناك ما وراء الأكمة ما وراءها. المبادرة تذكرني بقصة الثعلب الذي قرر أن يحج وذهب للخراف في الحقول مخاطباً فيهم أنه ترك سوءته وهجماته ضدهم وأنه ينوي الحج والتوبة. لذا قرر أن يعزمهم على حمّام القرية للاستحمام والتطهر من الذنوب فوافق كبير الخراف وأقنع القطيع بالذهاب مع الثعلب إلى الحمام. وبدأت الخرفان تتلاعب بالماء ويظهر من تحت صوفها اللحم والدهن, والثعلب الماكر من كثرة اللعب بالماء جاع وبدأت مصارينه تزقزق جوعاً فصرخ بالخراف ليش الغبرة فقال له الكبش الله يحفظك من وين الغبار ونحن بالحمام فقفز الثعلب وأكل الكبش وأكمل على القطيع نهشاً وعضاً.
واشنطن وإسرائيل لا يمكن أن تغفر للمقاومة يوم الملحمة التاريخية في السابع من أكتوبر، هذا اليوم الذي أعاد للمسلمين والعرب على وجه الخصوص الثقة والقدرة على مقارعة الكيان الصهيوني والقضاء عليه للأبد.
لو كانت النيات سليمة، فهي سهلة و لا تحتاج لمبادرة بالأساس فقط تعلن إسرائيل انسحابها الكامل من قطاع غزة، وبقية الأمور تسير بسلاسة لأني أجزم أن الأخوة في المقاومة كلمتهم أصدق من الكرة الأرضية والأفلاك المجاورة.
القدس الشريف هو بالمهداف الصهيوني، لذا لا تريد إسرائيل التنازل وهي مصّرة على المضي قدماً بالاقتحامات للقدس الشريف وإخراجه نهائياً من الحساب الإسلامي والعربي، وحتى كتابة هذه الكلمات هناك اقتحام الآلاف من الصهاينة المتشددين لباحة الأقصى ما تسمى مسيرة الأعلام، ومن كان يهدد ويعاقب على هذا التدنيس هم المقاومة في غزة التي لديها صواريخ تصل القدس الشريف وآخر نقطة يتواجد عليها الكيان الصهيوني.
باختصار غير مخل، على الأخوة في المقاومة ألا ينخدعوا بالمبادرات الأمريكية، ماهي إلا مكيدة ماكرة تصب في مصلحة الكيان الصهيوني، وما النصر إلا صبر ساعة، الكيان الصهيوني يتألم وينزف دمعاً ودماً وحالة الاستنكار الدولي لجرائمه تتسع وتزيد وبالتالي الصبر الصبر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الدكتور محمد عياش – كاتب وباحث سياسي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً