بقلم الأستاذ سفيان حشيفة*
تعمل الجمهورية العربية السورية بفعاليّة على تعزيز علاقاتها السياسية والاقتصادية والأمنية مع الدول العربية والإسلامية، بعد سنوات من الجفاء والقطيعة بسبب تداعيات عشريّة الحرب الأهلية، والتدخلات الغربية في الشأن السوري الداخلي والإقليمــي.
النشاط الدبلوماسي السوري الحالي في المنطقة العربية، أتى تتويجاً لقرار عودة دمشق لشغل مقعدها في الجامعة العربية ربيع العام 2023م، واستئناف مشاركة وفودها في اجتماعاتها، إثر غياب دام أكثر من 12 عاماً، وفرض عقوبات أمريكية غربية غير شرعية على الدولة السورية أدّت إلى إنهاك قوامها ومؤسساتها وتعطيل نموها الإقتصادي والتنموي.
وفي هذا الشأن، ناقش وزير الصناعة السوري الدكتور عبد القادر جوخدار، مؤخراً، مع السفير الجزائري في دمشق كمال بوشامة، سبل تطوير وتعزيز علاقات التعاون بين سورية والجزائر في المجال الصناعي، بحسب ما أوضحت وكالة الأنباء السورية “سانا.”
ووفقاً للمصدر، فقد تناول الاجتماع مسائلَ التعاون في قطاع الصناعات النسيجية والهندسية والغذائية، وآليات متابعة تفعيل مذكرة التفاهم الموقّعة بين الجانبين في مجال المواصفات والمقاييس والاستفادة من الإمكانات المتاحة لتحسين الإنتاجية.
كما استعرض الوزير جوخدار فرص التعاون والاستثمار للطرفين، وآليات تبادل الخبرات بين الشركات الصناعية في البلدين الشقيقين، مثمناً وقوف الجزائر قيادةً وشعباً إلى جانب سورية وشعبها، أما السفير بوشامة فأكد على أهمية تطوير آليات التعاون المشترك وتعزيز العلاقات بين الدولتين، مُبدياً ثقته بإمكانية خلق فرص عديدة من خلال تطوير الرؤى المشتركة والفعالة في المجالات كافة، مثلما أضافت “سانا”.
وفُهم من كلام الوزيرين وجود رغبة حقيقية في تمتين العلاقات بين البلدين المتوسطيين في شتى المجالات والميادين، بما يخدم مصالح الطرفين ويدفع نحو تطوير القطاعات المشمولة بإتفاقيات التعاون مثل صناعة النسيج.
وبما أن دولة سورية كانت رائدة في مجال الغزل والنسيج عربياً ودولياً، وتعرّضت هذه الشعبة للانحصار نتيجة الأزمة الداخلية في البلاد والعقوبات الأمريكوأوربية، يبدو أن جهود السلطات مُنْكبَّة فعلاً على النهوض بها من جديد، من خلال البحث في مسائل الاستثمار فيها مع دول أخرى عربية وأجنبية.
ولتحييد صناعة الغزل والنسيج عن العقوبات المفروضة حريٌّ بالدولة السورية البحث عن منافذَ آمنةٍ لاستنهاضها وتطويرها، حتى لا تُواجه مرة أخرى مصير العشرية السابقة، وتكون في منأى عن الضغوطات الاقتصادية والمآرب الغربية.
في الواقع، تتمتع الجزائر بالسيادية واستقلالية القرار السياسي والاقتصادي، ولا تقبل إملاءاتٍ خارجيةً ولا تخضع لمساومات من أي جهة كانت، وتتوافر فيها عوامل طبيعية ولوجستيكية هامة لاحتضان مشاريع سورية، والنأي بها عن معضلة العقوبات الغربية؛ ذلك أنها بلد فلاحي بإمتياز وبوابة إستراتيجية للقارة الإفريقية، فضلاً عن كون علاقتها بسورية قوية ووثيقة جداً حتى إبّان الأزمة متعددة الأطراف داخلياً وخارجياً.
ويمكن في هذا الخصوص الاستفادة من العلاقات الوطيدة التي تجمع البلدين الشقيقين، وتوطين استثمارات سورية داخل الجزائر في إطار قانون الاستثمار الجديد الذي أصدرته وطبقته في الميدان سنة 2022م، ووفق قاعدة رابح -رابح التي صارت تُهيْكِلُ العملية الاستثمارية فيها، بغية حماية المنتوج السوري من الضغوطات الأمريكوأوربية، وإتاحة فرص تصديره إلى عمق القارة الإفريقية في وقتٍ لاحقٍ.
هذا وتعد الجزائر من بين الدول العربية والإسلامية التي رفضت قطع علاقاتها مع السلطة السورية بداية الأزمة الداخلية سنة 2011م، ونافحت من أجل وحدة وسلامة أراضيها وعودتها إلى محيطها العربي والإقليمي، وساهمت بجهودها الدبلوماسية في عودة سورية لِتشغل مقعدها في جامعة الدولة العربية عام 2023م.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الأستاذ سفيان حشيفة – صحفي وكاتب سياسي جزائري
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً