بقلم الأستاذ سفيان حشيفة*
أظهر الاقتصاد الروسي مرونة على التكيف ومطاوعة الظروف المعقدة الناتجة عن فرض العقوبات الغربية غير القانونية الأوسع عليه، وتَمَكَّن من التعافي من تداعياتها السلبية تدريجيًا، مخالفًا بذلك توقعات مراكز الدراسات الاقتصادية والمؤسسات المالية في الغرب.
يُؤكد خبراء في الشؤون الإستراتيجية والسياسية، أن الاقتصاد الروسي صمد أمام حزمة العقوبات غير المسبوقة، التي نُفِّذت عليه على خلفية العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، وحقق نموًا في مقابل ذلك بعد إجراءات ناجعة اتخذتها الحكومة الروسية لمواجهة الآثار السلبية المُترتِّبة عن التصرفات الرعناء لأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
مؤشرات خضراء
قال الباحث السياسي الجزائري، عزيز فيرم، أن رزمة العقوبات المفروضة على روسيا منذ بداية الأزمة في أوكرانيا، خيّبت الآمال الغربية الرسميّة وحتى الشعبيّة، ويبدو أنها أضرّت بالأطراف الصّادرة عنها أكثر من إلحاقها الأذى بالجهة المسلّطة عليها، وهو ما أظهرته أرقام نمو الإقتصادي الروسي ومؤشراته الإيجابية والخضراء باعتراف صندوق النقد الدولي.
وأوضح عزيز فيرم لمركز الأبحاث والدراسات “جي أس أم”، أن الغرب فشل في القضاء على “الروبل” الروسي كعملة فاعلة، ولم تُجدِ محاولته عزل روسيا وتقويض تجارتها نفعًا، بل عززت موسكو من مكانتها في الإقتصاد الدولي بشكل لافتٍ، ووجدت ملاذات وبدائل أفضل وأكثر موثوقية في أسواق آسيا خاصّة في الصّين والهند.
وتابع الباحث ذاته بأن روسيا استفادت بالفعل من خبراتها في التعامل مع العقوبات المُسلَّطة عليها إثر ضمّها لشبه جزيرة القرم سنة 2014، بدليل ارتفاع صادراتها الخارجية من 494 مليار دولار إلى 532 مليار دولار حسب منظمة التجارة العالميّة -منظمة غربيّة-.
ويُلاحظ أن صادرات روسيا نحو دولتي الهند والصين قد تضاعفت وتطورت مساراتها، وتحولتا إلى سوق بديل بفوائد أكبر للسلع الروسية، ويحرص الكرملين في هذا الوقت بالذّات على إنعاش بأعلى وتيرة للاقتصاد قبل انتخابات الرئاسة في مارس من العام الجاري، بالرغم من تمادي الولايات المتحدة الأمريكية في ضرب موسكو بسلاح العقوبات غير القانونية واستعمال أوروبا وأوكرانيا كعصا من خلال ذلك، مثلما أضاف المصدر.
خبرات ومكتسبات
بالحديث عن أسباب قوّة الاقتصاد الرّوسي رغم العقوبات المسلطة عليه، أبرز عزيز فيرم، وجود عدّة عوامل مساهمة مثل وجود أسواق بديلة للأسواق الغربيّة في آسيا وإفريقيا، وكذا صلابة الروبل بمساواته حوالي 90 للدولار الواحد، واعتمادها في نقل صادراتها على أسطولها الضخم من الناقلات النفطية والتجارية المُؤمَّنة، ووفرة الموارد والمعادن الهامة داخليًا، وصولاً إلى التكيّف مع تلك العقوبات والاعتماد على المنتوج المحلي والاستغناء عن الإستيراد، بالإضافة إلى انتهاج سياسة التمويل الذاتي للمشاريع المختلفة بفضل تواصل تدفق العملة الصعبة وقوة القطاع المصرفي والسياسات النقديّة للبنك المركزي الروسي.
ووفقًا للأستاذ فيرم، يُمكن لدول العالم العربي والإسلامي الاستفادة من مكتسبات الإقتصاد الروسي وأسلوبه في التعامل مع العقوبات الغربية، حتى تستطيع بشكل استباقي مواجهة أيّ عقوبات محتملة من طرف جهات معادية مثلما حدث مع العراق وسوريا وإيران، لكن هذا الأمر يحتاج إلى كثير من العوامل المجتمعة السياسية والإقتصادية والثقافية والإجتماعية والعسكريّة حتى تعمل بشكل متناسق لصدّ العقوبات بمختلف أشكالها.
شراكات مُثمرة
من جهته، أكد الخبير في الشؤون الإستراتيجية والأمنية من دولة السودان، الدكتور عماد الدين حسين بحر الدين، في تصريح لمركز الأبحاث والدراسات “جي أس أم”، أن الدول العربية والإفريقية قادرة على محاكاة النموذج الإقتصادي الروسي الذي نجح في مواجهة سيل العقوبات الغربية والإستفادة من تجاربه.
وأشار الدكتور عماد الدين إلى أن تمتين العلاقات الروسية الإفريقية يساعد دول القارة السمراء على تقوية اقتصادياتها، كما أن استحضار التجربة الإقتصادية الروسية بعد دراستها بعمق سيُودّي إلى تعزيز أفاق العلاقات التجارية معها.
وتابع الخبير السوداني بأن نمو وازدهار العلاقات الروسية الإفريقية دافعه سلوك الكرملين القائم على مفهوم الشراكات الجديدة والمنفعة المشتركة وتشابك وتبادل المصالح بين الدول، وهو ما جعل النفوذ الفرنسي القديم يتراجع ويتقهقر في المنطقة بسبب نهجه الإستعماري.
في ظل هذه الظروف، وجد الاتحاد الأوروبي وحلفائه الغربيين نفسهم في مأزق شديد بسبب محاولتهم عزل روسيا وتدمير اقتصادها وحضارتها، واتضح أن اقتصادياتهم-أي أوروبا وأمريكا- أوهن من بيت العنكبوت ولا يستطيعون العيش والنمو من دون روسيا العُظمى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الأستاذ سفيان حشيفة – صحفي وكاتب سياسي جزائري
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً