بقلم الدكتور آصف ملحم*
قبل كل شيء، لا بد من التنويه إلى أنه من الصعب جداً الحصول على معلومات دقيقة عن الواقع الحالي لصناعة التعدين في أوكرانيا نظراً لظروف الحرب، كما أن معظم مصانع التعدين تقع شرق وجنوب-شرق أوكرانيا حيث تدور المعارك.
1-مصانع الصلب والتعدين في أوكرانيا
تعتبر الصناعات التعدينية من الصناعات المتطورة في أوكرانيا؛ وهذا في الحقيقة مرتبط بمجموعة من الخصائص التي تميزت بها أوكرانيا عن غيرها من الدول، أهمها:
-وجود احتياطي كبير من مناجم المواد الخام، كمناجم الحديد و المنغنيز وفحم الكوك.
-التوضع الجغرافي المناسب بالقرب من الأسواق العالمية.
-وجود شبكة سكك حديدية تسهل عمليات الشحن والنقل.
-المستوى العلمي-الفني المتقدم للكوادر الأوكرانية في مجال هندسة المعادن.
تقدر بعض المصادر أنه يوجد في أوكرانيا:
19 منشأة تعدينية كبيرة ومتوسطة الحجم ذات دورة كاملة enterprises of complete cycle.
12 منشأة لإنتاج الأنابيب المعدنية.
20 منشأة لإنتاج الخردوات المعدنية (البراغي والعزقات وما شابه).
و وفق مصادر أخرى، متخصصة بالاقتصاد الصناعي، يوجد في أوكرانيا:
15 مصنعاً لصناعة المعادن السوداء (الحديد والصلب).
6 مصنعاً لصناعة المعادن الملونة (غير الحديدية).
15 مصنعاً لصناعة مختلف المنتجات المعدنية.
معظم هذه المنشآت يتوضع في مقاطعات: لوغانسك، دونيتسك، زاباروجيا، دنيبروبتروفسك، نيكولاييف، في أماكن قريبة من مرافئ البحر الأسود.
كانت تشكل الصناعات التعدينية ثمن الناتج المحلي الإجمالي في أوكرانيا، ولكن بسبب ظروف الحرب انخفض انتاج أوكرانيا من المنتجات المعدنية في عام 2022 بحوالي 5 مرات مقارنة مع عام 2021.
في أوكرانيا السوفيتية بلغ الانتاج في الأعوام الأخيرة قبل انهيار الاتحاد السوفيتي ما بين 53-57 مليون طن من الفولاذ. و في بعض الأعوام، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، كانت أوكرانيا تشكل واحدة من أكبر خمسة دول منتجة للفولاذ في العالم. تصدر أوكرانيا حوالي 75% من منتجاتها الفولاذية إلى الدول الأخرى.
وفق تقديرات عام 2001، كان يعمل في مجال الصناعات المعدنية في أوكرانيا حوالي 533 ألف موظف، يتوزعون كمايلي:
216100 شخصاً في مجال صناعة الحديد والصلب.
46300 شخصاً في مجال صناعة المعادن الملونة.
26200 شخصاً في مجال صناعة فحم الكوك.
40500 شخصاً في مجال صناعة الأنابيت.
97000 شخصاً في مناجم التعدين.
12400 شخصاً في صناعة السبائك والخلائط الحديدية.
14100 شخصاً في صناعة الخردوات المعدنية
في عام 2010، بلغ عدد العاملين في حقل صناعات المعادن في أوكرانيا 320700 عاملاً، يتوزعون كمايلي:
265400 عاملاً في الصناعات التعدينية.
55300 عاملاً في مناجم تعدين الحديد.
في عام 2020، انخفض عدد العاملين في حقل صناعات المعادن في أوكرانيا إلى 161400 عاملاً، يتوزعون كمايلي:
116700 عاملاً في الصناعات التعدينية.
44700 عاملاً في مناجم تعدين الحديد.
في نهاية عام 2021، تؤكد بعض التقديرات أن عدد العاملين في هذا القطاع حوالي 165700 عاملاً.
يربط الكثيرون هذا الانخفاض في عدد العاملين بتحديث هذه الصناعة وعمليات التحول الرقمي لصناعة المعادن، الأمر الذي أدى إلى الاستغناء عن اليد العاملة.
في باخموت (أرتيومفسك) يوجد منطقة صناعية، تضم المصانع التالية:
مصنع آزوم للمعادن الملونة
مصنع بروم ماش للآلات
مصنع فيستيك للآلات
مصنع للآلات الكهربائية (أو الإلكتروتكنيكي)
مصنع للشمبانيا
2-مصنع آزوم
الإسم الكامل لهذا المصنع: مصنع آرتيوموفسك لمعالجة المعادن الملونة.
تأسس في عام 1954، وهو أكبر المنشآت الصناعية المعدنية في أوكرانيا، ومن أكبر مصانع المعادن الملونة في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق والدول المجاورة. آزوم من أوائل الشركات في أوكرانيا التي حصلت على شهادة دولية لنظام ضمان الجودة، ومنذ عام 1994 تم إدراجه في السجل الدولي لمصنعي المعادن الملونة.
يصل الإنتاج التسلسلي للمصنع إلى أكثر من 1000 منتجاً من خلائط معدنية مختلفة يصل عددها إلى 100 خليطة من معادن النحاس والزنك و النيكل.
أهم المنتجات: الشرائط، الصفائح، الألواح، الأسلاك، القضبان، الزوايا، الأنابيب المجوفة والمستديرة، الأذرع وغيرها.
لهذا المصنع أهمية رمزية ومعنوية بالنسبة لكييف؛ فالرئيس الأوكراني وقف فيه بتاريخ 20 ديسمبر الماضي وكرّم المقاتلين الأوكرانيين، فظهر في تلك اللحظات بمظهر البطل الذي حقق انتصاراً كبيراً على روسيا. و بالتالي خسارته تشكل ضربة قاصمة لسمعة ومكانة الرئيس زيلينسكي أمام الرأي العام الأوكراني والدولي.
بالنسبة لروسيا، شكل هذا المصنع حصناً منيعاً أمام القوات الروسية، إذ تمكنت القوات الأوكرانية من الاختباء بداخله والتحصن جيداً وهذا ما أعطاها قدرة كبيرة على المناورة والمقاومة أمام الهجوم الروسي.
يذكرنا مصنع آزوم بمصنع آزوف ستال، والرئيس بوتين نفسه وقتها أعطى أمراً بعدم اقتحام المصنع نظراً للكلفة البشرية التي قد تتكبدها.
علاوة على ذلك، فإن روسيا ستسيطر على المنتجات المعدنية الموجودة في مستودعات المصنع، وبالتالي ستشكل رافداً للاقتصاد الروسي، والأمر نفسه حصل في مصنع آزوف ستال.
3-مصنع فيستيك
تأسس في عام 1904
مساحته 371 ألف متر مربع
يتضمن 11 ورشة
يعمل فيه 1100 موظف
يصنع: إلكترودات اللحام عالية الجودة، السلاسل المستديرة عالية الصلابة، مسامير البناء، الأسلاك، أدوات التعدين، أدوات الخراطة، المعاول، الكاشطات، المجارف … الخ
يصدر منتجاته إلى العديد من دول العالم، أهمها:
كازاخستانـ أوزبكستان، رومانيا، ملدوفا، تركمنستان، فرنسا، ألمانيا، بولونيا، ليتوانيا، صربيا، إيطاليا، إستونيا، فيتنام، تركيا، هولندا، بلغارياـ مقدونيا.
4-ماذا بعد اقتحام فاغنر لآزوم؟
نعتقد أن قوات فاغنر ستتابع تنظيف مدينة باخموت (أرتيومفسك) بالكامل من القوات الأوكرانية.
الحقيقة أنه يوجد فقط ثلاث طرق لإمداد القوات الأوكرانية الموجودة داخل مدينة باخموت (أرتيومفسك):
-طريق باخموت (أرتيومفسك)-كونستانتينفكا، جنوب-غرب باخموت (أرتيومفسك)، تحاول قوات فاغنر قطعه في قرية إيفانوفسكا.
-الطريق الدولي M03، الذي يمتد من باخموت (أرتيومفسك) باتجاه خاركوف ومن ثم كييف، شمال-غرب باخموت (أرتيومفسك)، تحاول قوات فاغنر قطعه في قرية أرييخفا-فاسيلوفكا.
-السكة الحديدية المنطلقة بالاتجاه الجنوبي الغربي نحو مدينة تشيسوف يار، وتحاول قوات باخموت (أرتيومفسك) قطعها قرب قرية بوغدانوفكا.
في هذه المناطق الثلاث، تدور معارك شرسة جداً بين قوات فاغنر والقوات الأوكرانية، و إذا تمكنت القوات الروسية من قطعها، فستتم محاصرة القوات الموجودة داخل باخموت (أرتيومفسك) و أسرها جميعاً، والقوات الأوكرانية التي تريد الانسحاب باتجاه غرب المدينة فإن آلياتها العسكرية ستغرق في الأراضي الزراعية الموحلة؛ فجميعنا يعلم أنه في فصل آذار تذوب الثلوج في هذه المناطق وتهطل الأمطار وتصبح الأراضي موحلة، ويصعب على المدرعات الحركة، وتتحول إلى أهداف ثابتة.
ينبع الإصرار الروسي، وبالتحديد قوات فاغنر، على خوض معركة باخموت (أرتيومفسك) لسببين:
-استنزاف القوات الأوكرانية وتكبيدها خسائر كبيرة في العتاد والجنود، وبالتالي إضعافها قبل معركة الربيع المرتقبة؛ إذ تنوي القوات الأوكرانية الهجوم على شبه جزيرة القرم بين شهري مايو و يونيو. وفي هذا السياق يجدر أن نذكر بما كتبته صحيفة نيويورك تايمز البارحة، 16 آذار 2023: (الجانب الأوكراني يستهلك كميات كبيرة من الذخائر ويخسر الجنود ذوي الخبرة في باخموت (أرتيومفسك)، وهذا يشكل خطراً على المعارك المستقبلية).
-فتح الطريق باتجاه مدينتي كراماتورسك وسلافيانسك، وبالتالي استكمال السيطرة على دونيتسك.
الأخبار المؤكدة (ومن مصادر موثوقة) أنه حقيقة تمت السيطرة على 70 % من مدينة باخموت (أرتيومفسك).
ما زال القتال مستمر في المنطقة الصناعية وقوات فاغنر سيطرت على مجموعة من الأبنية في هذه المنطقة، هناك خلاف في المصادر حول عدد الأبنية التي سيطرت عليها قوات فاغنر.
قوات فاغنر تهاجم أيضاً من الشمال والجنوب وتكاد تحكم الطوق حول القوات الأوكرانية الموجودة داخل المدينة، المسافة بين القوات الروسية المهاجمة من الشمال والجنوب أصبحت تقريباً 2 كيلومتر فقط.
القوات الأوكرانية تقاوم بشراسة كبيرة، ولكن الإمدادات تكاد تقطع عنها تماماً.
هناك بعض المصادر تؤكد أن هناك قتال شرس في جنوب المدينة بالقرب من شارعي تشايكوفسكي و كورسونسكي.
= = = = =
*الدكتور المهندس آصف ملحم – مدير مركز جي اس ام للأبحاث والدراسات.
ملاحظة: من يرغب بالاطلاع على المراجع التي حصلنا منها على البيانات، يمكنه مراسلة المركز للحصول عليها.
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً