بقلم الدكتور نجم الدليمي*
من المعلوم أنّ الدولار الأمريكي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية أصبح العملة الرئيسة في التبادل التجاري بين الدول حتى عام 1970، لأنه كان مرتبطاً بالذهب عند الإصدار النقدي للدولار. بعد عام 1971 تمّ التخلي عن التعامل بقاعدة الذهب المعمول بها سابقاً؛ إذ يتم طبع الورقة الخضراء بدون غطاء، بخلاف القوانين الاقتصادية والمالية للإصدارات النقدية. قيمة الدولار الأمريكي الحقيقية تساوي 3 سنتات لا أكثر، أما الـ 97 سنتاً الباقية فهي ورق عادي. لكن قوة الدولار الأمريكي مرتبطة ببيع النفط بالدولار حتى نهاية العام 2022، وكذلك القوة العسكرية، لأن الولايات المتحدة الأمريكية فرضته بالقوة العسكرية بشكل مباشر أو غير مباشر. بلغ إجمالي ديون الولايات المتحدة الأميركية أرقاماً خيالية في السنوات الأخيرة.
يبرز السؤال:
لماذا تخلت الولايات المتحدة عن نظام قاعدة الذهب الدولية؟
يعرف الاقتصاديون والسياسيون والماليون أن عدم الالتزام بقاعدة الذهب يعود لعدة أسباب، منها:
-إشعال الحروب غير العادلة ضد الشعوب،
-الهيمنة على شعوب العالم بأساليب عديدة،
-الاستثمارات المحلية والخارجية الكبيرة،
و غيرها من الأسباب…
يتطلب توسيع هيمنة الولايات المتحدة على دول العالم إصداراً نقدياً جديداً وفق قاعدة الذهب، كما يتطلب كمية من الذهب تعادل كمية الاصدار النقدي الجديد، وهذا غير متوفر لدى الولايات المتحدة الأمريكية. لذلك تخلت الولايات المتحدة عن قاعدة الذهب، و هي أول دولة تخرق هذه القاعدة في النظام النقدي العالمي.
بسبب ذلك وغيره من الأسباب، بدأت الرأسمالية تتحول، خاصة منذ أواسط السبعينيات من القرن الماضي، من نظام إنتاجية لخلق الإنتاج المادي، إلى نظام خدمي بامتياز. وهذ يعني التحول من خلق الانتاج المادي، كالصناعة و الزراعة، نحو القطاع الخدمي بالدرجة الأولى. يدل على ذلك أن مساهمة القطاعات الاقتصادية الانتاجية في الناتج المحلي الإجمالي الأميركي ما بين 15-18 بالمئة فقط. لأن الهدف الرئيسي للرأسمالية تحقيق أكبر مقدار من الربح. فرأس المال ليس لديه وطن محدد؛ فوطنه لين، يهاجر خارج حدود الولايات المتحدة حيث يمكنه أن يحقق أرباحاً كبيرة.
نعتقد، ليس للدولار الأمريكي مستقبل على الصعيد الدولي خلال الـ 50 سنة القادمة، ويعود ذلك للأسباب التالية:
-بعد عام 2022 بدأ العديد من الدول الكبرى بالتعامل فيما بينها بالعملات الوطنية تحديداً، وهذا سيشكل إضعافاً تدريجياً للدولار الاميركي في عملية التبادل التجاري بين الدول.
-بدأ الكثير من الدول ببيع النفط و الغاز بالعملات الوطنية، أو بعملة اليوان الصيني، وهذا عامل آخر لإضعاف مكانة الدولار الأميركي عالمياً.
-فقدان الثقة من قبل غالبية الدول بالدولار الأمريكي، خاصة بعد تجميد ومصادرة الأموال المودعة في البنوك الأمريكية، كأموال روسيا الاتحادية و إيران و فنزويلا … الخ.
نعتقد، وفق هذه المعطيات، وغيرها، كبدء ظهور نظام التعددية القطبية وضعف نظام القطب الواحد، وتطور بريكس كمنظمة دولية؛ فبريكس تضم حوالي نصف سكان العالم (46% من سكان العالم)، وهي قابلة للتوسع الجغرافي لتشمل عدداً أكبر من دول العالم، في حين أن عدد سكان دول العالم الرأسمالي لا يتجاوز المليار نسمة، وهو عالم غير مستقر من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعسكرية، أن يتراجع الدولار بشكل كبير بحلول عام 2050، لتحل محله عملات جديدة. و المستقبل القريب سيكشف لنا مفاجآت أخرى كثيرة!
= = = = =
*الدكتور نجم الدليمي – باحث وأستاذ جامعي متقاعد
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً