بقلم الدكتور أحمد سيد داود*
مازالت الثانوية العامة مصدراً لقلق الأسرة المصريّة، مازالت عبئاً ثقيلاً على أبناء الشعب المصري مادياً ومعنوياً – ففي ضوء عدم استقرار منظومة التعليم الجديدة فى تلك المرحلة وعدم وضوح الشكل النهائي لها بالنسبة للتلاميذ هل ستكون تراكمية المجموع أم لا؟ هل سيتم إلغاء التشعيب أم سيظل التشعيب وما الجدوى من إلغائه؟ هل ستكون الامتحانات إلكترونية أم ستظل ورقية؟ هل ستستمر المدارس فى السنة الثالثة خالية من الطلاب؟ ولمَ لا تلبّي الثانوية العامة مطالب المستقبل التكنولوجية؟ ولماذا لا يوجد فيها تخصصات تؤهل بدقة لوظائف المستقبل من مبرمجين ومتخصصين فى الذكاء الاصطناعي أو متخصصين فى العلوم البيئية (الهيدروجين الأخضرـ والكهرباء)؟ هل وجود المدراس التكنولوجية بديلاً ملائماً للثانوية العامة؟ هل التطوير فى قطاع التعليم الفني قادر على استقطاب التلاميذ المتفوقين بديلاً عن الثانوية العامة؟
معظم تلك الأسئلة يمكن الإجابة عنها بسهولة لكنَّ واقع تلك المرحلة يتطلّب تدخُّلاً سريعاً لإصلاحه رغم الجهود التى تبذلها الوزارة الحالية لكن الأمر يتطلّب نظرةً ثاقبة ومستقبلية ـ هذه الرؤية يتم تقديمها في ضوء مُحدّدات هي:
- إن التعليم الفني ولسنوات قادمة لن يكون قادراً على جذب المتفوقين فى التعليم الإعدادي إلا هروباً من الأعباء المالية والنفسية التى تلاحق الالتحاق بنظام الثانوي العام.
- إن نسبة المدراس التكنولوجية في مصرَ قليلة جداً وهي لا تجذب فئة المتفوقين إلا للدوافع نفسها ومن المحتمل أن تقلَّ نسبة الالتحاق بها إذا لم توفّر لخريجيها فرصَ عمل في القطاعات المختلفة ويرتبط ذلك بمدى نشاط القطاع الخاص.
- إن التعليم الثانوي العام لا يجب أن يقتصر على التعليم النظري بل يجب أن يشتمل علوم التكنولوجيا والبيئة التطبيقية – وهو ما لم يستطع قطاع التعليم الفني تحقيقَ مستوى خريج مقبول من خلاله – وكذلك التعليم العالي الهندسي والصناعي سواء كان خرّيجوه من التعليم الثانوي العام أو الفني على السواء.
- الرؤية بداية تدريجية لدمج التعليم العام مع التعليم الفني وتغيير نظرة المجتمع لواقع التعليم والهدف منه.
- تحليل الواقع الحالي لنظام الثانوية العامة:
•نقاط القوة
1-مازالت هي سبيل معظم أبناء الشعب المصري نحو المستقبل.
2-تعتبر السبيل الأكثر شيوعاً للالتحاق بالتعليم العالي (جامعات أو معاهد).
3-تكتسب وجاهة اجتماعية عن أنماط التعليم الحكومية الأخرى كالتعليم الفني.
•نقاط الضعف
1-تشكل عبئاً مادياً ومعنوياً على المواطنين والطلاب.
2-شهادة غير منتهية كمؤهلٍ متوسط مطلوب في سوق العمل.
3-شهادة غير تخصصيّة.
4-لا تراعي متطلبات ومسارات المستقبل فى قطاعات التكنولوجيا والبيئة.
5-عدم استقرارها بسبب رفض المجتمع لتعديل مواد القانون139 الخاصة بالثانوية العامة التي اقترحتها الوزارة.
6-تضخّم الإنفاق الحكومي وغير الحكومي وضعف مخرجات النظام الحالي من حيث الكفاءة البشرية وتلبية متطلبات سوق العمل.
•الفرص
1-المرحلة الحالية مرحلة تطوير منظومة تعليمية جديدة.
2-الرغبة المجتمعية فى وجود نظام جديد للثانوية العامة يقلل الأعباء المادية والمعنوية.
•التهديدات
1-حدوث تهديدات تؤدي إلى توقّف الدراسة أو فشل تنفيذ الامتحانات.
2-اتّجاه فئة ليست بقليلة لدراسة المناهج الدولية.
3-السفر للحصول على الثانوية من الدول العربية الأخرى.
- الأسس التى يقوم عليها الإطار التنظيمي الجديد:
1-استمرار نظام التشعيب فى مرحلة الثانوية العامة: فلا يترتب على إلغاء نظام التشعيب فى الثانوية العامة سوى إضافة مزيد من الضغط المعنوي والمادي على الطلاب والأُسر ومزيد من تسطيح للمناهج الدراسية وبالتالي تسطيح لأذهان التلاميذ وتشتت اتجاهاتهم فى مرحلة مراهقة تتسم بالصعوبات النفسية – كذلك فإن الهدف المرجو من إلغاء التشعيب وهو تكوين طلاب موسوعيين أمرٌ لا جدوى منه فالطالب يدرس فى المرحلة الإعدادية والسنة الأولى من المرحلة الثانوية ما يجعل لديه الحد الأدنى من المعرفة بمجالات المعرفة العلمية والأدبية واستمراره فى ذلك يعد إهداراً لميوله وقدراته واستعداداته.
2-الاستدامة والتحوّل التكنولوجي: تعد الاستدامة أهم اتجاهات الألفية الثالثة ويعتبر التحول الرقمي والتكنولوجي أحد أهم أدوات الاستدامة فينبغي أن يتمّ تضمين التكنولوجيا بشكل أساسي وأعمق فى النظام التعليمي وبما يتوافق مع عقليّة الطالب المصري المُحِبّة للتطور والتي أظهرت الاستعداد لارتياد التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، لذا فإنّ إتاحة التخصص التكنولوجي لطلاب الثانوية العامة يدعم اتّجاه الدولة نحو التطور والتقدم ويتيح الفرصة الكاملة أمام التلاميذ المتفوقين الذين يعزفون عن التعليم الفني من مواصلة تعليمهم – ويعتبر خطوةً جيدة نحو المزج بين التعليم الفني والتعليم العام.
3-البنائيّة والاتّجاه تدريجياً نحو الدراسة التخصصيّة حيث يدرس الطلاب فى المرحلة الإعدادية التخصصاتِ كافةً بشكل عام وكذلك فى السنة الأولى من المرحلة الثانوية، ويبدأ باختيار التخصص في السنة الثانية ومن ثمّ يستقر في تخصصه الذي اختاره وفقاً لميوله واستعداده وقدراته فى السنة الثالثة وبذلك يكون قد ألمّ بالحد الأدنى من المواد فى التخصصات الأخرى واختار دراسة تخصصه بما يتناسب مع البناء السيكولوجي للشخصية.
4-المشاركة والمرور بالخبرات التربوية داخل المؤسسات التربوية بنسبة لا تقل عن 75% من أيام العام الدراسي (الخريطة الزمنية) هي الضامن الأساسي لتحقيق أهداف التعلم الرسمي(الحكومي) لذلك فهو العامل المؤهل للحصول على فرصة الالتحاق بالجامعات الحكومية المجّانية، ويسمح بالتعليم عن بعد أو نظام المنازل على أن يكون لهم الفرصة فقط فى الالتحاق بالجامعات الأهلية والإلكترونية والخاصة والدولية (وبذلك يتم القضاء نهائياً على الغياب عن الدراسة بشكل فعّال) ويتيح الفرصة للانضباط المدرسي.
- الملامح الأساسية للإطار التنظيمي الجديد:
- تبقى المرحلة الثانوية مقسّمة إلى ثلاث سنوات.
- اعتبارها شهادة متوسطة منتهية فى التخصصات المختلفة.
- اعتبارها مسار تعليم تأهيلي للتخصصات وليست محاولةً مفتوحة لكل المجالات.
- تعتبر السنة الأولى والثانية مرحلة تجريبية كسنوات منفصلة وليست تراكمية.
- السنة الأولى بدون تشعيب يتم تدريس جميع التخصصات العلمية والأدبية والتكنولوجية والبيئية.
- يتم التشعيب من الصف الثاني الثانوي لخمس شعب (أدبي ـ علوم بيئية ـ علوم طبية ـ علوم تكنولوجية – علوم هندسية) بالإضافة للغة الثانية وتعتبر سنة تمهيدية يدرس فيها مواداً مؤهلةً للصف الثالث الثانوي كل وفق الشعبة التخصصية وتشتمل الشُعب في الصف الثالث الثانوي على المواد المبينة في الجدول (1).
- السنة الثالثة هي السنة الأخيرة في الثانوية العامة، ويتم الحصول على معدلاتها بناءً على تحصيل الطلاب بها حيث تسهم بنسبة 70 ٪ – بالإضافة إلى اختبار القدرات التى تجريها الجامعات لالتحاق الطلاب بالجامعة والكليات حيث تضع وزارة التعليم العالي اختباراً متعدد الفروع يسمى اختبار القدرات يتوافق مع طبيعة الدراسة بالكليات المختلفة ويسهم هذا الاختبار بنسبة 30 ٪ من نسبة تحصيل الطلاب للتأهل للجامعات.
- نظام لانتظام الحضور في مواعيد الدراسة المحددة أو الامتحانات والتوقيع الإلكتروني عن طريق كارت الطالب الذكي (student smart ID) أو – نظام البصمة الإلكترونية – ملحقاً بالقاعدة ويمكن للطالب الاطلاع على نسبة الغياب عبر بوابة الطالب.
- تتم الاختبارات عملياً وإلكترونياً أو عن طريق البوكلت. كل مادة وفقا لنوع الخبرات على أن تصدر الوزارة المواصفات الفنية والتقنية العامة للاختبارات فى بداية العام الدراسى.
- خطة الإعداد لتنفيذ الإطار التنظيمي:
- الاستمرار في تطوير المناهج الحالية بما يتواكب مع المعايير القومية التي يرتضيها المجلس القومي للتعليم وبما يتواكب مع الاستدامة والمستحدثات العلمية.
- تأليف وإعداد مناهج الشعبة التكنولوجية بشكل بنائي فى السنوات الثلاث للثانوية العامة.
- على مدى ثلاث سنوات من 2026 – 2029 م يتم تدريب معلمي الحاسب الآلي وخريجي كليات الحاسبات والمعلومات على تدريس البرمجة والذكاء الاصطناعي لبدء التدريس في المرحلة الثانوية.
- على مدى ثلاث سنوات من 2026 – 2029 م يتم تأهيل المدراس الثانوية على مستوى الجمهورية بأجهزة الحاسب الآلي الحديثة التي تتناسب مع تدريس المواد التكنولوجية التطبيقية.
- الرقمنة على مستوى الإدارة لنظام الغياب والحضور والسلوك والانضباط للتلاميذ من خلال (student smart ID) أو جهاز البصمة – يسجل الحضور والغياب يومياً فى بداية اليوم الدراسي عن طريق جهاز فارما (باركود لكل طالب على الكارت الذكي) أثناء دخول الطالب من بوابة المدرسة – ويسجل السلوك والانضباط المدرسى مرتين شهرياً فى منتصف الشهر وفى آخره من خلال البوابة الإلكترونية للمدرسة.
- جدوى الإطار التنظيمي الجديد للثانوية العامة:
- يرفع من قيمة الثانوية العامة باعتبارها شهادة متوسطة منتهية فى التخصصات المختلفة.
- يرتقي بجودة مخرجات النظام الثانوي العام في شروط الالتزام بالمرور بالخبرات التربوية داخل المدرسة.
- يقضي نهائياً على ظاهرة الغياب المدرسي في المرحلة الثانوية.
- يتوافق مع ميول الطلاب فى التكنولوجيا والبرمجة وكذلك اتجاه الدولة نحو التحول الرقمي والتكنولوجي.
- يوّفر نوعاً جيداً من خريجي التعليم المتوسط لديه شهادة تؤهله للعمل في القطاعات التكنولوجية بالمصانع.
- مسار تعليم تخصصي مؤهل لمستويات أعلى أكثر تخصصية فى المستوى الجامعي وليس محاولة عشوائية لتحصيل أعلى التقديرات – ويتم ذلك من خلال الربط مع وزارة التعليم العالي بحيث يكون القبول فيها وفقاً لنسب محددة (للتخصص ومجموع الثانوية بنسبة 70% – والقدرات 30%) على ألا يتدخل العنصر البشري فى اختبار القدرات الذي يعقد فى مراكز الجامعات.
- يتوافق مع متطلبات وظائف المستقبل التكنولوجية والبيئية.
- بداية تدريجية لدمج التعليم العام مع التعليم الفني وتغيير نظرة المجتمع لواقع التعليم والهدف منه.
وفى الأخير فإن أية محاولة لتطوير الثانوية العامة يجب ألا تكون بمنأىً عن مواكبة التطورات والمستحدثات التي يفرضها الواقع تلبيةً لمتطلبات المستقبل وإن التمسك بنمط التطوير التقليدي حذفاً وإضافة في صورة جزر منعزلة بعيداً عن التصور الشامل لإطار تنظيمي متكامل للتعليم يعدُّ ظلماً لأجيال حالية ومستقبلية ومزيداً من الهدر للموارد على مختلف أنواعها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الدكتور أحمد سيد داود – باحث في قضايا التعليم
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً