بقلم الدكتور المهندس محمد ملحم*
مقدمة
إنّ أيّ شخص مطّلع على الإلكترونيات، يعرف بوجود ثلاثة عناصر أساسية وهي المكثف capacitor (C)، والمقاومة resistor (R)، والحثية inductor (L). ترتبط هذه العناصر بأربعة مقادير كهربائية أساسية، وهي الشحنة q والجهد v والتيار i والتدفق المغناطيسي ϕ . يبين الشكل (1) تعريف هذه العناصر وتاريخ اكتشافها.
ترتبط هذه المقادير الكهربائية الأساسية بست علاقات ثنائية (انظر الشكل (2)). العلاقات الخمس الأولى معروفة جيداً وهي بحسب الترتيب (1) القانون الأساسي في الكهرباء و (2) القانون الأساسي في المغناطيسية و (3) المقاومة و (4) الحثية و (5) السعة، أما العلاقة السادسة كانت لزمن محدد علاقة مفقودة.
توقّع المهندس ليون تشوا L. Chua في عام 1971 في جامعة كاليفورنيا/بيركلي بوجود عنصر كهربائي رابع بالإضافة إلى العناصر الكهربائية الثلاثة المعروفة، وأطلق عليه Memristor أو المقاومة ذات الذاكرة أو المقاومة الذاكرية. بقي هذا العنصر غير معروف لمدة 37 عاماً، وفي عام 2008 ومع تطور تكنولوجيا النانو كشف الباحث Hewlett-Packard في مجلة Nature عن أسرار العنصر الرابع وهو المقاومة ذات الذاكرة أو المقاومة الذاكرية Memristor. وتكمن أهمية العنصر الجديد في تطبيقاته الحالية والمتوقعة مثل ذواكر الوصول العشوائي RAM والشبكات العصبونية الواقعية.
تعريف المقاومة الذاكرية Memristor
عرّف تشوا عنصراً جديداً غير خطي يدعى المقاومة ذات الذاكرة memristor وهو اختصار لـ (memory + resistor). ولهذا العنصر خاصّتان: الأولى مقاومة مشتتة dissipative resistance والثاني التذكّر memory. تأتي خاصية التذكر للمقاومة الذاكرية من أنها تتذكر أخر مقاومة أو كمية شحنة عبرتها وذلك بحسب أخر كمية واتجاه الجهد المطبّق. يرتبط تغير التدفق بتغير الشحنة للعنصر الجديد بالعلاقة (6) (أنظر الشكل (2)).
لا يوجد فرق بين العنصر الجديد والمقاومة المعروفة إذا كانت المقاومة الذاكرية خطية وM ثابت، وإذا كانت M غير ثابتة وتابعة لتغير الشحنة q تصبح المقاومة الذاكرية غير خطية. ترتبط مميزة الجهد والتيار (i,v) لهذا العنصر بتردد إشارة الدخل فكلما ارتفع التردد تتجه العلاقة لتصبح خطية وكلما انخفض تصبح غير خطية (الشيء نفسه بين ϕ و q ). المقاومة الذاكرية هي عنصر أساسي يملك سلوكاً مُتفرّداً ولا يمكن تكراره بعناصر أساسية أخرى، وهذا ما برهنه تشوا وعرّفه بالدالة ϕ=fM(q) وهي مقاومة ذاكرية محكومة بالشحنة أو بالدالة q=gM(ϕ) وهي مقاومة ذاكرية محكومة بالتدفق، يُلخص الشكل(3) تعريف المقاومة الذاكرية.
نموذج المقاومة الذاكرية Memristor
يمكن تحقيق الـ memristor بالسماح لأوكسيد المعدن أو أكسيد نصف الناقل سواء كان فيلم رقيق أو سميك D أن يتوضع بين قطبين كهربائيين معدنيين كما في الشكل (4).
يحتوي فيلم نصف ناقل رقيق على منطقتين: المنطقة الأولى(doped)، وهي أكسيد نصف ناقل مع شواغر أوكسجين تعمل كطبقة ناقلة، والمنطقة الثانية (undoped) وهي أكسيد نصف ناقل من دون شواغر أوكسجين وتتناسب مع الأوكسجين في المعدن وتعمل كطبقة عازلة. تُظهر الطبقة الأولى ناقلية عالية لأنها خالية من الأوكسجين وتُسمى مقاومتها RON، وتُظهر المنطقة الثانية مقاومة عالية بسبب وجود ذرات الأوكسجين وتسمى مقاومتها ROFF. تُعطى المقاومة الكاملة RT للجهاز على شكل مقاومتين مرتبطتين على التسلسل (انظر الشكل(4)). تتغير قيم المقاومات RON وROFF بناء على قطبية ومقدار الجهد المطبق، حيث يسبب الجهد المطبق إلى انجراف فقاعات الأوكسجين بمعامل تحريك (dopant mobility) يمكن التعرف عليه في المرجع [1].
بعد وضع المبدأ النظري للمقاومة الذاكرية من قبل تشوا في 1971، استطاع ستانيل وليم وشركاؤه في 2008 بعد محاولات عديدة صناعة العنصر الجديد في مخبر HP. حيث أطلق على هذا النموذج بنموذج HP وهو نموذج Switch of Crossbar الأكثر شهرة (انظر الشكل (5)). يتشكل التبديل في بنية العارضة للمقاومة الذاكرية HP من طبقتين من أوكسيد التيتانيوم TiO2 تتضمن قطبين في الأعلى والأسفل. تحتوي الطبقة الأولى معدل 2:1 من الأوكسجين والتيتانيوم وتتصرف هذه الطبقة كعازل ممتاز، وطبقة ثانية تعاني من نقص في الأوكسجين وتحتوي على شواغر أوكسجين. تستطيع هذه الشواغر الانتقال خلال الطبقة وتحويلها إلى طبقة ناقلة.
من السهل فهم مبدأ العمل عند النظر إلى الشكل (6). إذا تم تطبيق جهد موجب على الطبقة العلوية ستتمدد شواغر الأوكسجين إلى أسفل الطبقة العازلة. يؤدي تمدد الشواغر إلى توسع عرض المنطقة الناقلة وعند جهد محدد تصبح كل المنطقة ناقلة. إذا طبق جهد معاكس على الطبقة العلوية، تصبح الطبقة الناقلة أقصر طالما تتحرك شواغر الأوكسجين باتجاه الخلف، والمنطقة تصبح بكاملها ذات مقاومة عالية.
أهم خاصة للجهاز هي تجمد شواغر الأوكسجين إذا تم إزالة الجهد المطبق سواء كان جهد موجب أو جهد معاكس له. بالتالي يتذكر الجهاز أخر جهد تم تطبيقه، حيث تبدأ شواغر الأوكسجين حركتها من أخر موقع وصلت إليه عند تطبيق الجهد الجديد. حيث يتم تذكر أخر جهد مطبق حتى لو تم تطبيق الجهد التالي بعد عدة سنوات.
الخصائص والتطبيقات
تتمتع المقاومة الذاكرية، بقابلية توسع عالية واستهلاك منخفض للطاقة وتوافق عالي مع تقنيات CMOS وأبعاد نانوية مما يتيح إنتاج أجهزة ذات تكامل عالي. التوافق مع تقنيات CMOS مع خاصة التذكر يجعلان المقاومة الذاكرية مناسبة للاستخدام في ذاكرة الحاسب، ويمكن استخدامها كذاكرة متطايرة.
أطلق على المقاومة الذاكرية بالكأس المقدسة لسلوكها المشابه للخلايا العصبية الدماغية، فيمكن استخدامها كمشابك synapses في الخلايا العصبية. عند تطبيق جهد موجب وسالب تصبح المقاومة الذاكرية ناقلة وغير ناقلة، وعند فصل الجهد فأن الجهاز يتجمد عند أخر موضع قبل فصل الجهد. تعمل المشابك العصبية بنفس طريقة عمل المقاومة الذاكرية، فالقطبية وزمن تطبيق الإشارة الكهروكيميائية ستحدد شدة ارتباط المشابك بين الأعصاب.
تُعد الحوسبة التماثلية أو ببساطة الذكاء الاصطناعي التماثلي analog artificial intelligence نهجاً واعداً لما له من سمات تشبه السمات الرئيسية لعمل الشبكات العصبية في الأدمغة البيولوجية. حيث تحدد المشابك العصبية قوة الترابط (الأوزان) بين الخلايا العصبية. تحتاج أنظمة الذكاء الصنعي التماثلي إلى مقاومات ذاكرية بأبعاد نانوية مثل الذاكرة متغيرة الطور Phase-change memory (PCM) لتخزين الأوزان وتنفيذ عمليات التراكم المضاعفة، وهي عملية الحساب السائدة في الشبكات العصبية العميقة deep neural networks (DNNs). لذلك تُعد المقاومة الذاكرية العنصر الأساس في صناعة المعالجات العصبونية الواعدة التي ستكون المساهم الأساسي في تطور وانتشار الذكاء الصنعي التماثلي، والذي سيسمح بإنتاج خوارزميات تدريب تماثلية متنوعة.
= = = = =
*الدكتور المهندس محمد ملحم – أستاذ مساعد في كلية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات – جامعة طرطوس.
References
1-B. K. Kaushik, Nanoscale Devices/ Physics, Modeling, and Their Application, Taylor & Francis Group 2019.
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً