بقلم الدكتور نجم الدليمي*
للاطلاع على الجزء الأول لهذه المقالة اضغط هنا.
وهكذا تكمن الاستراتيجية الأمريكية في الآتي:
1-العمل وبكل الأساليب غير الشرعية لتقويض الأنظمة الوطنية والتقدمية واليسارية المناهضة لنهج الإمبريالية الأمريكية وحلفائها، سواء في البلدان النامية أو في رابطة الدول المستقلة (جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق).
2-العمل على تشكيل شبكات من (الحلفاء-الأصدقاء) لأمريكا ويتم التركيز على المتنفّذين في السلطة، وكذلك على الشباب. اختراق هذه الأنظمة المناهضة لها عبر وسائل وطرق متعددة. شراء ذمم ووعود وهمية، وغيرها من الأساليب الرخيصة والدنيئة والقذرة.
3-تكمن الاستراتيجية الأمريكية في العمل على تفكيك وتقويض الدول عبر وسائل متعددة، منها شراء الذمم والعملاء والطابور الخامس. هذا ما حدث مع الاتحاد السوفيتي عبر ما يسمى بالبيرويسترويكا الغارباتشوفية سيئة الصيت في شكلها ومضمونها، أو العدوان العسكري المباشر كما حدث للشعب اليوغسلافي في عام 1999. العمل مستمر من قبل الولايات المتحدة لتقويض النظام الوطني والشرعي في بيلاروسيا وفنزويلا وكوريا الشمالية، وغيرها من البلدان الوطنية والتقدمية واليسارية الأخرى.
4-التدخل العسكري المباشر أو غير المباشر في الشؤون الداخلية للدول المستقلة من أجل تقويضها. من أعطى الحق للولايات المتحدة أن تقوم بذلك؟ ولماذا لم تحترم الولايات المتحدة وحلفاؤها القانون الدولي بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان؟
5-لقد (نجحت) الولايات المتحدة وحلفاؤها في القيام بانقلاب في أوكرانيا، وأصبح النظام في كييف معادياً للشعب الروسي. ناهيك عن المساعي المناهضة لروسيا في جمهوريات البلطيق وجورجيا، ووجود القواعد العسكرية للناتو في هذه الجمهوريات وفي بقية دول أوربا الشرقية. تعمل الولايات المتحدة وحلفاؤها على دعم المعارضة البيلاروسية سفيتلانا تيخانوفسكايا لتقويض النظام الوطني والشرعي في بيلاروسيا. ولكن القيادة الروسية لن تكرر الخطأ الذي حدث في أوكرانيا، وهذا حقها المشروع سياسياً واقتصادياً وأمنياً وعسكرياً، لذلك فإننا نعتقد أن المخطط الأمريكي تجاه النظام الشرعي في بيلاروسيا سيفشل؛ كما أن الغالبية العظمى من الشعب البيلاروسي يساند الرئيس ألكساندر لوكاشنكو، كما أن الجيش والأجهزة الأخرى تقف مع النظام الوطني والشرعي في بيلاروسيا. لقد شاهد الشعب البيلاروسي ما حلَّ بالشعب الأوكراني منذ عام 2014 حتى اليوم.
6-تحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها تقويض النظام في روسيا الاتحادية، وهذا لم يكن خفياً، بل يتم الحديث عنه من قبل واشنطن بالدرجة الأولى. يعتبرون أن الرئيس فلاديمير بوتين عدوهم، بالرغم من أن روسيا الاتحادية أصبحت دولة رأسمالية. يعولون في عملية ذلك على بعض الليبراليين والإصلاحيين والطابور الخامس … الخ. فلقد شدّدوا العقوبات الاقتصادية الظالمة وغير القانونية والحرب الإعلامية على روسيا بهدف تقويض النظام الحاكم في موسكو. لكن مصير هذا المخطط الفشل المؤكد، لأن القيادة الروسية أدركت مخطط تفكيك الاتحاد السوفيتي ونتائجه الكارثية. يتم اتباع الأسلوب نفسه مع جمهورية الصين الشعبية؛ إذ أنه يتم التركيز في هذا المخطط الهدّام والتخريبي على الحزب الشيوعي الصيني وعلى قيادة الحزب الشيوعي الصيني؛ أي أنهم يحاولون تكرار نفس تجربة تفكيك الاتحاد السوفيتي عن طريق اختراق قيادة الحزب الشيوعي السوفيتي. ولكننا نعتقد أن هذا المخطط سيفشل في جمهورية الصين الشعبية.
7-لا تستطيع الإدارة الأمريكية المحافظة على وحدة المجتمع الأمريكي والقوة العسكرية الأمريكية إلا من خلال ابتداع عدو، وهمياً كان أو حقيقياً. كانت سابقاً (الشيوعية، الاتحاد السوفيتي، التفوق العسكري السوفيتي، خطر موسكو) العدو. تم اليوم ابتكار عدو جديد، وهو ما يُسمى بـ (الإرهاب الدولي)، وهذا يذكرنا بحكمة صينية تقول: (أخرج القطة السوداء من الغرفة المظلمة، وهي غير موجودة)، تنطبق هذه الحكمة حصرياً على مفهوم الإرهاب، دولياً كان أو إقليمياً أو محلياً؛ فمن يحدد هذا الإرهاب هي الولايات المتحدة وحلفاؤها وفق تصوراتهم حصراً.
رابعاً-السمات الرئيسة للاقتصاد والمجتمع الأمريكي
يشكل عدد سكان الولايات المتحدة الأمريكية نحو 5 بالمئة من مجموع سكان العالم، ويستهلك أكثر من 40 بالمئة من الطاقة في العالم. يستهلك أيضاً 50 بالمئة من المنتجات والخدمات في العالم. تساهم الولايات المتحدة بنحو 15% من الناتج الإجمالي العالمي فقط. يحمل الاقتصاد الرأسمالي الأمريكي طابعاً متناقضاً في شكله ومضمونه، فهو يجمع القوة والضعف في آن واحد. من أهم السمات المميزة للاقتصاد الأمريكي:
1-تنامي معدلات البطالة والفقر وعودة الأمية وتفشي الجريمة والمخدرات في المجتمع الأمريكي. يوجد أكثر من 35 مليون نسمة تحت خط الفقر في الولايات المتحدة. تحدث 6 جرائم قتل يومياً، أي جريمة كل 4 ساعات، و8 جرائم اغتصاب يومياً في الولايات المتحدة. 32 مليون من البالغين الأمريكيين أميّون، و400 بالمئة من المتعلمين الأمريكيين لا يجيدون القراءة. يؤكد الباحث عبد العظيم عوف (إن مشكلة أمريكا أنها البلد الوحيد في التاريخ الذي انتقل من البربرية إلى الانحلال دون أن يمر بعصر الحضارة)، كما يؤكد أيضاً (إن أمريكا هي مجتمع الجريمة وأرضية للفساد ومصدر للإرهاب). وفي نفس السياق يشير الباحث سمير أمين إلى أنّ (الاقتصاد الأمريكي هو اقتصاد طفيلي، يعيش على حساب شركائه في النظام العالمي؛ العالم ينتج والولايات المتحدة تستهلك)).
2-هناك تفاوت كبير، اقتصادي واجتماعي داخل المجتمع الأمريكي، لصالح فئة محدودة، وهي فئة المليارديرات، التي تستحوذ على حصة الأسد من ثروة الشعب الأمريكي.
3-تنامي معدلات المديونية الداخلية والخارجية في الولايات المتحدة الأمريكية، فلقد وصل الدين الخارجي الأمريكي حوالي 33 تريليون دولار في عام 2023.
4-يؤكد بريجينسكي أن من أهم الأخطار الحقيقة التي تواجه الاقتصاد والمجتمع الأمريكيين هي:
-الدين الأمريكي المتعاظم الذي لا يتصاعد مع مرور الزمن.
-يشكل النظام المالي الأمريكي قنبلة موقوتة، لا تهدد الاقتصاد الأمريكي فحسب، بل الاقتصاد العالمي برمته، بسبب سلوكه المغامر القائم على التعظيم الذاتي. وهذا يشكل مجازفة أخلاقية-معنوية تستثير الغضب الداخلي، وتقوض جاذبية الولايات المتحدة، عبر تفاقم المآزق الاجتماعية للأمريكيين.
-يشكل تباين المداخيل المتزايد خطراً طويل الأمد يهدد التوافق الاجتماعي والاستقرار الديمقراطي.
-يزداد النظام السياسي الأمريكي اختناقاً، وخير دليل على ذلك هو التنافس المفرط في الانتخابات الرئاسية الأمريكية بين بايدن وترامب.
خامساً-الولايات المتحدة والإرهاب الدولي
لقد تدخلت الولايات في العديد من المناطق والدول، سنقوم بتعداد بعضها ليتسنى للقرّاء الكرام التعرف على الأساليب الأمريكية في السيطرة على الدول الأخرى:
التدخل في الصين بين عامي 1945-1951، التدخل في فرنسا عام 1947، التدخل في جزر مارشال بين عامي 1946-1968، التدخل في إيطاليا في الفترة بين عام 1947 حتى سبعينيات القرن الماضي، التدخل في اليونان بين عامي 1947-1949، التدخل في الفلبين بين عامي 1945-1953، التدخل في كوبا بين عامي 1946-1953، التدخل في ألبانيا بين عامي 1949-1953، التدخل في أوروبا الشرقية بين عامي 1948-1956، التدخل في ألمانيا في الخمسينيات، التدخل في إيران عام1957، التدخل في غواتيمالا عام 1953، التدخل في كوستاريكا في منتصف الخمسينيات، التدخل في الشرق الاوسط بين عامي 1956-1958، التدخل في إندونيسيا بين عامي 1957-1958، التدخل في هاييتي عام 1959، التدخلات في أوروبا الغربية في فترة الخمسينيات-الستينيات من القرن الماضي، التدخل في العراق عام 1963، التدخل في الاتحاد السوفيتي بين الأربعينيات حتى منتصف الثمانينيات ولغاية اليوم، التدخل في فيتنام بين عامي 1945-1973، التدخل في كمبوديا عامي 1955 و 1973، التدخل في لاوس عامي 1957 و 1973، التدخل في تايلاند عامي 1965 و 1973، التدخل في الأكوادور عامي 1960 و 1963، التدخل في الكونغو و زائير في الأعوام 1960 و 1965 و 1977 و 1987، التدخل في البيرو عام 1965، التدخل في جمهورية الدومينيكان عامي 1963 و 1965، التدخل في كوبا عام 1959، التدخل في إندونيسيا عام 1965، التدخل في غانا عام 1966، التدخل في الأورغواي عامي 1969 و 1972، التدخل في تشيلي عامي 1964 و 1973، التدخل في اليونان عامي 1967 و 1974، التدخل في بوليفيا عامي 1964 و 1975، التدخل في أستراليا عام 1972 و 1975، التدخل في العراق عامي 1968 و 2003، التدخل في البرتغال عامي 1974 و 1976، التدخل في تيمور الشرقية عامي 1975 و 1999، التدخل في أنغولا عام 1975، التدخل في جامايكا عام 1976، التدخل في الهندوراس في الثمانينيات من القرن الماضي، التدخل في نيكاراغوا عامي 1978 و 1990، التدخل في كوريا الجنوبية عام 1980، التدخل في تشاد عامي 1981 و 1982، التدخل في غرينادا عامي 1979 و 1983، التدخل في ليبيا عام 1981 و 1986، التدخل في فيجي عام 1987، التدخل في برناما عام 1989،
التدخل في أفغانستان عامي 1992 و2001، التدخل في السلفادور عامي 1980 و1992، التدخل في هاييتي عامي 1987 و 1994، التدخل في بلغاريا بين عامي 1990-1991، التدخل في ألبانيا عامي 1991 و 1992، التدخل في الصومال عام 1993، التدخل في يوغسلافيا في عامي 1995 و 1999، التدخل في البلاد العربية عبر ما سُمى بالربيع العربي منذ عام 2010 و حتى اليوم، التدخل في أوكرانيا منذ عام 2014 و حتى اليوم، المحاولات الفاشلة للتدخل في جمهورية بيلاروسيا منذ عام 1995 ولغاية اليوم.
لقد لعبت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية دوراً كبيراً في عمليات تقويض الأنظمة والحكومات المعادية للمصالح الأمريكية. وللوصول إلى هذه الأهداف، شكلت وكالة الاستخبارات المركزية علاقات منظمات الجريمة والمافيات، التي قامت وتقوم بعمليات غسيل الأموال والاغتيالات وعمليات التهريب والتجارة غير الشرعية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الدكتور نجم الدليمي – باحث وأستاذ جامعي متقاعد.
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً