بقلم الدكتور نجم الدليمي*
أولاً-تعريف الإرهاب:
لقد اختلفت تعاريف الإرهاب، ويرجع هذا الاختلاف إلى اختلاف المدارس الفكرية التي تحدثت عن الموضوع، وخاصة المدرسة البرجوازية والمدرسة الاشتراكية. إن الإرهاب هو صفة ملازمة للمجتمعات الطبقية، تطور الإرهاب بتطور شكل الملكية الخاصة لوسائل الانتاج، وارتبط الإرهاب في التشكيلة الاجتماعية والاقتصادية الطبقية بشكل عام، وفي التشكيلة الاجتماعية والاقتصادية للرأسمالية بشكل خاص. وكان أكثر تطوره في المرحلة المتقدمة من الرأسمالية وهي الإمبريالية. وهو يحمل طابعاً طبقياً وإيديولوجياً وسياسياً واقتصادياً؛ وهذا يعني استخدام كل أشكال القوة السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية والإيديولوجية والتكنولوجية ضد الشعوب والأنظمة المناهضة لنهج الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، بهدف السيطرة والهيمنة على العالم، من أجل تحقيق أهداف متعددة، سياسية واقتصادية وإيديولوجية وعسكرية. هو أسلوب تستخدمه الولايات المتحدة وحلفاؤها بسبب الأزمة البنيوية للنظام الإمبريالي العالمي الذي تتزعمه. يتم خرق القانون الدولي وعدم الالتزام بالمواثيق الدولية، سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر، والبلدان النامية هي نماذج حية وملموسة على ذلك.
ثانياً-الإرهاب.. نشوؤه وتطوره:
يشير الدكتور هيثم كيلاني، إلى أنّ الإرهاب، بصورة عامة: هو ظاهرة من ظواهر الاضطراب السياسي في العصر الحديث، وهو، كممارسة، ظهر بشكل واضح منذ حوالي قرنين. الإرهاب المعاصر هو ظاهرة أوروبية الأصل، ويرتبط الإرهاب الدولي بأزمة بنيوية في النظام العالمي، وبشكل خاص في الغرب الذي يعاني خللاً منهجياً أساسياً، انعكس على النظام العالمي، وشكّل الأساس في خلق دائرة العنف التي ولّدت الإرهاب. بذلك تقع المسؤولية في بروز ظاهرة الإرهاب الدولي وتطورها على الإمبريالية والرأسمالية، اللتَين تتحكمان بالنظام الدولي الراهن.
كما يشير الدكتور هيثم كيلاني إلى أن أسباب الإرهاب الدولي تكمن في أساس نشوئه، ومنها:
-أسباب ذات طبيعة سياسية تتجلى في الاستعمار والاستعمار الجديد ومحاولات الهيمنة الاستعمارية، والعنصرية والتمييز العنصري والفصل العنصري والصهيونية، والعدوان واستخدام القوة لانتهاك الاستقلال السياسي للدول أو سيادتها، واحتلال أراضٍ أجنبية أو السيطرة عليها أو على شعوبها، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول.
-أما الأسباب الاقتصادية والاجتماعية فتكمن في الاستغلال الأجنبي لموارد الدول الأخرى، والتدمير المنظم للبنية الاقتصادية والاجتماعية، وعرقلة قيام أي تنمية اقتصادية واجتماعية جذرية. إضافةً إلى ما سبق، ممارسة الظلم الاجتماعي والاستغلال السياسي والاقتصادي والاجتماعي وانتهاك حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، والسجن الجماعي والانتقام واللامساواة والانتزاع من الوطن والاستعباد والقهر.
يشير الدكتور هيثم كيلاني أيضاً إلى وجود اتجاهين للتعامل مع الإرهاب:
-الاتجاه الأول: يذهب إلى ضرورة قمع الإرهاب الدولي بشدة، دون النظر إلى أسبابه ومبرراته، ويدعو إلى قيام تعاون دولي لمكافحته وبخاصة فيما يتعلق بتبادل المعلومات،
-أما الاتجاه الثاني: فقد أجمعت عليه معظم الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ويكمن في رفض الإرهاب الدولي بمختلف أشكاله وإدانته، ودراسة أسبابه والعمل على إزالتها.
يؤكد كيلاني أن للإرهاب الدولي عدة أشكال، وهي:
1-تقديم الدعم للأنظمة الاستعمارية والاحتلالية والعنصرية والفاشية،
2-تقديم الدعم لجماعات إرهابية، كتنظيم القاعدة وداعش وفروعها،
3-القيام بالثورات المضادة ضد الحكومات الوطنية، الربيع العربي نموذجاً،
4-الوقوف ضد حركات التحرر الوطني التي تناضل من أجل حق تقرير المصير لشعوبها،
5-فرض سياسة معينة على حكومة وطنيه ضد إرادة شعبها.
ثالثاً-الاستراتيجية الأمريكية والإرهاب الدولي:
تكمن الاستراتيجية الأمريكية في أن النظام الرأسمالي بشكل عام، وفي مرحلته الإمبريالية المتقدمة بشكل خاص، قد عانى ويعاني وسيعاني من أزمته العامة، التي تحمل طابعاً طبقياً وإيديولوجياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً. كما أنّ لهذه الأزمة طابعاً بنيوياً، ولقد فشل النظام الرأسمالي العالمي في إيجاد الحلول لأزمته؛ لأن السبب الرئيس يكمن في أساسه المتمثل في الملكية الخاصة الاحتكارية لوسائل الانتاج. ومن أجل التخلص من جزء من الأزمة، تلجأ الإمبريالية الأمريكية وحلفاؤها إلى إشعال الحروب غير العادلة وتكوين شبكات التجسس، من عملاء النفوذ والطابور الخامس، ومن الليبراليين والإصلاحيين المتوحشين، وهؤلاء جميعهم يشكلون القاعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للولايات المتحدة وحلفائها في هذا البلد أو ذاك. ناهيك عن القيام بالاغتيالات والانقلابات في البلدان النامية وغيرها من البلدان الأخرى. إن الهدف الرئيس من كل ذلك وغيره هو العمل على تصريف جزء من أزمة النظام الإمبريالي العالمي، ولكن جميع هذه الأساليب اللاقانونية واللاشرعية واللاإنسانية لم تسعف هذا النظام من الخروج من أزمته العامة! بنفس الوقت، فإن جميع هذه الأساليب الرخيصة هي شكل من أشكال إرهاب الدولة المنظم والممنهج، على الصعيد العالمي والإقليمي والمحلي.
لقراءة الجزء الثاني من هذه المقالة اضغط هنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الدكتور نجم الدليمي – باحث وأستاذ جامعي متقاعد.
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً