بقلم الأستاذ أحمد رفعت يوسف*
بكل وضوح، وضع الرئيس بشار الأسد أسس وقواعد القمة السورية التركية، بقوله: “إذا كان اللقاء يؤدي لنتائج.. فأنا سأقوم به”.. “ولكن هذا لا يعني، أن نذهب إلى اللقاء، مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من دون قواعد”. والقواعد بالنسبة إلى سورية، هي “إنهاء أسباب المشكلة، التي تتمثل بدعم الإرهاب، والانسحاب من الأراضي السورية”.
فالسياسة السورية، التي تتصف بالصبر الاستراتيجي، والتي أوصلت أردوغان، حد استجداء الرئيس الأسد للقائه، وكادت أن تخرجه عن طوره، لا يعنيها منح أردوغان، ما يريده من اللقاء، وهو الصورة مع الرئيس الأسد، التي باتت تشكل حاجة داخلية وخارجية ونفسية له، فيما المطالب السورية من اللقاء، تبقى معلقة لمزاجيات أردوغان، وهو ما يتنافى مع القواعد الوطنية السورية، وقواعد القانون الدولي، التي ركز عليها الرئيس الأسد كثيراً، في الحديث الصحفي، الذي أدلى به، بعد إدلائه بصوته في انتخابات مجلس الشعب، الاثنين الماضي، وهذا يؤكد، أن لا لقاء للرئيس الأسد مع أردوغان، إلا وفق الشروط السورية، وعلى أسس واضحة.
ربما يتساءل الكثيرون، عن سر هذا اللهاث الأردوغاني، للقاء الرئيس الأسد.
بالتأكيد هو ليس صحوة ضمير من أردوغان، على ما فعله بالشعب السوري، ولا هو خرج من أوهام العثمانية البائدة، ولا نتيجة وحي نزل عليه، قال له بأن الطريق إلى الجامع الأموي، يجب أن تكون معبدة بالمحبة والسلام، وليس بالدماء والدمار، وإنما هي السياسة، والمصالح، ولعنة السلطة، التي تقبض على مفاصل وتلابيب أردوغان، الذي وجد نفسه، محاصر باللعنة السورية، التي باتت تلاحقه، داخل تركيا وخارجها، فما هي أوراق دمشق، التي تقض مضاجع أردوغان؟.
-مشكلة اللاجئين، التي باتت أهم ورقة في صناديق الانتخاب التركية، وكانت السبب وراء خسارته الانتخابات البلدية وتهدد بخسارته الانتخابات، البرلمانية والرئاسية القادمة.
-المجموعات الإرهابية المسلحة، التي أنشأتها وتديرها، باتت مشكلة تهدد الأمن القومي التركي، ومطلوب القضاء عليها، من القوى الفاعلة إقليمياً ودولياً، وخاصة مثلث بكين موسكو طهران.
-استحالة تعافي الاقتصاد التركي، طالما بقيت بوابته السورية، نحو الخليج العربي، والأردن ومصر وإفريقيا، مغلقة.
-وجود ملف أمني خطير، بحوزة دمشق، وهم مجموعة ضباط أتراك، معتقلين خلال سنوات العدوان على سورية، وهناك سباق محموم، بين أردوغان والمعارضة، لمن يصل إليهم أولاً، ويعمل على إخراجهم، نظرا لأهمية هذه الورقة، في أية انتخابات مقبلة، سواء برلمانية أو رئاسية.
-اقتناع أردوغان وحكومته، بأن مشكلة “قسد” والأكراد، لا يمكن حلها بدون دمشق، ومن خلالها.
-استشعار أردوغان، بقرب الانسحاب الأمريكي من سورية، وحاجته لدور دمشق، لملء الفراغ، حتى لا تذهب المنطقة إلى الفوضى، التي ستنعكس على تركيا قبل غيرها.
-إدراك أردوغان، بأن موازين القوى والقوة الإقليمية والدولية، وخاصة بعد طوفان الأقصى وتداعياتها، تسير لغير صالح المنظومة الرأسمالية الغربية التي يتموضع فيها، وهو يحاول الهروب منها، نحو روسيا والصين، ومجموعتي البريكس وشنغهاي.
أما عن سورية، فهي بالتأكيد لها مصلحة بإنجاز المصالحة مع تركيا، لأنها تعني سد أخطر بوابات العدوان عليها، وتحرير مساحة كبيرة من أراضيها، وحل قسم كبير من مشاكلها الاقتصادية، لكن دمشق ليست مضغوطة بعامل الوقت، وهو يسير لصالحها، وتستخدمه سلاحاً يفتك بأعصاب أردوغان، وباتت مشاكل اللاجئين، والمجموعات الإرهابية، والضباط الأتراك المعتقلين لديها، سلاح فعال بيدها، وتستطيع منحه، لمن تريده أن يفوز في الانتخابات التركية.
وبعيداً عن الدعوات المتلاحقة من أردوغان، للقاء الأسد، والقواعد السورية للقمة، فإن تطورات كثيرة تجري على الأرض، وبعيداً عن متناول وسائل الإعلام، تؤكد وجود عمل لإنجاز مصالحة سورية تركية، وأن أردوغان كلف وزير خارجيته حقان فيدان، بمتابعة هذا الملف، مع الإشارة إلى أن فيدان، معروف جيدأ عند السوريين، وهو أكثر المسؤولين الأتراك، إيمانا بالمصالحة السورية التركية.
وعلمت “لا” من مصادر تركية، أن فيدان، أقنع أردوغان، بقبول كل ما تطلبه الدولة السورية، كثمن للتطبيع معها، ومنه تقديم كشف حساب، لكل من تعاون مع تركيا سرا، منذ بداية العدوان على سورية، وهذا التعاون، لا يشمل فقط المنشقين عن الجيش السوري، وقيادات وعناصر المجموعات الإ.ر.ها.بية، وانما حتى من بقوا مع الدولة السورية، وتعاونوا مع تركيا.
زيارة فيدان إلى دمشق، باتت مرهونة، بحصول تقدم يرضي دمشق، للموافقة على الزيارة، أو عقد لقاء القمة لاحقاً، لكن حديث الرئيس الأسد، وبيان الخارجية السورية، أكدا التعاطي الإيجابي لدمشق، مع الوساطات، وخاصة الروسية والعراقية، مع تأكيد مصادر إعلامية تركية، أن أردوغان، بات جاهزاً، لتنفيذ كل ما هو مطلوب منه، بعدما تأكد، من خطورة ما ينتظر حياته السياسية والشخصية وحزبه.
هذه الأجواء، تأكدت مع موافقة تركيا، على العديد من المطالب السورية، منها – بحسب مصادر تركية – إعادة الأموال السورية، الموجودة في بنوكها، والتي تقدرها بعض المصادر، بسبعة مليارات دولار.
وتفعيل كافة الاتفاقيات مع سورية، وفتح الحدود والمعابر بشكل طبيعي، وتوقيع اتفاقيات أمنية واقتصادية جديدة، لإنعاش اقتصاد البلدين.
كما أكدت حصول أردوغان، على ضوء أخضر أمريكي، بالموافقة على الاتفاق مع الدولة السورية، للسيطرة على كامل الشريط الحدودي، وضبط السلاح المنفلت، وتفكيك وطرد الجماعات المسلحة، وإعادة قياداتها وافرادها إلى السجون.
وعملياً باشر الأتراك، باتخاذ إجراءات لتسليم الشخصيات، التي تطلبها دمشق، وخاصة من الضباط المنشقين، وقادة المسلحين، واعلاميين، وقامت باعتقال عدد من هؤلاء المطلوبين، وصادرت جوازات سفرهم، وقيدت حركتهم في تركيا.
أما بعض المطلوبين للترحيل، ممن تخشى تركيا من التحقيقات معهم في دمشق، لامتلاكهم أسرارا تخص الأمن التركي، فسوف تقوم بترحيلهم (كأفراد مرتزقة) إلى أماكن توجد فيها قوات تركية، مثل ليبيا والنيجر واوغندا.
أما ما يخص المجموعات الإرهابية المسلحة، فقد قامت تركيا، بتسليم الجيشين السوري والروسي، خرائط المناطق التي تسيطر عليها هذه المجموعات، التي تعمل تحت إمرتها، في ادلب وشمال حلب، وأماكن القيادات، ومراكز التدريب، ومستودعات الأسلحة، مما سمح بقيام الطائرات الحربية، والمسيرة، والمدفعية، بتوجيه ضربات مركزة، إلى هذه المواقع أسفرت عن مئات القتلى والجرحى.
كما تحدثت معلومات، عن عملية اغتيال لم تنجح، لقائد جبهة تحرير الشام (النصرة) أبو محمد الجولاني، بسبب انتباه أحد اطبائه، وأصبح الآن الهدف المطلوب للطيران الروسي والسوري، ويعتقد أن نهايته أصبحت قريبة جدا.
وبموجب التفاهمات، التي تم التوصل إليها بين الجانبين، خلال اللقاءات الفنية والأمنية، أو عبر الوسيطين الروسي والعراقي، فالمطلوب اليوم من أردوغان، خريطة طريق تضمنت:
1-تسليم الجيش السوري، الطريق الدولي (M4) الرابط بين حلب واللاذقية، والانسحاب من الدانا، و أرمناز، و سلقين.
2-تسليم مناطق جسر الشغور، و أريحا و إدلب.
3-أي اعتراض، من أي مجموعات مسلحة، سيؤدي إلى تصفية هذه المجوعات.
وسط هذه الأجواء، يمكن التأكيد، أن المصالحة السورية التركية قادمة، وتطبخ على نار هادئة، وفق المعايير السورية، أما الفقاعات الإعلامية التركية، فهي تعبر عن هواجس وأحلام أردوغان، وبعضها للاستهلاك الداخلي، أو رسائل لأصدقاء وحلفاء دمشق، بأنه يعمل ما عليه، لكنها كلها لا تعني دمشق، التي حددت طريقها، وموقفها من خلال الرئيس بشار الأسد، وبيان الخارجية السورية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الأستاذ أحمد رفعت يوسف -إعلامي و باحث سياسي.
*نشر المقال في صحيفة “لا” اليمنية.
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً