بقلم الدكتور آصف ملحم*
أثارت زيارة رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، الجنرال سيرغي شويغو، الكثير من التساؤلات؛ فهذه الزيارة جاءت في توقيت حساس للغاية؛ إذ يحبس الشرق الأوسط أنفاسه بانتظار الرد الإيراني على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية في طهران، و رد حزب الله على اغتيال القائد العسكري فؤاد شكر في بيروت.
في الواقع، كانت هذه الزيارة مقررة سابقاً، و لكن التطورات و المستجدات الأخيرة تكسبها أهمية كبيرة، خاصة أن الجنرال شويغو كان وزيراً للدفاع، و التعاون كان وثيقاً للغاية بين وزارتي دفاع البلدين أثناء المعارك التي جرت في سورية ضد المجموعات الإرهابية.
فضلاً عن ذلك، التقى شويغو رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي على أكبر أحمديان و رئيس هيئة الأركان اللواء محمد باقري، و هذا يعني أن التعاون العسكري-الأمني كان في صلب المحادثات بين الجانبين.
في الحقيقة، تستطيع إيران أن تلعب دوراً بارزاً في الكثير من الملفات و القضايا التي تهم روسيا بشكل مباشر، لذلك فإننا نعتقد أن المباحثات تركزت حول الملفات التالية:
الملف الأول – المواجهة بين إيران و إسرائيل و الدول الغربية
نعتقد أن تعزيز الدفاعات الجوية الإيرانية في مواجهة التهديدات الإسرائيلية-الأمريكية كانت من أهم محاور النقاش بين المسؤولين الروس و الإيرانيين. إيران تمتلك صواريخ إس-300، ولكن لمواجهة التهديدات الغربية فهي بحاجة إلى صواريخ إس-400 و إس-500، و يبدو أن الظروف أصبحت مواتية لتقديم هذا النوع من الصواريخ المضادة للأهداف الجوية.
روسيا إحدى الدول المتطورة في مجال الحرب الإلكترونية، فلقد تمكنت روسيا من تحييد الكثير من المسيرات الأوكرانية باستخدام هذه الوسائط. لذلك فإن روسيا قد تقدم مساعدة فنية لإيران لكي تتمكن الأخيرة من مواجهة المسيرات الإسرائيلية.
إضافة إلى ما سبق، فإن روسيا ستساهم مساهمة كبيرة في تعزيز أمن الشواطئ الإيرانية على الخليج العربي، خاصة أن واشنطن قامت بتحريك الكثير من القطع البحرية و الأساطيل إلى الشرق الأوسط. و قد تشارك الصين في هذه الجهود؛ فلقد أجرت روسيا و الصين و إيران تدريبات عسكرية مشتركة في البحر الأحمر في آذار الماضي.
في هذا السياق، لا بد من التذكير بالمساعي الروسية لبناء قاعدة عسكرية بحرية في ميناء مصوع الإريتري على البحر الأحمر. فلقد التقى الرئيس الإريتري آسياس آفورقي، في أبريل الماضي، نائب القائد العام للقوات البحرية الروسية الأدميرال فلاديمير كاساتانوف، كما رست الفرقاطة الروسية (مارشال شاباشنيكوف) في ميناء مصوع بمناسبة الذكرى الـ 30 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين روسيا و إريتريا، و زار هذه الفرقاطة قائد هيئة الأركان الإريترية الجنرال فيليبّوس ولديوهانّس. من هنا نفهم تصاعد الحديث في الأيام الأخيرة حول تقديم روسيا أسلحة للحوثيين؛ فمنطقة باب المندب ذات أهمية حيوية و استراتيجية في أي مواجهة بين روسيا و الدول الغربية.
الملف الثاني – أرمينيا
في الأشهر الأخيرة، بدأت أرمينيا تسلك سلوكاً معادياً لروسيا، فلقد أجرت تدريبات مشتركة مع الناتو، كما أنها تزيد من تعاونها العسكري-الفني مع الدول الغربية. لذلك، فلا عجب و الحال كذلك أن تظهر قواعد عسكرية ناتوية و أمريكية على الحدود الأرمينية-الإيرانية بدل القواعد الروسية، و هذا في الواقع سيشكل تهديداً مشتركاً لإيران و روسيا على حد سواء؛ فزعزعة استقرار جنوب القفقاز كان هدفاً غربياً باستمرار.
الملف الثالث – ممر الشحن الدولي شمال-جنوب
سيربط هذا الممر روسيا وإيران والهند، وسيساعد على اختصار الوقت في نقل البضائع بين إيران والهند من جهة و روسيا من جهة ثانية. وتحتل إيران موقعاً مركزياً في هذا المشروع العملاق، فطول الطريق ضمن إيران يصل إلى حوالي 1300 كيلومتراً، وهي المسافة بين ميناء بندر-عباس والعاصمة طهران. و هنا تجدر الإشارة إلى أنه يتم تطوير عدة ممرات بحرية في بحر قزوين، عبر الموانيء الروسية (محج قلعه، أوليا، أسترخان) وكذلك عبر موانيء جمهوريات آسيا الوسطى والقفقاز (باكو، آكتاو)، إضافةً إلى ممرين بريين عبر القفقاز وآسيا الوسطى.
الملف الرابع – العلاقات الاقتصادية التجارية
تتعاون روسيا و إيران في المجالات الاقتصادية ضمن العديد من المنصات و المنظمات الإقليمية و الدولية، فإيران أصبحت عضواً في مجموعة بريكس منذ بداية هذا العام، كما أنها عضو في منظمة شنغهاي منذ عام 2022. لذلك فإن تعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية هو خطوة هامة لبناء نظام دولي يؤدي إلى نهاية الهيمنة الأمريكية في العالم.
يوضح هذا العرض الموجز أن هناك سعي محموم لتحضير الجبهات لمواجهة قد تندلع في المستقبل، و قد تنطلق شراراتها الأولى من إيران، رداً على السلوك الأمريكي-الإسرائيلي غير المسؤول، الذي لا يقيم أي اعتبار لسيادة الدول الأخرى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الدكتور آصف ملحم – مدير مركز جي إس إم للأبحاث و الدراسات (موسكو).
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً