بقلم الدكتور مصطفى يوسف اللداوي*
مضى على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة سبعةٌ وثلاثون يوماً، وما زالت غاراته الجوية والبرية والبحرية لا تتوقف، بل تزداد وتيرتها، وتتنوع أسلحتها، وتتّسع مساحتها، وتتضاعف ضحاياها، وتختلف أشكالها، ومضى على ما يسمونه بــــ”المناورات البرية”، التي لم توقف الغارات الجوية ولا القصف البحري، أكثر من أسبوعين، دخل خلالها جيش الاحتلال عبر أكثر من منطقة إلى شمال ومدينة غزة، واستخدم فيها سلاح المدفعية والدبابات بكثافةٍ عاليةٍ، مستهدفاً بها المدنيين في بيوتهم، واللاجئين في المساجد، والمدارس والمقار الأممية، والمستشفيات والمراكز الصحية.
رغم حشود جيش الاحتلال الضخمة، التي زادت عن 350 ألف جندي وضابط حول قطاع غزة، بالإضافة إلى قوات النخبة وعناصر الوحدات الخاصة، وكثافة العمليات وغزارة النيران، والقصف الأعمى الأهوج، إلا أنه لم يتمكّن حتى هذه الساعة من تحقيق إنجازاتٍ ملموسة على الأرض، ولم يتقدّم في شمال القطاع سوى بضعة أمتارٍ لا أكثر، وإن كان يتحكم في جزءٍ من شارعي صلاح الدين والرشيد بدباباته التي تقصف من بعدٍ، وتقتل المارة في الشارعين، وتمزّق أجسادهم وتحولها إلى أشلاء متناثرة في الشوارع.
ورغم ادّعاءاته المتكررة على لسان رئيس حكومته، وجنرالات حربه ووزير دفاعه، أنهم استهدفوا مئات المراكز والمقار القيادية لحركة حماس، وأنهم تمكّنوا من قتل قياديين كبار في الحركة والمقاومة، واستطاعوا الوصول إلى بعض الأنفاق ومخازن السلاح، وأحبطوا الكثير من العمليات التي كانت تعدها المقاومة لمفاجأتهم بها، إلا أنهم لم يتمكنوا من نشر صورةٍ واحدةٍ تعزز روايتهم، وتؤكّد أخبارهم، وتساهم في رفع الروح المعنوية لجنودهم الذين يقتلون، ومستوطنيهم المحبطين اليائسين، الذين باتوا يفضّلون إنهاء العمليات البرية، والاكتفاء بما حققه الجيش، والمباشرة في مفاوضاتٍ جادّةٍ عبر الوسطاء الدوليين، والاستعداد لدفع أثمانٍ باهظة مقابل استعادة أسراهم وتحرير جنودهم وعودتهم إلى عائلاتهم وذويهم.
يعلم المستوطنون الإسرائيليون الذين يُكَذِّبون رئيس حكومتهم ولا يصدقونه، ويصفونه بالكاذب الانتهازي، أن جُلّ ما فعله الجيش وحكومته والجنرالات أنهم دمّروا أكثر من 65% من قطاع غزة، ودمّروا بنيته التحتية وخدماته المدنية، واستهدفوا كل عوامل الصمود والبقاء، وقصفوا المستشفيات والمراكز الصحية، والمخابز والمحال التجارية، والمساجد والأسواق، ومحطات تحلية المياه وخزاناتها، وقتلوا حتى نهاية اليوم السابع والثلاثين للعدوان (مع المفقودين) أكثر من ثلاثة عشر ألف فلسطيني، أغلبهم من النساء والأطفال.
وفي الوقت نفسه لم يتمكن وجيشه من الوصول إلى مقار المقاومة وقواعدها، ولم يقضِ على قدراتها السلطوية، ومراكز السيطرة والتحكم لديها، ولم ينجح في منعها من إطلاق الصواريخ القريبة والبعيدة المدى، التي تغطي الغلاف كله وتصل إلى شمال تل أبيب وأطراف مدينة حيفا، وما زال يقف خائفاً حائراً من قدرة عناصر المقاومة التي تلتف، رغم كثافة القصف، خلف خطوط النار، وتباغت جنوده وآلياته وأرتاله العسكرية بقذائف الهاون والأسلحة الرشاشة، وتدمر كلياً وتعطب عشرات الآليات والعربات والجرافات العسكرية.
أمام هذا الفشل والإحباط الإسرائيلي على الأرض وفي الميدان، والعجز التام عن الإقدام على خطوةٍ أخرى إلى الأمام، وأمام تزايد أعداد القتلى والجرحى في صفوف جنوده وضباطه، وأمام إصرار الشعب الفلسطيني عموماً وفي شمال القطاع على وجه الخصوص، على البقاء في بيوتهم، والثبات على أرضهم، وعدم مغادرة مناطقهم إلى غيرها أياً كانت، جنوباً أو شتاتاً.
أمام ذلك كله وغيره مما تنتجه التطورات الميدانية، وتبدّلات الرأي العام الدولية، واتساع إطار نار الحرب الإقليمية، تقف القيادة السياسية للكيان الصهيوني بكل أركانها، السياسية والعسكرية، عاجزةً ضعيفة، مرتبكة مضطربة، متلعثمة مرتعشة، تتخبط وتتعثر، لا تثبت عل حال، ولا تستقر على قرار، ولا تتمكن من الإعلان عن أي إنجاز، فتراها أمام الميدان الذي خذلها، والجيش الذي عجز عن تحقيق أهدافها، والمقاومة التي صمدت أمامها، وتمكنت من إيذائها وإلحاق الضرر بها، تتراجع ساعةً بعد أخرى عن أهدافها، وتعيد ترتيب أولوياتها، ولا نستغرب في الساعات القليلة القادمة، نزولها عن شجرة عنادها، وانكفائها عن غطرسة قوتها، وقبولها بالتفاوض والخضوع الذليل لشروط المقاومة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الدكتور مصطفى يوسف اللداوي – كاتب وباحث سياسي
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز جي إس إم وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً